أخبار السودان:
دعا حقوقيون وساسة وأكاديميون وباحثون عرب ودوليون، الجمعة، إلى الإفراج عن الداعية السعودي الشهير، سلمان العودة (63 عاما)، المعتقل منذ أكثر من ثلاث سنوات، مستنكرين ما وصفوه بالصمت الغربي والإسلامي تجاه ما يتعرض له داخل محبسه.
جاء ذلك خلال مؤتمر افتراضي، حمل عنوان “مصلحون معاصرون.. سلمان العودة نموذجا”، ينظمه مركز “آرك الفـُلْك” على مدار يومين بمشاركة 34 شخصية من دول مختلفة.
“الإصلاح أو الثورة”
وأكد الرئيس التونسي الأسبق، المنصف المرزوقي، أن “المصلحين يتوجهون للحكام بالنصائح التي هي في مصلحتهم، وعوضا عن الاستماع إليهم يلقون بهم في السجن، وفي آخر المطاف ما الذي يقع؟ يربح الحكام الوقت فقط”، مضيفا: “النظام السعودي قد يربح 10 أو 20 سنة، ولكن في نهاية المطاف، النتيجة معروفة”.
وأضاف المرزوقي، في كلمته خلال المؤتمر،: “الآن، بعد ثورات الربيع العربي، التي يظن البعض أنها انتهت، بينما هي بدأت للتو؛ فالمعادلة أصبحت معروفة: إما الإصلاح أو الثورة. ونحن ندعو لهبة وعي: أطلقوا سراح سلمان العودة والمساجين السياسيين كافة في السعودية، واستمعوا لهم بدلا من المطبلين”.
وأشار الرئيس التونسي الأسبق إلى أن ما وصفها بالوضعية الكارثية التي يشهدها العالم العربي، هي نتيجة عدم الإنصات إلى المصلحين من أمثال سلمان العودة، وهم كثيرون، وتابع: “لن ننسى سلمان العودة ومَن معه، لن نتركهم، ولا تنسوا أننا سنساهم إلى أن يُطلق سراحهم ويُعاد لهم الاعتبار”.
“داعية للإصلاح والتغيير والسلام”
ونوّهت المديرة التنفيذية لمؤسسة الديمقراطية الآن للعالم العربي، سارة ليا ويتسون، إلى أن “من مفارقات محاكمة العودة، هو مدى استعداد الحكومة السعودية لاستخدام تهم الإرهاب ضد شخص دعا سلميا إلى الإصلاح والتغيير والسلام”، داعية لتسليط الضوء على “المسؤولين الحكوميين المتورطين في محاكمة العودة، لأن محمد بن سلمان ما كان يستطيع فعل ذلك بمفرده، لأنه ليس بمقدوره اضطهاد المواطنين السعوديين بنفسه”.
وأوضحت ويتسون أن من بين المسؤولين الذين تشير إليهم، “وكلاء النيابة، والمحققون الذين وجهوا التهم إلى العودة، وكذلك القضاة وحراس السجون. إنهم الأشخاص الذين تعتمد عليهم الحكومة لتنفيذ عملية القمع”.
“اضطهاد لم يسبق له مثيل”
من جانبه شدّد نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومن رايتس واتش، آدم كوجل، على أن “حالة حقوق الإنسان في السعودية تكشف عن تدهور كامل فيما يتعلق باحترام الحقوق الأساسية خلال السنوات الأخيرة، لا سيما الحقوق المدنية أو السياسية”، مشيرا إلى أن “درجة الاضطهاد في البلاد خلال السنوات الثلاث الماضية، لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدراسة الحديث، حيث إن هناك عددا هائلا من الاعتقالات بين صفوف العلماء والمفكرين والمثقفين والاقتصاديين والناشطين في مجال حقوق المرأة”.
وفي كلمته بالمؤتمر، لفت كوجل إلى أن السعودية تحاول “السير على النهج الإماراتي، من خلال إنكار جميع الحقوق المدنية والسياسية، مع تسويق الدولة على أنها حديثة وتقدمية من خلال إصلاحات اجتماعية وثقافية محدودة”.
