أخبار السودان : تفاقمت أزمة مسار شرق السودان ضمن اتفاق جوبا للسلام على خلفية المطالبات الأهلية بإلغائه والتهديد بإغلاق الإقليم والموانئ الرئيسية مرة أخرى، مقابل رفض قوى سياسية وأهلية المساس بالمسار، وسط صعوبات تواجهها السلطة الحالية في الخرطوم لإيجاد مخرج نهائي للأزمة، في ظل احتدام صراعات المدنيين والعسكريين وعدم القدرة على التحكم في الأوضاع.
وكان نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، أكد خلال اجتماعه أخيرا مع رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، أن هناك مشاورات لحل أزمة شرق السودان.
ولم تستطع اللجنة التي شكلها مجلس السيادة برئاسة حميدتي لحل أزمة مسار الشرق وفق صحيفة العرب اللندنية أن تصل إلى حلول وسط، وبدا أن هناك حسابات متداخلة تدفع باتجاه تجميد الوضع القائم بما لا يدفع إلى خسارة أي من الأطراف الفاعلة على الأرض، لأن الجبهة الثورية التي دعمت تحركات الجيش وتشارك في مجلس السيادة ترفض تعديل أو إلغاء المسار.
ورفض عضو مجلس السيادة السوداني، رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس يحيى، أي اتجاه نحو إلغاء مسار الشرق، قائلا “إلغاء المسار يعني الإلغاء لاتفاق جوبا كله.. من حق مواطني شرق السودان الاعتراض على المسار لكن ليس من حقهم المطالبة بإلغائه”.
وطالب مجلس نظارات البجا الذي يقود حراك شرق السودان تعديل المسار وإقالة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك (السابقة) واستفاد الجيش من اعتصامات نفذها المجلس بالشرق لخلق أوضاع مواتية لقرارات الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
وبقيت مساحات من التقارب بين الجيش والإدارات الأهلية في الإقليم بحاجة للحفاظ عليها ضمن معادلات وتوازنات بين المدنيين والعسكريين.
وتبدو السلطة الحالية في الخرطوم مع غياب شقها التنفيذي (الحكومة) غير مؤهلة للقيام بأدوار وسيطة بين الأطراف المختلفة مع استمرار الانقسام في الرؤى بين المكونات المشاركة فيها بشأن التعامل مع الأزمة الراهنة، فبعضها يظهر انحيازا لطرف ضد آخر، ما يفرض عليها توحيد رؤى تعاملها مع مسار الشرق المجمد.
وقال المحلل السياسي المهتم بشؤون شرق السودان عبدالمنعم أبوإدريس، إن السلطة في مأزق بين مؤيدي مسار الشرق ورافضيه لأن كلا منهم له ثقل اجتماعي في الشرق لا يمكن الاستغناء عنه، ومواصلة حالة الشد والجذب الحالية ستقود إلى أزمات أكبر في الإقليم وربما تتحول لمشكلات متزامنة يجد السودان صعوبة في التعامل معها.
وخرجت الأطراف الموقعة على مسار الشرق عن صمتها بعد تأكيدها أن اتفاق جوبا للسلام “غير قابل للتنازل أو المساومة، وسيدافعون عنه بكل الوسائل”، واتهمت مجلس البجا بأنه “يعمل بتوجيهات وتعليمات نظام البشير السابق لزعزعة الاستقرار”.
وأضاف أبوإدريس ل”العرب” أن تهدئة الأوضاع في شرق السودان ترتبط بقدرة الحكومة على الخروج بحلول وسط تقبل بها الإدارات الأهلية على أن يبدأ بعقد مؤتمر جامع تشارك فيه كل مكونات الإقليم، مستبعدا تطور الأمر لحد الحرب الأهلية.
ومنح نظارات البجا الحكومة مطلع الأسبوع الجاري مهلة أخيرة مدتها أسبوعان للاستجابة إلى مطالبه بإلغاء مسار الشرق قبل إغلاق ميناء بورتسودان مرة أخرى، ما يشي بأن التوتر الذي هدأ مؤقتا قد يعود مجددا وسط حالة من الاحتقان المتصاعدة.
