دفعت الحكومة السودانية بمقترح إلى الحكومة القطرية لإبرام صفقة لإنشاء مصفاة للذهب في دولة قطر، وجاءت الخطوة عقب اتفاق بين وزارة التجارية والتموين السودانية ورجال أعمال في الدوحة للحصول على موطئ قدم للذهب السوداني في هذا البلد الذي يعيش قطيعة مع الإمارات منذ العام 2017.
وجاء الطلب السوداني في لقاء جرى بين وزير التجارة والتموين الفاتح عبد الله يوسف مع وزير التجارة والصناعة القطري محمد بن قاسم آل ثاني في العاصمة القطرية الدوحة في الثاني من مايو الجاري.
وإزاء القتال بين الجيش والدعم السريع انخفض إنتاج السودان بالمقابل، فإن الحكومة القائمة في مناطق الجيش تأمل إنعاش المعدن الأصفر مجددًا وتحويل الصادرات من الإمارات من خلال دفع الحكومة القطرية بتحويل المشروع من الحلم إلى الحقيقة.
حرمان الإمارات
جاء قرار الحكومة السودانية بإنشاء مصفاة الذهب بعد أن دمرت الحرب مصفاة الخرطوم، والتي تعرضت إلى نهب عشرات الأطنان من الذهب الخام، وتقع منطقة المصفاة منذ بداية القتال تحت سيطرة الدعم السريع فيما تأتي هذه الخطوة لحرمان الإمارات من الحصول على جل الإنتاج من المعدن الأصفر السوداني.
وفي مؤتمر صحفي بتاريخ 18 مايو الجاري أقر وزير التجارة والتموين الفاتح عبد الله يوسف في مؤتمر صحفي عقده في بورتسودان العاصمة الإدارية للحكومة المدعومة من الجيش إن شركات الامتياز العاملة في التعدين تفضل تصدير الذهب إلى الإمارات؛ لأن السوق العالمي هناك معترف به دوليا.
ويقول المستشار السابق بالشركة السودانية للموارد المعدنية وهي شركة حكومية – عبد الله شم إن “قطر طوال علاقتها مع السودان تحاول صناعة واقع أفضل للسودانيين بمعزل عن من يحكم البلاد”.
ويرى الشم في مقابلة مع (عاين) أن الحكومة السودانية ربما أرادت توجيه ضربة اقتصادية إلى الإمارات، ولم تجد أفضل من قطر لأنها تملك رأس المال لبناء المصفاة والمشروع يحقق قفزة لقطر التي تعتزم دخول سوق التعدين. وزاد قائلًا: “قطر تشتهر بصناعة اللؤلؤ الشقيق الأصغر للذهب”.
ويقول الشم إن “الإمارات تجني فوائد اقتصادية من الذهب السوداني؛ لأنها تعيد تسبيك الصادرات السودانية، وتحصل على القيمة المضافة بالتالي قد تجني فوائد الذهب أكثر من السودان”.
وأردف: “الذهب السوداني المُصدر إلى الإمارات لا يقتصر على المعدن الأصفر بل يتم إنتاج معادن أخرى من خلال عمليات السباكة”.
ويعتقد المستشار السابق بالشركة السودانية للموارد المعدنية عبد الله الشم، أن الإمارات تقوم بإعادة تصدير الذهب السوداني المُسبك في مصافيها إلى دول أوروبية عبر السوق البريطاني.
ويقول الشم: إن “مشروع إنشاء مصفاة في قطر بالشراكة مع السودان نوع من الحروب الاقتصادية بين الدول”. ويتابع إن “البدائل لإنشاء المصفاة داخل البلاد لم تنعدم يمكن إنشاؤها في نهر النيل خاصة وأنها ولاية غنية بإنتاج الذهب”.
تهريب الضعفين
وعلى الرغم من أن مشروع مصفاة الذهب في قطر قد يستوعب الصادرات عبر الطرق الشرعية في نفس الوقت، فإن الإنتاج الذي يصدر إلى خارج البلاد عبر عمليات التهريب يعادل الضعفين من الإنتاج في القوائم الرسمية.
يعتقد الخبير الاقتصادي وائل فهمي، أن الأولوية لحماية الذهب من التهريب وضبط الإنتاج؛ لأن هذه الإجراءات سترفع قيمة الصادرات السودانية إلى حد بعيد، ويعالج العجز في الميزان التجاري.
خلال الحرب التي اندلعت بين الجيش والدعم السريع منذ (15) شهرا استمرت عمليات تهريب الذهب وفق عاملين في هذا القطاع، إذ تشير التقديرات حسب مصدر من تجمع العاملين في التعدين إلى أن السودان يخسر يوميا 15 مليون دولار؛ بسبب تهريب الذهب عبر دول الجوار إلى دول أخرى أبرزها الإمارات ومصر.
