تلوح في الأفق بوادر أزمة مكتومة بين بعثة الأمم المتحدة في السودان «يونيتامس» والحكام العسكريين، وذلك على خلفية الإحاطة التي قدمها رئيس البعثة، فولكر بيرتس، إلى مجلس الأمن الدولي عن الأوضاع في البلاد، والتي حذر فيها من الانزلاق نحو الصراع والانقسامات ما لم يتم التوصل لحل سياسي عاجل للأزمة، وعلى إثر ذلك ردت الخارجية السودانية ببيان عبرت فيه عن اتجاه لاتخاذ إجراءات لتحجيم دور البعثة السياسي.
وقالت الخارجية إنها شرعت على الفور في إعادة توجيه عمل البعثة إلى الجوانب الأساسية في تفويضها، مثل دعم اتفاق جوبا للسلام، ودعم تنفيذ البروتوكولات الملحقة بالاتفاق، والترتيبات الأمنية وقضايا النازحين واللاجئين، وحشد الموارد اللازمة للتحضير للانتخابات، بدلاً من تركيز جل نشاطها على الجانب السياسي.
وقال فولكر إنه «منذ انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي والأوضاع الاقتصادية والأمنية والإنسانية متدهورة، مع استمرار القمع العنيف من قبل السلطات في مواجهة المتظاهرين ضد الانقلاب، وقد تلقينا تقارير مقلقة عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها».
وذكر فولكر في تقريره أول من أمس أن المتظاهرين المطالبين بإنهاء الحكم العسكري في الخرطوم «يقتلون أو يعانون من إصابات خطيرة بالذخيرة الحية، كما تستهدف الاعتقالات لجان المقاومة والقادة السياسيين بتهم جنائية، ويمنع الكثيرين من الوصول إلى الأسرة أو المحامين لأسابيع، بالإضافة إلى استهداف النساء بالاغتصاب». مشيراً إلى أن الاحتجاجات «بدأت سياسية، لكنها أخذت تكتسب تدريجياً طابعاً اجتماعياً واقتصادياً بسب تدهور الظروف المعيشية، نتيجة ارتفاع الأسعار والسلع.
وبشأن الأوضاع الاقتصادية جاء في تقرير رئيس البعثة أن السودان معرَّض لخسارة مليارات الدولارات كدعم من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والمانحين الرئيسيين، وأنه سيستمر إيقافها طالما لا وجود لحكومة فاعلة، كما يواجه تفويت فرصة المواعيد النهائية لتحقيق 50 مليار دولار أميركي لتخفيف أعباء الديون الخارجية.
وأضاف رئيس البعثة «يونيتامس»، أنه من المرجح أن نحو 18 مليون سوداني سيواجهون بنهاية العام الحالي نقصاً في الغذاء، نتيجة تضاعف الآثار المجتمعة للنزاع والأزمة الاقتصادية وضعف المحاصيل.
وأضاف فولكر موضحاً: «لقد وردت علينا تقارير مقلقة عن ازدياد التوترات بين مختلف قوات الأمن وداخلها، حيث يعرب بعض المتحاورين عن قلقهم من أنه إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي، فقد ينحدر السودان إلى الصراع والانقسامات كما في ليبيا أو اليمن».
في سياق ذلك، أعلن فولكر عن بدء محادثات مكثفة في الأسبوعين المقبلين، هدفها محدد بالعودة إلى النظام الدستوري في ظل حكومة مدنية، قادرة على قيادة البلاد خلال الفترة الانتقالية ومعالجة الأولويات الأساسية.
ورهن نجاح المحادثات بوقف العنف، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وإلغاء تدريجي لحالة الطوارئ الراهنة في البلد، مشيراً إلى أن قادة الجيش أبلغوه بأنهم يدرسون بعض إجراءات بناء الثقة.
وتابع فولكر محذراً: «ما لم يتم تصحيح مسار الانتقال بقيادة مدنية فإن السودان سيتجه نحو انهيار اقتصادي وأمني وإنساني»، داعياً جميع أصحاب المصلحة إلى «تقديم تنازلات لصالح الشعب السوداني».
كما دعا القائم بالأعمال بالإنابة في بعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة خلال جلسة المجلس، البعثة الأممية في البلاد الالتزام بالحياد، وعدم الانحياز والشفافية في جمع وعرض المعلومات وتحليلها، واستخلاص النتائج في التقرير المقدم. وبرز تقارب كبير بين الفرقاء السودانيين خلال المشاورات الأولية التي أجرتها البعثة الأممية على إبعاد الجيش عن السياسة، وبدء ترتيبات دستورية جديدة تمهد لحكم مدني بالكامل، ما دفع العسكريين إلى المطالبة بإشراك الاتحاد الأفريقي في العملية السياسية.
المصدر: الشرق الأوسط