أثار الحاخام الأكبر في السعودية وجزيرة العرب -كما يسمي نفسه- يعقوب يسرائيل هرتسوغ، الجدل بحديث أطلقه عبر صفحته الموثقة على موقع “إكس” (تويتر سابقا)، الاثنين الماضي، يحذر فيه من انقلاب عسكري يحدث في مصر، يتم طبخه على نار هادئة، ضدالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
وقال هرتسوغ: “الرئيس السيسي في دائرة الخطر للأسف”، مخاطبا إياه، وموضحا أن ذلك “الخطر من العسكر”، وموجها تحذيراته من أن هناك “انقلابا يُطبخ على نار هادئة”.
وأعرب الحاخام الأكبر، المثير للجدل بظهوره في الأماكن المقدسة للمسلمين بالسعودية، عن أمنيته قائلا: “أتمنى الثبات والاستقرار لمصر”، مستدركا بأن “اللعب بالنار، وأوراق حماس، يحرق الأصابع”، في إشارة إلى قوى مناوئة للسيسي، يغضبها تعامل السيسي في ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والجارية منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وختم بالقول: “أخشى أنها آخر سنة هادئة في قصر الاتحادية؛ والقادم ربما كقصر الرحاب في العراق”، ملمحا إلى مجزرة قتل الأسرة الحاكمة في العراق، والملك فيصل الثاني، على يد تنظيم “الضباط الأحرار” الذي قاده عبدالسلام عارف وعبدالكريم قاسم، عام 1958.
مراقبون بينهم الكاتب الصحفي أحمد حسن الشرقاوي، أكدوا أنه يجب أخذ الأمر بجدية، كما أنهم ربطوا بين حديث هرتسوغ وما يجري عبر صفحة السيسي، بمواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”إكس”، من حذف لمنشورات قديمة كتبها السيسي قبل سنوات، وتستعرض إنجازاته في مجال الاقتصاد وحل الأزمات وبينها العملة والطاقة والكهرباء، وغيرها، وهي الأزمات التي عادت للواجهة بقوة.
وأثار مسح صفحة السيسي بعض تدويناتها وتغريداتها الكثير من الجدل بين المصريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ودشنوا هاشتاغا “بعنوان”: “السيسي_بيمسح_تويتاته”
وأشار محللون إلى أن مسح البوستات وراءه شيء خطير، إذ قال الكاتب والمحلل السياسي مجدي الحداد، عبر “فيسبوك”: “لا يمسح بوستاته إلا من يشعر أن ساعة الحساب اقتربت”.
وقال المحامي المصري نبيل زكي: “هناك ما يحدث في الخفاء”، مضيفا عبر صفحته على “فيسبوك”: “يبدو أن الأمور ستتغير”، مستدركا بأن “الأهم، كيف ومن سيغيرها؟”، موضحا أن “هذا ما سيتوقف عليه القادم إذا كان تغيرا للأحسن أم للأسوأ”.
“سياسات السيسي”
ووضع السيسي، أكبر بلد عربي سكانا، وثالث بلد إفريقي من حيث التعداد، وثاني أكبر اقتصاد في القارة السمراء، تحت ضغوط، وتسبب له في أزمات، وتحديات مالية كبيرة مع دين خارجي بلغ بنهاية العام الماضي نحو 168.034 مليار دولار، ما تبعه التزامات بدفع أكثر من 97 مليار دولار لخدمة دين ما بين فوائد وأقساط.
وتتفاقم حالة الغضب الشعبي من سياسات السيسي، الاقتصادية والمالية التي أفقرت المصريين، وكذلك انتهاجه عمليات البيع والتفريط في الأصول العامة، وسقوط الإرادة السياسية المصرية ورهنها لقرارات دول خليجية، وتراجع أدوار القاهرة الإقليمية والدولية، وعجزها عن حل أزمات دول الجوار بل والتورط فيها مع طرف ضد آخر، وفق مراقبين.
إلا أن احتلال إسرائيل لمعبر رفح البري، ومحور فيلادليفيا بالمخالفة لجميع الاتفاقيات، وجريمة قتل الجنود المصريين على حدود غزة، كانت إحدى أسباب انتقال حالة الغضب إلى صفوف الجيش، وفق متحدثين لـ”عربي21″، ومحللين أجانب.