“أداة ناجعة للقمع الحكومي”
في حين أشارت الباحثة السعودية بمنظمة العفو الدولية، دانا أحمد، إلى أن المحكمة الجنائية المتخصصة، التي يُحاكم العودة أمامها، تُشكّل “أداة ناجعة للقمع الحكومي، وخلافا للمحاكم الأخرى، فإنها تتمتع بصلاحية محاكمة القضايا المتعلقة بالإرهاب”، مضيفة: “الإجراءات التي تتبعها هذه المحكمة غير قانونية بشكل فادح، إذ يُقبض على الأفراد دون مذكرة أو سبب ويُحتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، دون السماح لهم بمقابلة عائلاتهم أو ممثليهم القانونيين”.
وأوضحت الباحثة السعودية أن “من أبرز إخفاقات المحكمة، اعتمادها على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب، وقد تم توثيق ذلك في عشرات القضايا لأفراد حُكم عليهم فيما بعد أو حتى أُعدموا”.
“انتهاكات جسيمة”
بدورها، أعربت مديرة مرصد حقوق الإنسان، سلمى أشرف، عن دعمها لحقوق سلمان العودة، والوقوف ضد الانتهاكات التي يتعرض لها إلى جانب العديد من الإصلاحيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في السعودية، مشيرة إلى أنه تعرض لانتهاكات وصفتها بالجسيمة، من بينها التعذيب والإهمال الطبي، الذي قالت إنه أدى إلى فقدان نصف سمعه وبصره.
فيما أشار نائب مدير مؤسسة القسط لحقوق الإنسان، جوشوا كوبر، إلى أن “عمليات الإعدام بالسعودية زادت منذ العام 2011، وخاصة منذ العام 2015 مع صعود الملك سلمان إلى السلطة، إلا أن هذا الارتفاع لا يعكس زيادة في الجرائم، بل هو ضمن إطار حملة قمع واسعة ضد حرية التعبير والمعارضين”.
“أحد أهم فقهاء وعلماء المسلمين”
من جانبه، وصف مؤسس المعهد الأصولي، خالد أبو الفضل، سلمان العودة بأنه “من أهم فقهاء وعلماء المسلمين في القرنين الماضيين، ومن أكثرهم تأثيرا”، موضحا أن كل المؤشرات تدل على أن السلطات السعودية تتبع نهجا يهدف إلى قتله ببطء.
وواصل حديثه: “في السعودية والإمارات، ودول عربية أخرى، هناك هجوم منظم وممنهج ضد جميع أشكال التفكير الداعمة للتوفيق بين العقيدة والأخلاق الإسلامية من جهة والحكم الديمقراطي من جهة أخرى”، مشدّدا على أنه “منذ القرن التاسع عشر، تم استهداف واضطهاد كل مفكر إسلامي حاول الجمع بين الأخلاق الإسلامية والقيم الديمقراطية”.
ورأى أبو الفضل أن “عالم حقوق الإنسان وعالم المناصرة الديمقراطية، سيظل في حالة نفاق دائمة طالما بقي أناس مثل سلمان العودة في السجن يواجهون مستقبلا مُظلما للغاية”.
وأشاد الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط، بيرول باسكان، بالعودة، قائلا إنه “بطل من نوع ما، بسبب جرأته في التحدث إلى السلطة في نظام استبدادي للغاية”.
“خطر كبير على النظام السعودي”
ودعت الأستاذة في مدرسة لندن للاقتصاد، والمعارضة السعودية، البروفسورة مضاوي الرشيد، إلى رفع مستوى الوعي بالمحنة التي يمر بها العودة إلى جانب العديد من المحتجزين الآخرين في السعودية، منوهة إلى أنه جمع بين التعليم التقليدي الأصولي والاطلاع على العلوم الاجتماعية الحديثة والتاريخ الحديث، بالإضافة إلى أنه يجمع بين القومية بسبب عنايته بمجتمعه في السعودية، والعالمية؛ نظرا لاهتمامه بما يجري في العالم الإسلامي بأسره.
وأكملت: “الأمر الأكثر إثارة للصدمة من صمت الغرب، هو صمت العالم الإسلامي ومؤسسات العلماء التي هي في الواقع عالمية. يبدو كما لو أن السعودية أسكتتهم جميعا”، مشدّدة على أن “سلمان العودة يمثل خطرا أكبر على النظام السعودي من الجهاديين، لأنه يقدم تأويلات لنظام سياسي تمثيلي داخل الإسلام، سواء أردنا تسميتها ديمقراطية أو شورى”.
