تميزت مظاهرات الجمعة بالعاصمة تونس بمشاركة أحزاب سياسية كانت من أبرز داعمي رئيس البلاد قيس سعيّد عقب إعلانه التدابير الاستثنائية في 25 تموز/ يوليو الماضي وانفراده بكل السلطات.
وإلى جانب حركة “النهضة” التي اعتبرت إجراءات سعيّد “انقلابا” وحراك “مواطنون ضد الانقلاب”، فقد شارك في المسيرة المناوئة للرئيس أحزاب “التيار الديمقراطي” و”التكتل” و”الجمهوري” والعمال”، مطالبين بوضع حد للانقلاب.
وكانت هذه الأحزاب عبرت في الساعات الأولى التي تلت إعلان 25 تموز/ يوليو دعمها للرئيس التونسي قيس سعيّد الذي قرر حينها تفعيل المادة 80 من الدّستور، وتجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتسيير السلطة التنفيذية بنفسه بمعاونة حكومة يعيّن رئيسها.
واعتبر سعيّد إجراءاته الاستثنائية “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة التونسية من خطر داهم”، مشددا على عدم المساس بالحقوق والحريات.
وأعلنت خمسة أحزاب تأييدها للإجراءات الرئاسية، من ضمنها “الحزب الدستوري الحر”، الذي طرحت رئيسته عبير موسي نفسها وحزبها كبديل ومعارض صريح للائتلاف الحاكم قبل 25 تموز/ يوليو.
وأعلنت “حركة الشعب” وحركة “الرّاية الوطنية” وحزب “آفاق تونس”، تأييدها لسعيد، وحملت مسؤولية “تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتنامي الاحتقان الشعبي لحركة النهضة وحلفائها”.
أما خامس الأحزاب المؤيدة لإجراءات سعيد، فهو “التيار الديمقراطي”، حيث رفضها في ليلة صدورها، لكن بعد يومين أعرب عن “تفهمه” لها.
فيما “رحبت” قوى أخرى بإنهاء ما قالت إنها سلطة منظومة سياسية فشلت في قيادة البلاد لسنوات، وهذه القوى هي: “حركة تونس إلى الإمام” (يسارية) و”التّيار الشعبي” (ناصري) و”حركة البعث” و”الحزب الوطني الديمقراطي الاشتراكي” (يساري).. وجميعها غير ممثلة برلمانيا، بجانب الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية).
في المقابل، رفضت “النهضة” إجراءات سعيّد منذ اللحظات الأولى للإعلان، داعية إلى إنهاء “الانقلاب” والعودة إلى المسار الديمقراطي وطالبت بإعادة فتح أبواب البرلمان، الذي طوقته دبابات الجيش التونسي آنذاك، وكذلك فعل حزبا “قلب تونس” و”الكرامة”، الداعمين للائتلاف الحكومي.
ولم تعلن أحزاب أخرى كثيرة مواقف واضحة، واختارت التأني وإعلان مساندة لإجراءات سعيد مشروطة بتوضيح أفكاره والنّهج الذي سيسير فيه والضمانات المتصلة بالحقوق والحريات ومحاسبة من أخطأ وتحقيق العدالة.
ومن أبرز هذه الأحزاب: “تحيا تونس” و”البديل التونسي” وحركة “مشروع تونس”، ودعت جميعها إلى وضع خارطة طريق والبدء بإصلاح المنظومة السّياسية.
في 22 أيلول/ سبتمبر 2021، أعلن سعيد إجراءات استثنائية جديدة وردت في المرسوم 117، وتتمثل في إلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وأن يتولى بنفسه السّلطة التّنفيذية بمعاونة حكومة، ما دفع أحزابا عديدة مساندة له إلى التراجع عن موقفها.
ودعت هذه الأحزاب إلى احتجاجات وتشكيل جبهات حزبية، ومنها “تنسيقية القوى الديمقراطية”، التي أعلنتها أربعة أحزاب هي: “التيار الدّيمقراطي” و”آفاق تونس” و”الجمهوري” و”التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات”.
واختار “الحزب الدستوري الحر”، بعد 22 أيلول/ سبتمبر، التموقع في المعارضة، وشددت رئيسته عبير موسى على رفضها لـ”الدكتاتورية والحكم الفردي المطلق”.
وجددت موسي، عبر مقاطع مصورة، انتقادها لما قالت إنه عدم اتخاذ سعيد إجراءات قوية ضد حركة “النهضة”، التي تعتبرها عدوها.
إلا أن “الحزب الدستوري الحر” لم يشارك حتى الآن في احتجاجات ميدانية ضد إجراءات سعيد.
ولعل التغيير الأكثر تجليا جاء من جانب الاتحاد العام التونسي للشغل، إذ أعلن في البداية “تفهمه” لإجراءات سعيد، معتبرا أنها “جاءت تلبية لرغبة شعبية”.
لكن في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، قالت قيادات في الاتحاد إنه لا يمكن الذهاب “مع من يريد الانفراد بالسلطة والذهاب نحو المجهول”.
والسبت، التقى الرئيس التونسي مع الأمين العام للاتحاد، نور الدين الطبوبي، في حدث وصفه سعيد بـ”لقاء الود بعد التنائي”.