وفي 7 أيار/ مايو الماضي، ولأول مرة منذ العام 2005، اجتاح الجيش الإسرائيلي محور فيلادلفيا، وسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح على حدود مصر، ليعلن نهاية الشهر السيطرة الكاملة على المحور.
وفي 27 مايو/ أيار 2024، استشهد اثنان من جنود مصر في حادث إطلاق نيران بمنطقة الشريط الحدودي برفح، ليزيد مشهدا توديع الجنديين عبدالله رمضان حجي، من قرية العجميين مركز أبشواي بمحافظة الفيوم، وإسلام إبراهيم عبدالرازق، من عزبة جاب الله مركز سنورس بمحافظة الفيوم، من حالة الغضب بين العسكريين.
“خلافات مع السيسي.. وغضب بالجيش”
وكشف مقال في موقع “ميدل إيست آي”، 31 أيار/ مايو الماضي، عن حالة الاستياء المتصاعدة من الجيش المصري ضد أمريكا مع تصاعد حدة التوتر في رفح، مشيرا إلى أنه بجانب حالة الغضب داخل الجيش، فإن هناك خلافات بين بعض القادة والسيسي.
الموقع البريطاني نقل عن مسؤول مصري سابق أن “المجلس العسكري في مصر، وجهاز المخابرات العامة، ومسؤولون آخرون بوزارة الدفاع، يشعرون بالغضب من وقوف أمريكا بجانب إسرائيل بشأن غزوها لرفح والاستيلاء على محور فيلادلفيا”.
وقال المصدر المصري: “هناك أشخاص يريدون من السيسي أن يتخذ نهجا أكثر قوة”، مؤكدا أنه “كانت خلافات للسيسي مع وزير الدفاع محمد أحمد زكي”.
وأشار الموقع إلى أن مصر سمحت لحركة حماس بتهريب الأسلحة والإمدادات عبر حدودها مع غزة.
وتتحكم واشنطن في مبلغ المعونة الأمريكية المقررة للجيش المصري وفقا لاتفاقية “كامب ديفيد” عام 1979، فمرة تهدد بحجبها كاملة، أو جزءا منها، وفي الوقت الذي منع فيه الكونغرس الأمريكي مبلغ 235 مليون دولار من المساعدات، فإنه يواصل دعم إسرائيل، رغم خرقها اتفاقية السلام مع مصر باحتلالها المنطقة الحدودية في غزة.
وفي السياق، أكد أحد الضباط المصريين المتقاعدين برتبة “نقيب”، أن “هناك بالفعل حالة من الغضب المكتوم بين الضباط، لا أعلم مدى وصولها للرتب الأعلى، ولكن الأكيد أن الجميع غير راض على مواصلة إسرائيل اعتداءها وتقليلها من شأن الجيش المصري، وتراجع صورته في عيون الكثير من المصريين”.
وأضاف في حديثه لـ”عربي21″: “نحن نقترب من الصورة السيئة للجيش المصري التي سادت عقب هزيمة 1967، وكثيرون متأكدون أن السيسي يعمل لغير صالح الجيش، بل ويوطن الصورة السلبية حوله”.
مراقبون في حديثهم لـ”عربي21″، قدموا قراءة في دلالات حديث الحاخام الإسرائيلي، والهدف منه وتوقيته، وإذا ما كان يجب أخذه محمل الجد، وبشأن ما إذا كان يحاول حشد الدعم الصهيوني والغربي للسيسي، مجددا، أم إنه بالفعل هناك حراك وغضب داخل الجيش وتوجد قوى مناوئة ضد السيسي..
“نتنياهو.. وصناعة السيسي.. وتوريط الجيش”
وقال الخبير الدولي في إدارة الصناعات البحرية، إبراهيم فهمي: “ليس سرا أن الداعم الأكبر في تغيير تركيبة نظام الحكم بمصر منذ منتصف 2013، وخلال 10 سنوات متتالية؛ هو بنيامين نتنياهو، الذي استخدم نفوذ اللوبي الصهيوني العالمي للتأثير على الحكومات الغربية، ودوائر صنع القرار بها لتمرير كل من الانقلاب العسكري والتحول الدراماتيكي بالإدارة العليا للدولة”.
