أخبار السودان:
جلد الفتيات .. اذا كانت الأحزاب السياسية في السودان بكامل ارادتها تنقلب على السلطة الشرعية للديمقراطية، فماذا نتوقع من الشرطة؟ اذا كان الدكتور حسن الترابي الذي درس في جامعة الخرطوم ونال الدكتوراة من السوربون يتزعم أسوأ انقلاب على الشرعية الديمقراطية في السودان فماذا نتوقع من مدير عام الشرطة؟! يجب أن نتحلى ببعض الواقعية، بلادنا مأزومة في فكر الذين يصلون إلى المراتب الرفيعة لأن الكثيرين لا يصلون إلى هذه المناصب بالطرق السوية، ولذلك لا يجب ان نحلم بطبقة سياسية أو قادة خدمة مدنية أو عسكرية على مستوى عال من الجودة والوعي والفهم، هذا أمر بعيد جدا عن التحقق في الفترة الراهنة ولا يجب ان نغضب لذلك ولا ان نحبط بل يجب أن يكون هذا مفهوما وحافزا لمزيد من العمل الوطني نحو تجديد وتجويد القيادات وبناء الأمة والدولة.
مقالي بالأمس كان عن قيادي بالحكومة الراهنة، يشغل منصب قيادي في التحالف الحاكم وفي نفس الوقت يصف تحالفه بما لا يليق من اتهامات، هذه هي العقلية التي تنشط في الوسط السياسي السوداني، عقلية مأزومة، والجميع شاهد نافع على نافع واحمد هارون وامثالهما من سياسي الإنقاذ وكيف كانوا يديرون خلافتهما مع الاخرين، هذا هو مستنقع البلاد السياسي الذي نعيشه، هو نفس المستنقع الذي شوه تجمع المهنيين واخترق لجان المقاومة واخترق لجان التسيير، ويصر حتى اليوم على عدم تكوين المجلس التشريعي وعدم تعيين المحكمة الدستورية والمفوضيات، وينشط بصورة عجيبة في إقصاء الآخرين وقطع الطرق امام تمثيلهم في السلطة أو وجودهم في الحياة العامة. هذا هو واقعنا الراهن، واقع مازوم ولكنه ليس ميئوس منه، هو واقع ناتج كإفراز طبيعي عن ممارسات سالبة تاريخية أهبت باستمرار لوجود تشوه في الممارسة السياسية والخدمية في السودان.
جلد الفتيات
هذا الواقع المشوه على مستوى القيادات هو الذي ينتج أفكار شاذة عند البعض مثل حملة (جلد الفتيات في الشارع)، فهذه الحملة من مسماها لا يمكن أن تخطر بعقل شخص سوي، ولا يمكن أن يتبناها شخص راشد وواعي، فهي حملة ناتجة عن نفوس مشوهة وأفكار سقيمة ومتخلفة تناسلت من صلب أزماتنا في النخب والقيادات والأحزاب والمنظمات المجتمعية، لم يترك أبدا للنظام الاهلي الاجتماعي السوداني ان ينمو لوحده ويتطور مستوعبا فرادته وممتزجا بالثقافات من حوله مؤثرا ومتأثرا، وإنما ظل هذا النظام الاهلى دوما محط تدخلات سياسية من قيادات لا هم لها سوى تحقيق نظرة ضيقة مصدرها السلطة وغايتها السيطرة، فككت الأنظمة الشمولية النظام الاهلى وحجمت تطوره وأبدلت القيادات الأهلية المشبعة بالفكر السليم والعرف المستقيم والقابلية للتجديد بقيادات من أصحاب الولاء الذين لا يحملون أحيانا من صفة القيادة الأهلية سوى الانتماء للتنظيم الحاكم، فاختلط الحابل بالنابل وشهدنا ميلاد هذه النماذج السقيمة التي تتفاخر بجلد الفتيات وتخفض رأسها بذلة امام السلطان الجائر والموظف الظالم والقريب الخائن.
لا يمكن كذلك أن نقر الاستفزاز المجتمعي الذي تمارسه بعض الفتيات في ظل تحول مازال يخطو بتؤده نحو بناء الأمة، فالخروج الانفجاري عن المألوف يستفز العقليات البسيطة ويسهل من مهمة تأجيج عاطفتها بواسطة المشوهين نفسيا، فنجد أنفسنا في خضم معركة ليس هذا أوانها ولا زمانها تستهلك المزيد من الطاقة المرجوة لبناء الأمة وليس لصراعها، اخلص ختاما إلى حقيقة جوهرية يجب أن نعيها جميعا تقول:
بلادنا تعج بتركة الإنقاذ والنظام السياسي السوداني التاريخي المشوهة نفسيا وتعج كذلك بالمسوخ المشوهة بثقافات الغير المستوردة من الخارج، والشعب السوداني في المنتصف لا يمت بصلة لهؤلاء ولا إلى أولئك، وسيعزلهما الشعب اجلا ام عاجلا في مساره الطبيعي نحو ترميم ثقافته وبناء حضارته كأمة عريقة ذات ثقافة خاصة وحضارة فريدة.