يتعين على الجنيه السوداني بذل المزيد من القوة كي لا ينهار أمام الدولار الأمريكي، خاصة مع صعود مضاربات التجار في السوق الموازي حيث يباع واحد دولار أمريكي بـ (1556)جنيهًا، حتى معاملات مساء الخميس.
باحث يتوقع وصول الدولة إلى مرحلة العجز في إدارة الاقتصاد
وسجل الدولار الأمريكي صعوده أمام الجنيه السوداني من (560) جنيهًا قبل اندلاع الحرب منتصف نيسان/أبريل 2023، بين الجيش والدعم السريع ووصل إلى (1556) جنيها في تعاملات الساعات الماضية بالأسواق الموازية المتعددة في مناطق سيطرة الجيش، وأبرزها نهر النيل والبحر الأحمر والقضارف والشمالية وكسلا.
بالمقابل يرى عثمان يس المستشار المالي لبعض الشركات إن السوق الموازي ليس بالضرورة أن يكون موجودًا داخل السودان، لأن تداول وشراء العملات يُدار عبر تطبيقات مالية لديها تأثير في تحديد السعر اليومي.
وأضاف: “في جميع الدول التي لجأ إليها السودانيون خلال الحرب، تعمل التطبيقات البنكية المحلية، لذلك يمكننا أن نقول إن السوق الموازي أصبح متجولا أو إلكترونيا أكثر من كونه في الواقع، وهذا سبب نشاطه المحموم”.
وأردف عثمان يس: “لا ينبغي أن نتحدث طويلًا عن الآثار، يجب التركيز على كيفية السيطرة على الدولار الأمريكي أمام العملة المحلية، والجواب هو أن تتوقف الحرب، لا يوجد حل آخر لأن الحرب تتطلب وضع ميزانية لا تقل عن (15) مليار دولار حتى تصمد لعامين على الأقل”.
وتابع: “بينما يقاتل الجنود في جبهات القتال، تضخ الأموال والذهب التي تم تخزينها قبيل الحرب في إحداث استقرار للوضع الاقتصادي ومنعه من الانزلاق، جميع الدول التي خاضت الحروب تفعل هذا.”
في بعض المعاملات التي جرت الخميس، أوقف بعض التجار في السوق الموازي عمليات البيع والشراء بعد صعود متكرر للدولار الأمريكي والعملات الأجنبية، خاصة الدرهم الإماراتي والريال السعودي، حيث اقتربا من حاجز الـ (410) جنيهًا، بينما وصل الجنيه المصري مقابل الجنيه السوداني إلى (33) جنيهًا.
ويرى الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر، أن ارتفاع سعر الصرف أمر طبيعي في ظل استمرار الحرب، خاصة مع عدم وجود تدفقات مالية تساعد الاقتصاد على الصمود، متوقعًا وصول البلاد مرحلة العجز في سداد الأجور الشهرية، بما في ذلك أجور القوات النظامية.
ويعتقد بن عمر أن السودان يعاني من شبح انهيار القطاع المصرفي الذي فقد 49% من الطاقة المصرفية، والتي تركها في الخرطوم بسبب الحرب، ولم يتمكن من استعادة خططه المالية في الولايات التي نقلت إليها فروعها بما في ذلك العاصمة المؤقتة بورتسودان.
ويقول بن عمر لـ”الترا سودان” إن تمدد الحرب إلى مناطق سيطرة الجيش مهدد حقيقي لفقدان الجنيه قيمته الشرائية، عقب سيطرة الدعم السريع على أجزاء واسعة من ولاية الجزيرة وتوقف أسواق المحاصيل الغذائية.
وزاد قائلًا: “انعكس خروج العديد من أسواق المحاصيل الغذائية على وصول الطعام إلى المواطنين، لأن هذه المحاصيل هي التي تشكل المصدر الغذائي للسودانيين وفي ذات الوقت مصدر المال”.