بالمقابل يقول الخبير الاقتصادي وائل فهمي لـ(عاين)، إن “محاصرة تهريب الذهب لن يكون مقتصرًا على تغطية الميزان التجاري فقط، بل سيمكن السودان من بناء احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي بالتالي خفض سعر الصرف وتحسن الوضع المعيشي جراء انتعاش الاقتصاد.
ورغم عمليات التهريب حافظ الذهب في السودان على البقاء ضمن الصادرات الأعلى إيرادا في الربع الأول من العام 2024 متجاوزا 400 مليون دولار طبقًا للشركة السودانية للموارد المعدنية.
جهات مستفيدة
ويقول الباحث في مجال اقتصاد التعدين أشرف أحمد في مقابلة مع (عاين) إن مبرر إنشاء مصفاة للذهب السوداني في قطر لا يسانده أي منطق اقتصادي؛ لأن الإنتاج المحلي إذا وجد حماية من التهريب كاف لإنشاء مصفاة داخل السودان من إيرادات المعدن الأصفر، وقد لا تتجاوز تكلفة المصفاة 10% من قيمة الإنتاج الكلية سنويًا.
ويوضح أحمد أن مصفاة الخرطوم كانت تحتاج إلى تمويل قليل حتى تحصل على الاعتماد العالمي للذهب السوداني الصادر من سبائك المصفاة في العاصمة السودانية قبيل اندلاع الحرب.
ويقول أشرف أحمد، إن “قطاع الذهب في السودان يُحمى بقرارات حكومية لقطع الطريق أمام الجهات التي تستفيد من إنشاء مصفاة خارج البلاد وشرعت في سبيل تحقيق الكثير من القوانين والسياسات”.
خسائر يومية
بينما يرى رئيس تجمع التعدين علاء الدين كتاحة، أن مشروع مصفاة الذهب السوداني في قطر يوضح مدى الفساد الذي وصل إليه هذا القطاع. وقال إن “تصدير خام الذهب إلى الإمارات ثم العمل على تحويله إلى قطر من خلال مشروع المصفاة يعني السماح لدولة خارجية بالحصول على القيمة المضافة من المواد الخام التي تقوم بتصديرها لأسباب غير منطقية سوى تمتد شبكات الفساد”.
ويضيف كتاحة في مقابلة مع (عاين): “إنشاء مصفاة للذهب لا يحتاج إلى مبالغ كبيرة حتى تقرر نقلها خارج البلاد هذه العمليات يجب أن تكون من صميم الحكومة حتى تنقذ الاقتصاد والعملة الوطنية”.
تقاطع مصالح
ويقول رئيس تجمع قطاع التعدين علاء الدين كتاحة: إن “الذهب الخام عادة يُباع في الأسواق العالمية بسعر أقل إذا قمت بعمليات السباكة في المصفاة المحلية ستوفر ملايين الدولارات”.
وأردف: “في العام 2020 إبان فترة الحكومة الانتقالية أجرينا دراسة على الفاقد من تصدير الذهب الخام وصلت الدراسة إلى أن السودان يخسر يوميا خمسة مليون دولار سلمنا الدراسة إلى مساعد رئيس الوزراء الشيخ خضر لكنه لم يتحرك.. أعتقد المصالح لعبت دورًا في إسكات مجلس الوزراء في ذلك الوقت”.
وتعتزم الحكومة القائمة في البحر الأحمر، والتي يهيمن عليها الجيش جني ملياري دولار هذا العام من إنتاج الذهب في نفس الوقت فإن توسع شبكات التهريب قد يكبح الوصول إلى هذه التوقعات حسب ما يقول مجدي عامر العامل في قطاع التعدين التقليدي شمال السودان.
ويقول عامر في مقابلة لـ(عاين) إن “السودان خسر 12 مليار دولار خلال ثلاث سنوات من عمليات تهريب الذهب التي حرمت البنك المركزي من إيداعات صادرات التعدين.
وأردف: “الدعم السريع وشركات محمية من رجال الأمن وكبار الضباط في الأجهزة الأمنية والعسكرية خلال السنوات الثلاثة الماضية عملت في تهريب الذهب على نحو مباشر، بل كانت تتنافس في بعض الأحيان لالتهام الإنتاج من على باطن الأرض الأول قبل الثاني”.
ويقول عامر : إن “الأولوية في الوقت الحالي مكافحة تهريب الذهب عبر شمال السودان إلى مصر وإلى الإمارات عبر غرب السودان خاصة مناطق سيطرة الدعم السريع في سنقو بولاية جنوب دارفور”.
المصدر: عاين