ودفع ذلك تحالف القوى السياسية والمدنية المؤيد لمسار الشرق، ولديه رؤية داعمة لتحركات القوى المدنية، للتحذير من أن “الصراع المُوجه” في شرق السودان قد يؤدي إلى حرب أهلية في وقت يشهد فيه الإقليم استقطابا قبليا شديد الخطورة بين الموقعين على اتفاق مسار الشرق والرافضين له.
وتكمن تعقيدات الأوضاع في شرق السودان في وجود تداخلات داخلية وخارجية تؤثر على مجريات الأوضاع، ودائما ما يكون الصراع الإقليمي على الموانئ المطلة على ساحل البحر الأحمر حاضرا في أي أعمال عنف أو احتجاجات، ما يُصعب من مهمة الحكومة التي فشلت في اللعب بورقة التناقضات الدولية ولم تحقق أهدافها من وراء توظيف الحديث المتواتر عن القاعدة الروسية في بورتسودان لتخفيف الضغوط الأميركية عقب انقلاب الجيش.
ويحتاج الجيش السوداني إلى أوضاع هادئة في الشرق تدعم العمليات العسكرية التي يخوضها في منطقة الفشقة (جنوب شرق) على الحدود مع إثيوبيا، ويشكل غلق الإقليم مجددا تحديا على المستوى العسكري ولجهة تأزم الوضع الاقتصادي.
وتسبب الإغلاق السابق للإقليم في انقطاع وصول الاحتياجات الأساسية بما في ذلك القمح والوقود والأدوية إلى أنحاء البلاد، وأغلقت مخابز أبوابها في الخرطوم وبعض الولايات بسبب شح الدقيق، بما يضاعف الضغوط على الحكومة التي تحاول إطفاء النيران المشتعلة في ملفات سياسية ومجتمعية واقتصادية متفاقمة.
وتدرك دوائر في السلطة الحاكمة أن تأجيل الحلول لن يقود إلى أزمات أكبر، وترى أن الخطأ كان منذ بداية التوقيع على اتفاق جوبا للسلام دون الوصول إلى توافق بين كافة المكونات، لأن نظارات البجا عبرت عن موقفها الرافض للمسار قبل التوقيع عليه بشكل نهائي، وبالتالي فهؤلاء يدعمون الوصول إلى حلول نهائية وإن كان ذلك على حساب اتفاق جوبا الذي قد يخضع لتعديلات في المستقبل القريب.
وأكد المحلل السياسي المتخصص في شؤون شرق السودان عبدالقادر باكاش، أن عدم وجود رؤية للحل من جانب الحكومة أو القوى السياسية أسهم في تصدر أشخاص قبليين للمشهد، والآن تحولت الأزمة من سياسية إلى أهلية، ولن يكون هناك سبيل للحل سوى بتفكيك المشكلة المركبة ليصبح هناك توافق أهلي يتبعه حل سياسي.
وأوضح ل”العرب” أن تداخل الصراع السياسي في ما يدور على الأرض تسبب في تفاقم المشكلة ولا توجد أسباب منطقية يمكن أن تعرقل مسألة تعديل المسار باعتبار أنه لم يتضمن تفاصيل كبيرة بعكس مسار دارفور والمنطقتين، كما أنه لم يجر تنفيذه على الأرض حتى الآن ويمكن القول إنه لا وجود له.
وأشار إلى أن هناك توافقا بين قطاعات أهلية عدة وأن ما جاء في الاتفاق لا يحقق مكتسبات حقيقية لأهل الشرق مقارنة بحجم الاحتياجات التنموية ولا يعالج مشكلات الإقليم بشكل كافٍ، كما أنه لم يحقق التوازن المطلوب مع باقي المسارات التي حظيت بتمثيل في السلطة والثروة بنسبة بلغت 70 في المئة مقابل 30 في المئة للشرق.
المصدر: صحیفة العرب اللندنية