منذ عام ٢٠١٨ يحاول المزارع جابر دبابسة البقاء في أرضه ومنزله رغم التضييقات الإسرائيلية، فأهالي قريته خلة الضبع في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل جنوب الضفة المحتلة؛ يتعرضون لحرب معلنة منذ عدة سنوات بهدف تهجيرهم من أرضهم.
كان دبابسة يملك عدة آبار مياه لري أرضه الزراعية؛ ولكن آلة الهدم الإسرائيلية كانت تلاحقه وتهدمها في كل مرة، ليصل عدد الآبار التي تم هدمها له أكثر من ستة، من بين ٤٠ بئرا تعرضت للهدم أو تم تسليم أصحابها إخطارات بذلك.
ويقول المزارع لـ”عربي٢١”؛ إن الآبار في القرية معظمها كان محفورا منذ أكثر من ثمانين عاما، فقام الأهالي بترميمها وإصلاحها لاستخدامها في الري والحياة اليومية، وذلك بسبب عدم وجود شبكة مياه تخدم القرى والتجمعات البدوية في منطقة المسافر.
البنية التحتية المعدومة في مسافر يطا جزء من الخطة الإسرائيلية التي وضعت قبل أكثر من خمسة أعوام للسيطرة على أراضيها لصالح التوسع الاستيطاني، حيث سمحت سلطات الاحتلال بإقامة ست بؤر استيطانية عشوائية في المنطقة، بعد أن صادقت المحكمة العليا على طرد السكان الفلسطينيين الأصليين منها، بذريعة أنها منطقة تدريبات عسكرية وإطلاق النار الحي.
والبؤر الاستيطانية العشوائية تكون على شكل مزارع يوجد في كل واحدة منها قطيع من المواشي على الأقل، وأقيمت بالقرب من البؤر الاستيطانية العشوائية “متسبي يائير” و”أفيغيل” و”حَفات ماعون”.
ويوضح الدبابسة أن أهالي خلة الضبع يعتمدون على الزراعة في حياتهم بشكل رئيسي، ما يعني حاجتهم المستمرة للمياه، مبينا أن الاحتلال بدأ يعمل على حرمانهم منها، وفق خطة استراتيجية محكمة لاقتلاعهم من أرضهم.
الهجمة على الآبار تزامنت مع اعتداء واسع على الأهالي في عام ٢٠١٨، حيث تم هدم المنازل بشكل مكثف، وقطع شبكات المياه والكهرباء في منطقة مسافر يطا لتحقيق هدف تهجير الفلسطينيين.
وحين فشلت كل تلك الإجراءات في طرد الفلسطينيين من أراضيهم، قام الاحتلال بإطلاق يد المستوطنين عليهم، حيث بات السكان هدفا لمجموعات المستوطنين التي حرقت الأراضي، وهاجمت المنازل واعتدت على الأهالي.
“تم هدم منزلي خمس مرات، خلالها خسرت ما يقارب ٣٠٠ ألف شيكل (٨٥ ألف دولار)، ولكنني لم أيأس وظللت أبنيه في كل مرة، وهدموا لي ما يقارب ست آبار، ولكنني مصر على البقاء في أرضي رغم عدم توفر أي دعم رسمي لنا”، يقول دبابسة.
في شهر أيلول/ سبتمبر من العام الماضي أصدرت محكمة الاحتلال قرارا بإخلاء عشرين تجمعا فلسطينيا في مسافر يطا لصالح الاستيطان بينها خلة الضبع، بالطبع لم يستجب الفلسطينيون للقرار الذي وصفوه بالعنصري، فزاد الاحتلال من انتهاكاته بحقهم، حتى باتت تسجل عمليات هدم شبه يومية في التجمعات البدوية.
ويضيف المزارع؛ أن الأهالي الآن بعد هدم آبار المياه، يضطرون لشراء خزانات في كل يوم بتكلفة لا تقل عن ٦٠٠ شيكل (قرابة ٢٠٠ دولار) لكل منها، علما أنه تم تمديد شبكة مياه جديدة لخدمة مسافر يطا، ولكنها تعرضت للتخريب من المستوطنين.
