فيما تواجه دولة الاحتلال جملة من التحديات الميدانية الداخلية والخارجية، فإن قناعات جديدة بدأت تتسلل للأوساط الأمنية والعسكرية عن ما يعتبرونها فجوة آخذة في الاتساع بين أجزاء من النخبة الأمنية والجمهور الإسرائيلي، وتمتد إلى مختلف أوساط المؤسسات العملياتية ذاتها: الجيش، والشاباك، والموساد، والشرطة، بالتزامن مع تنامي عمليات المقاومة الفلسطينية.
الجنرال أمير أفيفي مؤسس حركة “الأمنيين” زعم أن “الحديث عن التنازل عن الأراضي المحتلة للفلسطينيين سيكون ثمنه حل الصراع، ليس صحيحا، بدليل أننا نرى الصراع معهم يتصاعد فقط، وليس له حدود، بما في ذلك داخل الخط الأخضر”.
وتابع: “وحتى لو فصلنا فلسطينيي الداخل عن أشقائهم في الضفة وغزة، في النهاية هناك صراع واحد يتم خوضه باستخدام نفس الأدوات في المنطقة بأكملها، وأداته الرئيسية هي الاستيلاء على الأرض في النقب والجليل والمنطقة ج والضفة الغربية”.
وأضاف أفيفي، وهو نائب قائد فرقة غزة، وقائد مدرسة الهندسة العسكرية، ومدقق المنظومة العسكرية، في حوار مطول مع صحيفة معاريف، ترجمته “عربي21”: “نعلم بوجود علاقة وثيقة بين فلسطينيي النقب وأراضي الداخل، وهنالك خطط واستراتيجيات لربط جنوب جبل الخليل عبر النقب بقطاع غزة، وكأننا أمام خطة وجودية واسعة وطويلة الأمد في النقب، وإحدى المشاكل أن إسرائيل لا تفهم أنها موجودة في قلب هذه الحملة”.
وزعم أنه “في إحدى الدراسات الاستقصائية، نفى ثلاثة أرباع فلسطينيي الداخل أن يكون لليهود حق قانوني وتاريخي وديني في الدولة، ولا بأي شكل من الأشكال، وسألنا إذا اجتاح جيش عربي المناطق الفلسطينية المحتلة بجانب من ستقاتل، فقال ربعهم أنهم سيقاتلون معه، وتعكس هذه المواقف حقيقة معينة يجب أن ندركها وهي أن هناك نواة معينة هنا”.
وتابع: “ولذلك رأينا أحداث هبة الكرامة في مايو 2021، وهي النواة التي أنتجت الهجمات القومية، وإطلاق النار، والاستيلاء على الأرض، وحتى الآن لم يقل أي حزب فلسطيني في الداخل إن أجندته هي الاندماج مع الإسرائيليين”.
وأوضح: “لا أصدق كلمة واحدة مما يقوله منصور عباس، لأنه يمثل الإخوان المسلمين، ولديه جدول أعمال إسلامي يتمثل في الاستيلاء على إسرائيل من الداخل، ومن يسمع ما يقوله الحزب باللغة العربية يفهم ذلك”.
وتابع: “أرى أمام عيني ثلاثة تهديدات وجودية تحتاج إسرائيل للاهتمام بها: أولها إيران؛ وثانيها التهديد داخل الدولة ذاتها وهو أخطر بكثير بسبب غياب الحكم، والاستيلاء على المستوطنات، والإضرار بأمن الإسرائيليين؛ وثالثها الحملة العالمية لمعاداة السامية، ونزع الشرعية عن إسرائيل، وهذا أحد أعظم التهديدات لليهود في التاريخ”.
وحذر من أنه “خلال 20 عامًا إذا ما عادت إسرائيل لقرار التقسيم للأمم المتحدة فلن يكون لا نقب ولا جليل، وستنتهي الدولة من الوجود، ومن أجل بقائها لأجيال، يجب أن تفعل العكس، بالاستيطان في جميع الأراضي في النقب والجليل والضفة وغور الأردن، سكانياً وطوبوغرافياً، لأن الاستيطان عنصر حاسم لمستقبل الدولة، وأي مكان في إسرائيل لا استيطان فيه سيعاني من مشاكل أمنية خطيرة، وهذا رأي صهيوني مغاير تماما لمن يقول إن الاستيطان عبء أمني”.
وأشار إلى أن “سياسة وزير الحرب بيني غانتس الخاطئة تجاه الفلسطينيين سببت تدهورا خطيرا في الأمن الإسرائيلي، حيث فشل الجيش في فعل أي شيء في جنين، ودفعنا ثمن هذه السياسة بهجمات شديدة جاءت من جنين إلى داخل إسرائيل”.
وزعم أن “السلطة الفلسطينية وراء كل ما يحدث في الجامعات العالمية، والأمم المتحدة، وحركات المقاطعة، وهي أكثر الهيئات عدائية تجاه إسرائيل، وأخطر بكثير من حركة حماس، لأن الأخيرة إرهابية بنظر العالم، أما السلطة فتحتفظ بمساحة كبيرة عالميا، أما في الداخل فإنها تتفكك أمام أعيننا، ولم تعد تسيطر على الخليل ونابلس، ما يستدعي من إسرائيل الاستعداد لذلك، وتحضير بديل لأبي مازن”.
واعتبر أن “هناك مبادئ يجب على إسرائيل الاحتفاظ بها من أجل وجودها، أولها غور الأردن بمعناه الواسع، بما في ذلك الجبال، بحيث يكون للأبد في أيديها، وتحت سيادتها، وثانيها أن يكون لها سيطرة أمنية مطلقة على كامل منطقة الضفة الغربية، وهذه السيطرة لا يمكن أن توجد دون الكتلة الاستيطانية، مؤكدا أن من يسيطر على الضفة اليوم هو المستوطنات وليس الجيش، والبديل هو ترسيخ دولة فلسطينية في غزة وشمال سيناء”.
وأشار إلى أن “هناك الخيار الأردني أيضا، فعدد الفلسطينيين في الأردن أكبر من عدد اليهود في إسرائيل”.
وأكد أن “إسرائيل ستواجه قريباً تحديات جسيمة، سيتعين عليها اتخاذ قرار في الملف الإيراني والأمن الداخلي، وسيكون لهذا عواقب، لأننا لا نستطيع الترويج للحلول دون احتكاك معهما، لكني رأيت أن عمليات صنع القرار على المستوى الحكومي وبالتعاون مع المؤسسة العسكرية تفتقر لأي منطق، وجاء الثمن باهظا من حيث الخسائر البشرية الإسرائيلية”.
وتابع: “بدأ كل ذلك في اتفاق أوسلو، فقد بنت غزة قوتها، ولم تعد تحت السيطرة، كل شيء تغير بداخلها، ما أعتبره فشلا إسرائيليا بنسبة 100٪، لأن الدولة فعلت الشيء نفسه في الضفة لتتلقى نفس الفشل الذريع الذي تلقته في غزة”.
وأوضح أن “غزة بدأت تعرف الأنفاق والصواريخ والعمليات، وفجأة أعلن أريئيل شارون عن فك الارتباط بها، رغم تحذير موشيه يعلون رئيس أركان الجيش حينها أنه في غضون عام ستصبح غزة حماسستان وحزب الله والقاعدة، لكن قادة المؤسسة العسكرية وعلى رأسهم وزير الحرب شاؤول موفاز كانوا يقولون إنها ستكون سنغافورة”.
المصدر: عربي21