البروفيسور، والسياسي المصري، المقيم في لندن، أوضح لـ”عربي21″، أن “ذلك التحول تسبب في اختلال التوازن بين السلطات والمؤسسات المتعددة بمنظومة الحكم، وتركيز صناعة القرار بيد فرد واحد يُؤمر فيطاع كملك، يصدر فرمانات القرون الوسطى”.
ويعتقد أن “المؤسف هنا هو أن المؤسسة العسكرية صمتت أمام هذه المهانة التي تسببت بأضرار هائلة للأمن القومي، وتورطت في تمرير قرارات تعصف بالأمن المصري، مقابل الامتيازات الاقتصادية للجيش”.
وألمح إلى أنه “صاحب ذلك سجن نحو 100 ألف معارض بداية حكم السيسي، المتخفي وقتها خلف قشرة رقيقة من التيارات العلمانية والناصرية التي احتشدت حول مسمى التيار المدني، وفي ذلك استدعاء للعسكر للفتك بكل التيارات الوطنية الأخرى وفي القلب منها التيار الإسلامي الذي تم نفي صفة المدنيين منهم لتمرير قتل آلاف المتظاهرين السلميين واعتقالات ومطاردات وتشريد شمل مئات الآلاف”.
فهمي، أكد أنه “بنظرة ناقدة لكبار الموظفين بمؤسسات الدولة العميقة عصب الهيكل الإداري للدولة تجد أن رغبتهم في الاحتفاظ بمناصبهم وامتيازاتهم الوظيفية ومكانتهم الاجتماعية تتحكم في رؤيتهم لمآلات الأمور، وتفرض على معظمهم تكتيك الحياد حتى لا يتم تصنيفهم سياسيا، فهم منفذون لسياسات من يحكم دون تصويب لأخطائه خوفا من التنكيل وطمعا في الاستقرار”.
ولفت الخبير المصري، إلى أن “المقدمة السابقة ضرورية، وتناولنا في أحاديث سابقة لـ(عربي21) كيفية تفكيك الاتحاد السوفييتي عن طريق قيام الغرب في إطار الحرب الباردة بالدفع بميخائيل غورباتشوف، وتمهيد الطريق له حتى أصبح الروس في 1991 على كارثة أجهزت على إمبراطوريتهم وقتها”.
“الطوفان عرى السيسي أمام الجيش”
وأضاف: “جاء طوفان الأقصى ليضرب نتنياهو بمقتل، بينما كان حتى 6 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يُنظر له كملك متوج ليس فقط لبنى إسرائيل ولكن للمنطقة ككل، ونتيجة لذلك كان المتضرر الأكبر هو الرئيس المصري الذي انكشف ظهره أمام المؤسسة العسكرية تماما، بسياساته وقراراته التي حاول بها تعويم نتنياهو، صاحب الأفضال عليه، وعلى حساب ما تبقى من ثوابت الأمن القومي التي بددها تباعا خلال 10 سنوات”.
ويرى أن “المعادلة أصبحت صفرية؛ إما أن تفقد المؤسسة العسكرية شرفها للأبد، أو تستبق خروج الأمور عن السيطرة بتدبير انقلاب يتم صناعته على نار هادئة، لاسترداد كرامتها المهانة، مستغلة في ذلك الزلزال الذي ضرب تل أبيب بعنف، وارتداداته التي قوضت نفوذ اللوبي الصهيوني العالمي، وانشغال الغرب بعام الانتخابات”.
ويعتقد أن “إعادة تعويم الرئيس المصري أصبحت تكاليفها عالية جدا ومخاطرها أكبر بكثير من المرات السابقة، بعد الفشل الاقتصادي بإدارة ملفات الخبز والطاقة والبطالة ومستويات الفقر غير المسبوقة وبيع الأصول الاستراتيجية وتدهور العملة، لذلك فالنموذج الآمن دائما للتغيير في مصر يمر عبر بوابة المؤسسة العسكرية”.
