أخبار السودان:
أكبر وأعظم هدف وحلم يتمنى الشعب أن تحققه ثورة ديسمبر هو إزالة الفساد، وأكثر قرار أسعده بعد تكوين الحكومة الانتقالية هو إجازة المجلس السيادي ومجلس الوزراء لقانون تفكيك النظام المخلوع والذي على إثره تم تكوين لجنة إزالة التمكين وبدأت عملها، ولكن سرعان ما تعرضت لتشكيك من قبل كوادر النظام المخلوع وبعض أهل القانون وحتى شركاء الحكم، ورغم أن رئيس الوزراء دافع عنها ولكن التشكيك استمر وتعرضت له حتى من عضويتها، وليس أدل على ذلك أكثر من نقد رئيسها ياسر العطا الذي أطلق عليها الآن رصاصة الرحمة باستقالته وهو أمر له ما بعده.
بالأمس نقلت بعض الصحف ما قالت إنه قرار وشيك سيصدر بحل لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد، وسيصاحبه قرار آخر بتشكيل مفوضية محاربة الفساد بصورة مؤقتة تستمر لثلاثة أشهر بعضوية قضاة وقانونيين لحين الفراغ من تشريع قانون محاربة الفساد الذي قطعت فيه وزارة العدل شوطاً بعيداً وعقدت حوله العديد من ورش العمل بالرغم من أن اللجنة نجحت في ملفات عديدة لكنها تحتاج إلى أن يكون عملها قانونياً مسنوداً بأحكام قضائية وتقديم ملفاتها للقضاء.
إن تم حل اللجنة فعلاً فهذا يؤكد عدم قانونيتها، وطعباً هذه سانحة ذهبية لكوادر النظام المخلوع ليؤكدوا أن عمل اللجنة لم يكن قانونياً وكان تحاملاً على كوادره وتسييساً للعدالة والتشكيك في قدرة مجلس الوزراء والمجلس السيادي معاً اللذين شكلا لجنة معلولة .
بلا شك التراجع عن الخطأ وتصحيحه أمر جيد ولكن ما الذي يضمن لنا أن العمل الجديد سيكون عملاً قانونياً ولن يؤدي إلى نفس النتيجة لتبدأ رحلة تشكيك جديدة، ثم إن كانت اللجنة قانونية لماذا لا تستمر حتى إجازة القانون؟ ما الداعي لأن تكون مدة المفوضية ثلاثة أشهر وما الفرق بينها وبين اللجنة، ثم السؤال الأهم كيف يمكن للحكومة إقناع المواطنين بأن الأمر هو تصحيح مسار، خاصة وأن الكثيرين ما زالوا يرون أنها قامت بعمل جيد وقرار حلها سيكون فعلاً صدمة للكثيرين.
عموماً يقول المثل (امشي عديل يحتار عدوك فيك) ويبدو أن مجلس الوزراء والمجلس السيادي أجازا قانوناً ليس سليماً لأنه لم يقفل الباب أمام تشكيك أصحاب الأغراض الدنيئة، ولم يمكن اللجنة من العمل بسرعة وحسم رغم مرور أكثر من عام على تكوينها، علماً بأن فساد النظام المخلوع لا يحتاج دليلاً أكثر مما تعانيه البلد وأدى إلى تفجير الثورة .
الحقيقة التي تفسر كل هذا التخبط هي أن البلد ما زالت تحت سيطرة النظام المخلوع وأغلب الذين يعملون في المؤسسات القانونية والعدلية هم كوادره زائداً الشريك العسكري المسيطر فعلاً على البلد وجميعهم يعملون على تفخيخ أي مشروع لا يجدون فيه أنفسهم، خاصة وأن قوى الحرية والتغيير مشغولة بالكسب الشخصي والنهش في بعضها فتتفاجأ كل مرة بورطة جديدة، ومثلما جاءت الوثيقة الدستورية معيبة كذلك جاء قانون إزالة التمكين معيباً، ومثلما ستحل اللجنة اليوم فقد يمتد الأمر إلى وقف العمل بالوثيقة الدستورية غداً .
حقيقة الحل ليس في حل لجنة إزالة التمكين وإنما في قدرة الجميع على احترام هذا البلد والاتفاق على تطهيره من الفساد مهما كلف الأمر، وإلا فمهما أنشئت أجسام قانونية وسخرت لها الإمكانات سيظل الحال كما هو، وما من قانون كان يمكن أن ينقذنا من هذا المأزق غير شرعية الثورة التي فرطت فيها قوى الحرية والتغيير.
جريدة الديمقراطي