:: عندما طالب عضو لجنة إزالة التمكين صلاح مناع – الحكومة – باحتكار صادر الذهب لصالح بنك السودان، وصفته بالمسؤول الذي يسبح عكس تيار حكومته، لأنّ حكومته تنفذ حالياً سياسة الاقتصاد الحر، وذلك بتحرير السلع والوقود، ثم المضي قدماً – نحو المزيد من التحرير – لحد تحرير سعر الصرف (تعويم الجنيه).. وكتبت عن مخاطر الاحتكار، ومنها أن الاحتكار يرفع حجم التهريب، وأن دول الخليج هي المستفيدة من طلب مناع..!!
:: وللأسف، ليس صلاح مناع وحده هو من يسبح عكس تيار السياسة الاقتصادية لحكومته، بل حكومته أيضاً تسبح عكس تيار سياستها الاقتصادية المعلنة والمنفذة، وهذا ما لم يحدث في تاريخ الأنظمة.. فالشاهد، بعد تحرير كل الأشياء، بما فيها سعر الصرف، وبعد رفع الدعم عن كل السلع، بما فيها الاستراتيجية، ها هي الحكومة تعلن عن احتكار شراء الذهب وتصديره بواسطة بنك السودان..!!
:: ومن الغرائب التي لا تحدث إلا في السودان، فمع إعلان سيطرة بنك السودان على شراء وتصدير الذهب، أعلنوا أيضاً الشروع في تأسيس ما أسموها بورصة الذهب السودانية، فتأملوا التناقض.. طلاب سنة أولى اقتصاد يعرفون أن الاحتكار والبورصة لا يجتمعان إطلاقاً، ولكن يبدو أن السادة لا يعلمون.. فالاحتكار نقيض لعمليتي البيع والشراء – عبر الشركات – داخل البورصة بحرية وشفافية وتحت سمع وبصر الحكومة وسلطتها الرقابية..!!
:: نعم، فالبورصة المعمول بها عالمياً هي الحل الأمثل لهذه الأزمة، بحيث تمكن الشركات من طرح الأسعار العادلة التي تتناسب مع الأسعار العالمية، وهذا يُكافح التهريب الباحث عن الأسعار العادلة بالخارج.. ثم أن أموال البورصة (حقيقية) وجزء من الاقتصاد، وليست مجرد أوراق يطبعها ويضخها بنك السودان – بلا رصيد – للمزيد من التضخم، أو كما كان يفعل طوال سنوات الاحتكار..!!
:: وهكذا.. قبل أن تفرض مراكز القوى الفاسدة بالنظام المخلوع الاحتكار بواسطة بنك السودان، لم يكن هناك تهريب للذهب، لا بالمطارات والموانئ، ولا بالحدود عبر الفيافي.. والبلاد لم تستفِد من احتكار البنك المركزي لسوق الذهب غير ارتفاع نسبة التضخُّم، وانخفاض حجم الصادر وارتفاع حجم التهريب، ودونكم تقارير سنوات الاحتكار، فلمصلحة مَن يُعيد مجلس الوزراء إنتاج تلك الموبقات..؟؟
:: واحتكار بنك السودان كان يتسبب في تأخير سداد قيمة الذهب للمنتجين لما يزيد عن (3 أيام)، وهذا تسبب في خسائرهم، وفقدانهم الثقة في التعامل مع بنك السودان.. واحتكار بنك السودان للشراء والتصدير يعني خلق مراكز فساد بالداخل، حيث مواقع الإنتاج والشراء، وبالخارج حيث مواقع البيع.. علماً بأن كل عمليات الصادر كانت تفتقر لعنصر الشفافية، بحيث كان يتم التصدير لدولة واحدة، ثم يتم البيع لشركة بعينها، ودون طرح أي عطاء، وهذا ما سيحدث..!!
الطاهر ساتي
الصيحة