ولفت إلى أن “الشواهد تميل إلى سيناريو يعود بمصر مباشرة إلى 12 شباط/ فبراير 2011، (تنحي حسني مبارك) ولكن ما سيحدث بعدها سيكون رهنا لمدى وعي الشعب وقيادات المؤسسات والنخب”.
فهمي، ختم مؤكدا أن “مسؤولية الجماهير الدفع بحكماء الوطنيين من أصحاب الخبرات المشهودة بالإدارة، والتجرد والكفاءة والقدرة على تقديم مصالح الشعب على المصالح الضيقة لتقدم الصفوف، وتجنيب الشعبويين والإقصائيين والمرتبطين بمصالح دول أخرى، ومحدودي الخبرة والكفاءة، من التسلق لتحقيق مكاسب شخصية”.
“يخدم المصالح الإسرائيلية بامتياز”
وفي رؤيته، قال السياسي المصري خالد الشريف، إن “الراعي الرسمي لانقلاب السيسي وحكمه هم الصهاينة الذين مكنوه من رئاسة أكبر دولة عربية، ثم تسويقه ودعمه بأمريكا والغرب؛ ولذلك فهم حريصون على استمرار حكمه لأنه يخدم المصالح الإسرائيلية بامتياز”.
القيادي في حزب “البناء والتنمية”، أشار في حديثه لـ”عربي21″، إلى أن “هناك حالة من الغضب في المؤسسة العسكرية لما يجري بغزة، وبعد الاستيلاء على معبر رفح ورفع العلم الإسرائيلي عليه دون أي ردع فعل مصري”، ملمحا إلى أن تلك الحالة تفاقمت “خاصة بعد مقتل الجندي المصري”.
ويرى الشريف، أن “حالة الغضب المصرية لا تخفى على أحد، والكثيرون يرون أن السيسي انقلب على الثوابت الوطنية وفرط في سيادة مصر”.
وأكد أن “الحاخام اليهودي يصف واقعا، وكرة الثلج والغضب تكبر يوما بعد يوم، خاصة في ظل احتقان شعبي من غلاء الأسعار، وعدم وفاء السيسي بوعوده، وتكبيل البلاد بالقروض والديون”.
ويعتقد أن “نظام السيسي فشل وينتظر رصاصة الرحمة من الشعب الذي صبر عليه كثيرا، وهو في حالة ترقب ومحاولة تدوير لحكمه مع إخفاء تصريحاته ووعوده القديمة”.
وختم بالقول: “كل المؤشرات تؤكد أن السيسي يواجه حالة غضب ستتمخض عنها الخلاص منه، وأن المنطقة في حالة تغيير منذ تداعيات طوفان الأقصى 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والتي كسرت أنف الكيان الإسرائيلي”.
“ليس شخصية عادية”
وفي تعليقه، قال الكاتب والناشط المصري المعارض سيد صابر، إن “حاخام السعودية ليس شخصية عادية، والوضع اقتصاديا وسياسيا صعب، وحديث الحاخام رغم دمويته وتشبيه توقعاته لنهاية السيسي، بما حدث للأسرة المالكة في العراق، قد يثير القلق الحاد في كل الدوائر”.
وفي حديثه لـ”عربي21″، أضاف أن “كرة الثلج تتدحرج في منحدر الصعود، ورحم الله الرئيس الراحل محمد مرسي، كانوا يقولون له إن (السيسي يدبر ضدك انقلابا)، فكان يشاور على جيبه اليسار، ويقول: (هنا مفاتيحه)”.
وأضاف: “من قلب صفحة الرئيس السيسي، بمواقع التواصل الاجتماعي يمكن القول إن كل من يعلق أو يقلب في بوستاته القديمة شباب غاضب مما يحدث سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، وليس لهم أو يجمعهم تنظيم، محض عفوية، ومحاولة لتنفيس السخط ليس إلا”.
وأضاف: “فضلا عن ما يتمتع به أدمن الصفحة من غباء منقطع النظير بحذف التغريدات والتويتات مثار الجدل والسخرية؛ ما شجع الشباب للبحث بشكل أكبر وأخذ سكرينات لتلك البوستات ونشرها”.
المصدر: عربي21