وصفت مجموعة من الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ما يحصل في السودان بأنه “عرقلة للتحول الديمقراطي”.
وتستمر التظاهرات في الشارع السوداني، وسط تحذيرات من أن تتحول لـ”عصيان مدني”، فيما أطلقت السفارة الأميركية في الخرطوم تحذيرا لرعاياها بتجنب الحشود خلال الفترة الحالية.
ويشهد السودان احتجاجات متواصلة تتخللها اضطرابات وأعمال عنف منذ الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر، حين أطاح بالمدنيين الذين تقاسموا مع الجيش السلطة بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير.
فكيف يمكن إعادة السودان إلى المسار الديمقراطي؟ وما المطلوب من المجتمع الدولي لدعم التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني؟
سلطة مدنية لتسيير الأعمال
الناشط السوداني، أيمن تابر، قال إن “إعادة السودان للمسار الديمقراطي، لا يمكن أن يتم بوجود العسكريين في الحكم، خاصة وأن الجيش قوض ما نصت عليه الوثيقة الدستورية بانقلاب 25 أكتوبر”.
وأضاف الناشط المقيم في الولايات المتحدة، في رد على استفسارات موقع “الحرة” أنه “حتى أن العودة لما نصت عليه الوثيقة الدستورية لم يعد ممكنا، والتي كانت قد نصت على فترة مشاركة حقيقية ما بين المدنيين والعسكريين تقود إلى انتخابات حرة نزيهة، ومن ثم التحول الديمقراطي الكامل في السودان”.
ويرى تابر أن الحل يكمن في “تسليم الحكم لسلطة مدنية مستقلة تسير الأعمال لحين إجراء الانتخابات، بعيدا عن التدخلات من قبل الجيش”.
وطالب الناشط السوداني بتدخل “عالمي” يمكنه “الضغط على المجلس العسكري ليتراجع عن المشهد السياسي في البلاد، خاصة في ظل القمع العنيف الذي يمارسه تجاه الشارع السوداني”.
حل سياسي شامل
وقال الكاتب الصحفي السوداني، سنهوري عيسى “إن العودة إلى المسار الديمقراطى فى السودان رهن بالتعامل مع المشهد السوداني بشكل شامل، وليس حصره في الذين وقعوا على الوثيقة الدستورية، أو المكونين المدني والعسكري”.
ودعا في حديث لموقع “الحرة” إلى ضرورة إيجاد “حل سياسي شامل، وتسوية وطنية يقودها السودانيون أنفسهم من خلال حوار سوداني سوداني، بمباركة من اللاعبين الدوليين”.
وأشار عيسى إلى أن على المجتمع الدولي “إبداء حسن النية بإلغاء تعليق المساعدات للشعب السوداني، ومنع انهيار الاقتصاد الوطني”.
وعلى الصعيد الداخلي، يرى عيسى أنه يجب تقديم “تنازلات من شركاء الفترة الانتقالية، بايقاف التظاهرات، وبالمقابل يتم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين كحسن نية من المكونين المدني والعسكري للدخول في حوار وطني جدي يفضى إلي حل سياسي شامل”.
وأكد عيسى على أهمية “الضغط على المكونين المدني والعسكري للدخول في حوار لكل أطياف الشعب السوداني ومكوناته السياسية والمدنية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب عدم التلويح بفرض عقوبات على من يعرقلون التحول الديموقراطي، حتى لا يصبح السودان مكانا للتجاذبات بين القوى الدولية”.
الإنصات لصوت الشارع
الباحثة السودانية، مها طمبل قالت لموقع “الحرة” إنه على المجتمع الدولي ” الإنصات لصوت الشارع السوداني ومطالبه، وإيجاد وسائل ضغط على قادة الجيش من أجل العودة للمسار الديمقراطي في البلاد”.
وأكدت ” أن “على القوى المدنية التعلم مما حصل خلال الأشهر الأخيرة، وأن استعادة المسار الديمقراطي يحتاج الاستناد إلى مرجعية الوثيقة الدستورية”.
وأشارت طمبل إلى أن “التحذيرات التي أطلقتها السفارة الأميركية، إجراء اعتيادي في الدول التي يجري فيها اضطرابات، ولكنها قد تكون مؤشرا على إجراءات مقبلة من واشنطن تجاه قادة الانقلاب الذين عطلوا المسار الديمقراطي للسودان”.