ويتابع:” نحن نزرع أشجار اللوز والحمضيات والفواكه والخضروات، ولكنها تكفي حاجتنا فقط، ونعتني بها كي تساعدنا على تثبيتنا في أرضنا”.
عنصرية كاملة
البؤر الاستيطانية الجديدة في مسافر يطا ومناطق جنوب الخليل بشكل عام، يمكث فيها شبان وفتية من المستوطنين خلال الليل ويخرجون لرعي المواشي في النهار، بينما يسكن المستوطنون الأكبر سنا في البؤر الاستيطانية المقامة منذ سنين، وهذا النمط الاستيطاني معروف في مزارع استيطانية أخرى في أنحاء الضفة الغربية، حيث تتسع ظاهرة رعي المستوطنين الأبقار والأغنام بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، وتوجد 23 بؤرة استيطانية عشوائية على شكل مزارع مواشي في منطقة جنوب جبل الخليل وحدها.
المستوطنون الرعاة، يمارسون الترهيب من أجل إبعاد وطرد الرعاة الفلسطينيين عن المناطق التي يرعون مواشيهم فيها منذ عشرات السنين، ويرسل المستوطنون مواشيهم إلى حقول الفلسطينيين المزروعة بالشعير والأشجار المثمرة من أجل تدمير المحاصيل فيها.
مسؤول اللجنة الشعبية في مسافر يطا فؤاد العمور قال لـ”عربي٢١”؛ إن عدد الآبار التي تم هدمها خلال عامي ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ فاق ٣٥ بئرا في التجمعات البدوية، وخاصة آبار الجمع التي تم إنشاؤها منذ عشرين عاما.
وأوضح أن عمليات الهدم كانت تتم تحت حجة عدم الترخيص، أو أنها تقع في مناطق مصنفة على أنها “أراضي دولة” بحسب مزاعم الاحتلال، لكن الملاحظ أنه باستخدام المستوطنين، سيطر على عدد كبير من الآبار القديمة التي تعرف باسم “الكفرية”، أي التي يزيد عمرها على مئة عام.
السيطرة تلك كانت تتم بإقامة مستوطنات بالقرب من هذه الآبار، واستكمال المخطط بإقامة بؤر جديدة على مقربة منها وخاصة البؤر الرعوية، كما هو الحال في تجمع “الطوبا” وما تعرف بمنطقة “بير القط”، ففي منطقة الطوبا خلال هذا الأسبوع، تم السيطرة على بئر مياه فيها كان يخدم قرية كاملة، حيث جمع المستوطنون أغنامهم من الساعة الحادية عشرة صباحا حتى الساعة الثالثة عصرا حول البئر.
وأضاف: “هناك مخطط أخطر من مجرد السيطرة على البئر، هو مخطط محو التاريخ الفلسطيني وتزييف الحقائق، لإظهار تاريخ آخر للمستوطنين على أنهم أصحاب الأرض”.
ويوضح أن الاحتلال يستهدف كذلك الغرف الزراعية إلى جانب الآبار في مسافر يطا، حيث يقوم جنود الاحتلال بتصوير أي منشأة زراعية وتقديمه للقضاء الإسرائيلي، الذي يصدر إخطارا بالهدم والإخلاء أو وقف البناء، حيث باتت كل الغرف والمنشآت مخطرة بالهدم، ومنها ما تم تنفيذ أمر الهدم بحقها.
مسافر يطا تجمع من القرى الفلسطينية يعيش فيها حوالي ١٣٠٠ فلسطيني على تلال جنوب الخليل، وتواجه خطرا متزايدا بالإخلاء، وكجزء من عمليات التهجير حدد الاحتلال منذ أوائل الثمانينيات مساحات واسعة من مسافر يطا، ومن ضمنها تجمعات سكنية كمناطق عسكرية مغلقة لأغراض عسكرية، أو ما تسمى مناطق إطلاق النار.
المحاكم الإسرائيلية رفضت كل الالتماسات التي قدمت لها فيما يخص إخطارات الهدم والتهجير والإخلاء، منذ العام 2000 حتى 4 أيار/ مايو الماضي، وهذا الأمر يأتي تمهيداً لقرار الإخلاء الأخير، حيث ينفذ الاحتلال أساليب متعددة لتنفيذ قرار التهجير.
المصدر: عربي21