وأردف: “من سوق طابت في ريفي الحصاحيصا جنوب ولاية الجزيرة إلى سوق تمبول وسط الجزيرة كان يتم نقل وتداول المحاصيل الزراعية حاليا توقفت بسبب انتقال الحرب إلى هناك بالتالي خسر الناس مصدر الغذاء ومصدر الدخل المالي وتحولوا إلى معدمين تماما”.
ويشير بن عمر إلى أن الدولة قللت المنصرفات إلى الحد الأدنى حسب تصريحات وزير المالية جبريل إبراهيم، وهذا يعني عدم توفر القدرة للالتزام ببند الأجور للعاملين في القطاع العام.
ويوضح بن عمر أن الاقتصاد لا يمكن أن يستقر على وضعه مع استمرار الحرب، ناهيك عن توقع المؤشرات الايجابية، وما يحدث حاليًا نوع من المكابرة لأن الوضع الاقتصادي يتطلب وقف الحرب اليوم قبل الغد، والبحث عن حلول سلمية متوفرة إذا توفرت الإرادة السياسية.
وأضاف: “القطاع المصرفي رغم ضعفه قبل الحرب كان قادرًا على توفير العملات الصعبة، لكن حاليًا الممول الوحيد للعملات الصعبة هو السوق الموازي، الدولة تنظر الآن إلى سقوط الجنيه السوداني، ولن تتمكن من فعل أي شيء دون المرور عبر بوابة وقف الحرب”.
فيما طلب مراسل “الترا سودان” من مسؤول في واحدة من إدارات وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، التعليق على ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازي، ووافق على الطلب مشترطًا عدم نشر الاسم.
يقول المصدر الحكومي إن الحكومة لم تتفاجأ بارتفاع سعر الصرف، هذا وضع يحدث في جميع الدول التي تعاني من الحروب، لكن لا يمكن الإدعاء أن القتال يجب أن يتوقف لتحسين الاقتصاد، لأن الأمر لا يكون بيدك.
وأردف: “الدعم السريع هي التي بدأت الحرب، وهي التي تحتل منازل المواطنين، وقامت بنهب مستودعات الغذاء في المدن التي سيطرت عليها، فيما يعمل الجيش على تماسك الدولة من الانهيار بفعل هذه الحرب”.
قامت الدولة بإنتاج كميات من الذهب الشهور الماضية، بحيث تصدر لجلب العملات الصعبة إلى جانب الإجراءات المالية التي اتخذت لخفض المنصرفات غير الضرورية
وأردف: “قامت الدولة بإنتاج كميات من الذهب الشهور الماضية، بحيث تصدر لجلب العملات الصعبة إلى جانب الإجراءات المالية التي اتخذت لخفض المنصرفات غير الضرورية، وسداد رواتب العاملين في القطاع العام في الوقت المناسب، وتفعيل الضرائب أفقيًا في الأسواق، جميعها حلول تعمل عليها وزارة المالية.”
ما الذي أحدثه ارتفاع سعر الصرف بالنسبة للمواطنين في الأسواق عندما يريدون شراء الغذاء والخدمات، خاصة مع الأنباء المتواترة عن وجود زيادات على أسعار السلع الأساسية مثل غاز الطهي؟.
يقول عبد الباسط من مدينة دنقلا بالولاية الشمالية، إن عبوة الزيت والعدس والفول المصري والسكر والدقيق ارتفعت بشكل غير مسبوق، لم نعد نشتري هذه السلع بكميات كبيرة في الشهرين الأخيرين، وتكاليف المعيشة شهريًا لعائلة من أربعة إلى خمسة أفراد تتجاوز الـ (750) ألف جنيه شهريًا، ما يعادل (500) دولار أمريكي.
أما الأدوية والمواصلات والغاز أصبحت تحتاج إلى ميزانيات كبيرة، حسب ما يقول عبد الباسط الذي يشعر أن الحلول مسدودة أمامه، في ظل الارتفاع المستمر لتكاليف المعيشة في السودان والمخاوف من توسع رقعة الحرب.
المصدر: الراكوبة