حتى لايكون كل واحد منا كيفن كارتر
هل يشك احد في ضياع إنسانية المؤسسات الغربية وتقديمها مصلحتها على الحقيقة والمهنية والأخلاق؟ لا اظن منصفا يخالف مقولة ان الانصاف والعدل واحترام حقوق الإنسان ليست محل اهتمام الغرب مؤسسات وحتى أفرادا الا من رحم الله.
واذا نظرنا إلى الاعلام الغربي رايناه بعيدا عن الانصاف والمهنية فاعلام لايلقي بالا للإبادة الجماعية ليس جديرا بالاحترام ، واعلام يهتم بالمادة التي ينقلها فقط دون العمل على ارساء القيم والأخلاق ليس محلا للتقدير.
وننقل أدناه نموذجا واحدا ندلل به على ان افتقار الإعلام الغربي للأخلاق امر متاصل عندهم قديم مستمر ، وما تجاهله اليوم لجرائم إسرائيل الا امتداد لعدم انسانيته التي شهدت عليها أحداث سابقة وفي سنوات مضت.
في ثمانينات او تسعينات القرن الماضي وأثناء مجاعة طاحنة ضربت أجزاء من السودان كان الإعلامي الأمريكي كيفن كارتر هناك وفي احدي المناطق سمع انينا مكتوما فتتبع مصدر الصوت ووصل قريبا منه فراى طفلة تئن من الجوع والألم وهي تزحف محاولة الوصول إلى مركز لتوزيع الطعام ليس بعيدا عن المكان وكان الموقف الأخلاقي والإنساني والقيمي يفرض على الرجل ان يساعد الطفلة ويقوم بانقاذها لكنه هنا كان يفكر في التقاط صورة لها ولم يهتم لمعاناتها وان اي زمن يمر يمكن أن يزيد من المها ، والطفلة في هذا المشهد المؤلم لاتقوي على الحراك حط قريبا منها نسر جارح ينتظر الوقت المناسب ليفترسها وايضا لم يتحرك الصحفي الامريكي وإنما كان يتهيأ لالتقاط صورة للطفلة المغلوبة علي أمرها والنسر يحاول الاتقضاض عليها دون أن يفكر في إنقاذ الطفلة وهي تحتاج لمساعدته في عمل أقل ما يمكن أن يقال عنه انه بعيد عن الأخلاق والإنسانية.
وفي النهاية اخذ صورة للمشهد وطرد النسر لكنه لم يتحرك لمساعدة الطفلة وانقاذها وإنما تركها في حالها وذهب خوفا من أن تكون مصابة بأمراض تنتقل اليه وهذا تجرد تام عن الانسانية ، وبعد ايام باع الصورة لصحيفة نيويورك تايمز التى نشرتها وشاهدها العالم وكثيرون سالوا عن مصير الطفلة لكن المؤسسات الغربية كانت مشغولة بمنح كارتر جائزة بولتزر العالمية وكان الصحفي فرحا جدا بما أنجز ، وقد توجهت للرجل انتقادات كبيرة وتحدث البعض عن قسوة قلبه وكيف انه ترك الطفلة عرضة للخطر دون أن يفعل لها شيئا مع ان هذا كان امرا متاحا ، وقالت احدي الصحف ان الرجل الذي يضبط عدسته ليأخذ اطارا صحيحا لمعاناة الاخرين قد يكون مفترسا اخر في المشهد.
وبعد أشهر وجدوا كارتر ميتا في سيارته وقد ترك رسالة كتب فيها تطاردني ذكريات حية لعمليات القتل والجثث والغضب والألم لاطفال جرحي يتضورون جوعا.
واليوم والجميع يمتلكون كاميرات على الجوال وأغلبهم على اتصال بالإنترنت وقد شاهدنا مئات المشاهد المفزعة لاطفال غزة وقد قطعتهم أشلاء الوحشية الإسرائيلية الأمريكية فان الصمت عن نشر مظلمتهم وعدم رفع هذه الصور على حسابات التواصل الاجتماعي تشكل تخاذلا كما فعل كارتر مع الطفلة التي تئن من الجوع والألم والنسر يحاول افتراسها وهاهم أطفال غزة تفترسهم إسرائيل وامريكا بمساعدتها والمطبعون بمواقفهم المخزية ومن لم يناصر الأطفال المظلومين في غزة فانه بشكل او باخر يقف مع عدوهم.
سليمان منصور