ورجحت أنه قد نشهد إجراءات تؤدي إلى “مزيد من العزلة، والتضييق على قيادة الجيش”.
التحول الديمقراطي من دون عسكر
المحل السياسي السوداني، فريد زين قال إنه “يمكن العودة للمسار الديمقراطي من خلال دعم جهود لجان المقاومة والأحزاب السياسية والمنظمات المهنية، للخروج باتفاق على شكل التحول الديمقراطي، واقناع العسكر بضرورة التنحي عن المشهد العام في الحياة السياسية”.
وأضاف في رد على استفسارات “الحرة” أنه على بعثة الأمم المتحدة في السودان، الأخذ بـ”رؤية المدنيين للتحول الديمقراطي، وتحييد العسكر، وعودتهم إلى مهامهم العسكرية”.
ودعا زين المقيم في الولايات المتحدة، المجتمع الدولي إلى “دعم التنظيمات المدنية، والضغط على العسكر من أجل التنحي، حتى لا تنزلق البلاد بعيدا عن المسار الديمقراطي الذي يريده الشارع السوداني”.
تجدد الاحتجاجات
وتجددت الاحتجاجات في الخرطوم ومدينة أم درمان المجاورة لها، الخميس، ضد الانقلاب العسكري، وذلك غداة اعتقال اثنين من قادة المعارضة، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
والأربعاء، اعتقلت قوات الأمن السودانية قياديين بارزين في ائتلاف قوى إعلان الحرية والتغيير، التي تقود الاحتجاجات ضد الانقلاب العسكري، هما وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، خالد عمر يوسف، ووجدي صالح المتحدث باسم الائتلاف.
وحمل المتظاهرون الأعلام السودانية وصور قتلى الاحتجاجات نتيجة القمع، والذين بلغ عددهم على الأقل 79 شخصا منذ الانقلاب العسكري في أكتوبر، مطالبين بحكم مدني ومحاسبة المسؤول عن قتل المتظاهرين.
وأغلق المحتجون بعض الشوارع الرئيسية في جنوب العاصمة بوضع حواجز من الحجارة. وحاولت مجموعة من المتظاهرين التوجه إلى القصر الرئاسي إلا أن قوات الشرطة أطلقت عليهم قنابل الغاز المسيل للدموع، بحسب ما نقله صحفي لفرانس برس.
وفي وقت متأخر الخميس، دهست شاحنة رجلا بعدما تجاوزت الحواجز التي أقامها متظاهرون في شمال الخرطوم، وفق ما أفادت لجنة الأطباء المركزية المناهضة للانقلاب، محملة السلطات مسؤولية ما حصل.
افتقار إلى حسن النية
وجاءت احتجاجات الخميس تزامنا مع عودة محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة من دولة الإمارات التي كانت رحبت بمبادرة الأمم المتحدة لحل الأزمة في السودان.
وكان دقلو المعروف بـ”حميدتي” في زيارة إلى الإمارات لبحث “مسار العلاقات السودانية الإماراتية وسبل دعمها وتعزيزها”، بحسب وكالة أنباء السودان الرسمية.
وطالب المجتمع الدولي بالإفراج عن القياديين المعارضين، وكتبت سفيرة النرويج في السودان عبر حسابها على موقع تويتر أن “حملة التوقيف التي طالت السياسيين والناشطين والصحفيين تقوض جهود حل الأزمة”.
وكتب السفير البريطاني جايلز ليفر أن التوقيفات الأخيرة “تظهر افتقارا إلى حسن النية”.
وحذرت الولايات المتحدة التي أوقفت صرف 700 مليون دولار من المساعدات، من أن استمرار حملة القمع سيكون له “عواقب”.
وقالت القائمة بالأعمال الأميركية في السودان، لوسي تاملين، في تغريدة نشرت نسخة منها بالعربية ليل الأربعاء إن “الاعتقالات والاحتجاز التعسفي لشخصيات سياسية ونشطاء المجتمع المدني والصحفيين تقوض الجهود المبذولة لحل الأزمة السياسية في السودان”.
المصدر الحرة