أخبار السودان :
تكساس تهدد تماسك الجمهورية الامريكية
تحدثنا في المقال السابق عن المشاكل التي يواجهها الاتحاد الأمريكي بسبب مايسميه البعض تمرد ولاية تكساس ويطلق عليه اخرون دعوة تكساس للانفصال وتكوين دولة قائمة بذاتها.
الراديو العام الامريكي NPR تحدث في تقرير له بتاريخ 20/6/2022، تحت عنوان “البرنامج الجديد لفرع الحزب الجمهوري في تكساس وقال إن بايدن لم يفز في الانتخابات الرئاسية حقاً، ويدعو إلى انفصال الولاية”، على أن يقوم مجلسا النواب والشيوخ في الولاية بعرض استفتاء على سكان تكساس من أجل الانفصال.
ويسيطر الجمهوريون في تكساس على مجلسي النواب والشيوخ في الولاية، وعلى مقعدي ممثلي الولاية في مجلس الشيوخ الأميركي، وعلى 25 من أصل 38 مقعداً هي حصة تكساس في مجلس النواب الأميركي، وعلى حاكمية الولاية وكثيرٍ من مناصبها المنتخبة.
لكنّ الحزب، الذي يغازل النزعة الانفصالية في الولاية لتعزيز شعبيته، وتحسين شروط علاقة تكساس بواشنطن، ولتوظيف تلك النزعة في صراع الجمهوريين مع الديموقراطيين، لا يتبناها كليةً أو دائماً كخط مبدئي، بدلالة أن رئيس فرع الحزب الجمهوري في الولاية، مات رينالدي، رفض في ديسمبر الماضي عريضة تدعو إلى إدراج استفتاء غير ملزم بشأن انفصال تكساس في الانتخابات الأولية للحزب في مارس المقبل، بذريعة أن التوقيعات المجموعة إلكترونياً لا يمكن احتسابها.
من جهةٍ أخرى، عاد الخطاب الانفصالي ليذر قرنه في خطاب حاكم الولاية غريغ آبوت، بعد تصاعد الخلاف بشأن أحقية الولاية في اتخاذ إجراءات لمنع دخول المهاجرين لها، الأمر الذي لقي استحساناً كبيراً لدى رئيس حركة تكساس القومية ، دانيال ميلر، بحسب “نيوزويك”، في 31/1/2024، والذي قال : “تحصل أحياناً على مئة عامٍ من التاريخ في يومٍ أو أسبوعٍ واحد… و”تكسيت” أصبحت الامتداد الطبيعي المنطقي لما يحدث جنوباً عند حدود الولاية… وخصوصاً أنه بات يدفع مزيداً من التكساسيين نحو تأييد تحول تكساس إلى دولة مستقلة”.
والحقيقة أن نزعة الانفصال في تكساس تزايدت، إذ كانت استطلاعات الرأي مؤشراً دقيقاً، منذ وصول باراك أوباما إلى الحكم عام 2009، حتى بلغت نسبة مؤيدي انفصال الولاية 60% من المستطلعة آراؤهم في 5/7/2022، بحسب ما نشرته مؤسسة Survey USA. وكانت تلك النسبة تراوح بين 15 و26% بين عامي 2009 و2016.
ويدل ذلك على أن من يقولون إنهم مع الانفصال في ازدياد، لكن يبقى السؤال: إلى أي مدى يعبر ذلك عن رغبة حقيقية في الانفصال؟ في مقابل التعبير عن الاحتجاج السياسي على الهوية الحزبية وتوجهات الرئيس القابع في واشنطن؟ أو عن رغبة في تعديل ميزان العلاقة بين الحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات لمصلحة الأخيرة، من دون فرط الاتحاد الفيدرالي بالضرورة؟
فعلى سبيل المثال، عندما وصل ترامب إلى الحكم عام 2016، ارتفعت نسبة سكان ولاية كاليفورنيا المؤيدين لانفصالها عن الاتحاد الفيدرالي إلى 32% عام 2017، من 20% عام 2014، بحسب استطلاعات الرأي.
والفارق طبعاً أن انفصاليي كاليفورنيا أكثر ليبرالية وعلمانية ودعماً للتعددية العرقية والثقافية من انفصاليي تكساس، الأكثر تديناً ومحافظةً وحرصاً على هيمنة العرق الأبيض الأنغلو-ساكسوني، وأن كاليفورنيا تُعَد إلى يسار الحزب الديموقراطي، وتكساس إلى يمين الحزب الجمهوري. أما وجه التماثل بينهما فأن ما يجري لكاليفورنيا ينعكس على ولايات الساحل الغربي، وأن ما يجري لتكساس ينعكس على ولايات جنوبي الولايات المتحدة بصورةٍ عامة، فكلتاهما ذات ثقل وازن كبير.
سليمان منصور