14 يناير
دعت أحزاب عديدة التونسيين إلى الخروج إلى الشوارع تزامنا مع يوم 14 كانون الثاني/ يناير، ذكرى الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، ولا سيما شارع “الحبيب بورقيبة” وسط تونس العاصمة، احتفالا بالذكرى الـ11 للثورة ورفضا لإجراءات سعيد.
وبالفعل، تظاهرت في العاصمة أحزاب “تنسيقية القوى الديمقراطية”، بالإضافة إلى أحزاب وشخصيات أخرى رافضة منذ البداية لإجراءات سعيّد.
والجمعة، منعت قوات الأمن المتظاهرين من الوصول إلى شارع الحبيب بورقيبة، واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريقهم، بحجة منع التظاهر، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية “استعمالا مفرطا للقوة من النظام ضد معارضيه”.
صندوق النقد الدولي
وفي سياق منفصل، طالب صندوق الدولي تونس بإجراء “إصلاحات عميقة جدا” من أجل الحصول على دعم مالي، في وقت يعاني فيه البلد من أزمة سياسية على خلفية إجراءات سعيّد، ما أثر سلبا على اقتصاد البلاد.
وكشف ممثل صندوق النقد الدولي في تونس جيروم فاشيه، أن على السلطات الساعية للحصول على مصادر تمويل دولية، خفض حجم قطاع الوظيفة العامة الذي يبلغ “أحد أعلى المستويات في العالم”.
وأفاد فاشيه، في مقابلة الأحد مع وكالة الأنباء الفرنسية، بأن تونس عرفت بسبب جائحة كورونا “أكبر ركود اقتصادي منذ استقلالها” في العام 1956، مشددا على أن “مشكلات البلاد كانت سابقة للجائحة، ولا سيما العجز في الموازنة والدين العام الذي بلغ حوالي 100 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي نهاية العام 2021”.
ورأى فاشيه أن النمو “يبقى ضعيفا وغير كاف بشكل كبير” لاستيعاب معدل البطالة الذي يتجاوز الـ18 بالمئة و”المرتفع أيضا في صفوف أصحاب الشهادات الشباب”. لكنه أشار إلى أن “اليد العاملة المؤهلة والرصيد البشري المرتفع الكفاءة والموقع الجغرافي المناسب” عوامل تشكل أوراقا رابحة للبلاد.
ومنذ تشكيلها في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، طلبت حكومة نجلاء بودن من صندوق النقد الدولي برنامج مساعدة جديدا، لكن فاشيه أكد أن المباحثات لا تزال في مرحلة تمهيدية، إذ إن صندوق النقد الدولي يريد أولا “معرفة نوايا السلطات على صعيد الإصلاحات الاقتصادية، لأن ثمة حاجة إلى إصلاحات بنيوية عميقة جدا”.
وعدد فاشيه قضايا ملحة ومنها “الثقل الكبير” لموظفي القطاع العام (16 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي)، قائلا إن “أجور الموظفين الرسميين البالغ عددهم 650 ألفا تستحوذ على أكثر من نصف نفقات الدولة السنوية، دون احتساب السلطات المحلية والشركات العامة”.
ومن القضايا الملحة الأخرى، بدء “إصلاح عميق للشركات العامة” العاملة في مجالات مختلفة من اتصالات وكهرباء ومياه شرب ونقل جوي، والتي تتمتع في غالب الأحيان بالاحتكار وتوظف ما لا يقل عن 150 ألف شخص”.
وقال المسؤول إن صندوق النقد الدولي يدرك “تأثير” قراراته على الأطراف المانحة الأخرى الوطنية والخارجية العامة والخاصة، علما بأن الاتحاد الأوروبي ودولا كبرى أخرى ربطت تقديم أي مساعدة بضوء أخضر يصدر عن الصندوق.
وقال فاشيه إن ذلك يشكل مسؤولية ملقاة على عاتق الصندوق، لكنه أكد أن “المسؤولية الأكبر تقع على أصحاب القرار وعليهم التحرك لإيجاد حلول”.
ورأى أنه لا يمكن القول كما يؤكد البعض إن تونس باتت على شفير الإفلاس المالي، موضحاً أن “هناك إدارة للميزانية تتكيف مع الوضع وإن بطريقة غير مثالية”.
أزمة سياسية
وبدأ الرئيس التونسي قيس سعيّد، سلسلة من التدابير الاستثنائية منذ 25 تموز/ يوليو الماضي، حيث إنه أعلن تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وترؤسه للنيابة العامة، وعزل الحكومة وتعويضها بأخرى غير مصادق عليها من قبل البرلمان.
وفي 22 أيلول/ سبتمبر، قرر سعيّد تعليق العمل بأغلب فصول الدستور، فضلا عن مواصلة تعليق أعمال البرلمان وإلغاء الامتيازات الخاصة بأعضائه، وتعطيل عمل بعض الهيئات الدستورية.
وتعمقت الأزمة السياسية بتونس بعد إعلان الرئيس، في 13 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، عن تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2022، وعرض مشاريع تعديلات دستورية لصياغة دستور جديد على الاستفتاء في تموز/ يوليو القادم.
المصدر: عربي21