إلى ذلك، عبّر مدير أبحاث في المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، فرانسوا بورغا، عن قلقه بشأن ما يفرضه السعوديون على العودة، لكنه قال إنه قلق أكثر مما وصفه بصمت الغربيين والفرنسيين إزاء ما يحدث بحقه، حيث إن “ما يثير دهشتي هو عدم قدرة البيئة الغربية على رؤية هذا الناشط السياسي على حقيقته؛ نظرا لأنه يشير إلى الدين في المجالين العام والخاص، فهو خارج عن نظامنا، ويجب علينا معالجة هذا التناقض”.
“حملة علاقات عامة لإخفاء الحقيقة”
الباحثة في شؤون الشرق الأوسط، أنيل شيلين، ذكرت أن ولي العهد السعودي تبنى خطاب ما يسمى بـ “الإسلام المعتدل” في العام 2017، وقوبل في ذلك الوقت بالكثير من الثناء من قِبل العالم بأسره، وفي أمريكا على وجه الخصوص، إلا أن “اغتيال جمال خاشقجي كشف أنها كانت مجرد حملة علاقات عامة لإخفاء حقيقة ما كان يحدث بالفعل، إذ إنه قام بمستوى متطرف من القمع لم يسبق له مثيل في الذاكرة الحيّة”.
ولفتت إلى أن “أي شخص مثل سلمان العودة يدافع عن أفكار أكثر تقدمية ومن أجل الديمقراطية، أو على الأقل تغيير في هيكل السلطة، تم تصويره على أنه محافظ يجب إبعاده أو سجنه أو قتله إذا لزم الأمر، مستنكرة ما وصفته بصمت الغرب إزاء قضية العودة، وهو الأمر الذي يرجع برأيها إلى “قلة الوعي بمساهمة العودة في السعودية والعالم، وكذلك الاختلاف بين شخصية مثله تقف مع الإصلاح مقابل رجال الدين الراسخين داخل الحكومة السعودية”.
“التنوع أكبر دليل على الوحدة”
من جهته، وجّه مدير أبحاث الخليج لدى منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي، عبد الله العودة، نجل الداعية المعتقل التحية للعلماء والأكاديميين الذين ساهموا بوقتهم، وجهودهم لإنجاح هذا المؤتمر الافتراضي، مضيفا: “كان من المهم أن تعكس الأصوات المختلفة في كل من الجلسات الإنجليزية والعربية تنوعا في الفكر والأيديولوجيا والمنطقة، وهذا التنوع هو أكبر برهان على الوحدة، وأقوى رد فعل على الشرعية التي تدّعي الحكومة السعودية أنها تتمتع بها، بينما تسجن والدي”.
وأضاف: “يُمثل المتحدثون ملايين الأصوات في جميع أنحاء العالم، التي تدرك أن مطالب الحرية لعالِم إسلامي مثل والدي تعني أيضا الحرية لآلاف من سجناء الرأي في السعودية وحول العالم”، منوها إلى أن والده “إنسان متواضع وبسيط، يمكن وصفه بأنه كتاب مفتوح. طوال مراحل حياته المختلفة، ظل دائما وفيا لنمط من البساطة والتفاؤل على طريقته الخاصة”.
ولفت نجل العودة إلى أن والده المعتقل، دائما ما يصف نفسه بأنه “صبي أو قلب صغير، ولهذا أطلق على سيرته الذاتية (طفولة قلب). إنه يريد أن يظهر الصبا ليس فقط في عقله، ولكن أيضا في قلبه عند التعامل مع الحياة”.
يشار إلى أنه في حزيران/ يونيو 2017، أي قبل أيام من تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، قام مسؤول في وزارة الداخلية بمنع العودة من السفر، وأخبره أن الديوان الملكي أمر بذلك.
وفي أيلول/ سبتمبر 2017، اعتقلت السلطات السعودية دعاة بارزين، وناشطين في البلاد، أبرزهم، سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، بتهم “الإرهاب والتآمر على الدولة”، وسط مطالب من شخصيات ومنظمات دولية وإسلامية بإطلاق سراحهم.
وكان العودة قد علق على الأزمة الخليجية قبيل اعتقاله بيوم واحد، قائلا عبر “تويتر”، في 9 أيلول/ سبتمبر 2017،: “وفق الله بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”.
جدير بالذكر أن مركز “آرك: الفـُلْك” هو “مؤسسة مستقلة مقرّها العاصمة الأمريكية واشنطن، لدعم البحوث والعمل الحقوقي في العالم العربي عموما، والمملكة العربية السعودية خصوصا.