أخبار السودان:
اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في السودان هذه الأيام بلغط كبير حول مخرجات إدارة المركز القومي المناهج والبحث التربوي، التي يديرها السيد عمر القراي، فيما تعالت الأصوات المؤيدة والرافضة له خلال هذه الوسائط، وأصبحت حديث المجالس والمساجد، فالذي يطالب بإقالته حيثياته هي خوفاً من صبغ المناهج بفكر “الجمهوريين”، وتلويث أذهان النشء بفكر ضال على حسب تقديرهم، فيما يدعم الاتجاه الآخر دعمه لتنقية المناهج من شوائب النظام السابق الذي حاول تغيير البنية التعليمية على هواه دون اتباع إرشادات المنهجيين أو المختصين في أمر النشأة والجيال القادمة بطريقة علمية تحفظ الاستنارة العلمية.
وفيما وجه د. عمر القراي، الثلاثاء، صوت لوم لوزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح، بترك الأئمة والدعاة باعتلاء منابر المساجد دون تأهيل، قال إن عدم ضبط المنابر يؤدي إلى الفوضى والتحريض على القتل، وأن هذا الأمر لن يتوقف عند القراي فقط، خاصة بعد ترديد المصلين “لا إله إلا الله والقراي عدو والله”. وطالب القراي، وزارة الشؤون الدينية، بتأهيل الدعاة والأئمة حتى يؤمنوا بالاختلاف في المعتقدات والأديان.
هذا الأمر وضع المراقبين أمام تساؤلات جوهرية حول تجريم القراي فهل القراي مذنب أم مفترىً عليه؟.
حملة شرسة
ووصف القراي، اللغط الدائر حول المناهج بالحملة الشرسة وغير النزيهة وغير الشريفة، واعتبرها فجوراً في الخصومة، وأشار إلى أن الصورة الموجودة في كتاب التاريخ للصف السادس الذي تحدث عن النهضة الفنية في أوروبا، هي صور لوحة مايكل أنجلو، وتم تصويرها وتشويهها بأنها صور خلق آدم والذات الإلهية، لافتاً إلى وجود نفس الصورة في مقرر الفنون لجامعة أم درمان الإسلامية والتي ما زالت تدرس حتى الآن ولم تثر أي لغط. وأضاف القراي، بأنهم في المركز القومي للمناهج، قد أخذوا ببعض ملاحظات مجمع الفقه الإسلامي، التي تتعلق بضعف بعض الأحاديث ولم يأخذ ببعضها لعدم موضوعيتها.
المستنيرون والظلاميون
ويرى الأستاذ ساطع الحاج القيادي بقوى الحرية والتغيير، أن القراي لا يستطيع أن يضع المناهج بنفسه وإنما الجهة التي تضعها هي لجان مختصة بهذه المهمة وفق استراتيجية الدولة في كيفية إخراج النشء . وقال ساطع إن المعركة بين الظلاميين والمستنيرين . وأشار إلى انه عندما جاءت الثورة وجدت أن المناهج قامت بتصنيف كل مناهج الاستنارة وعلمت على إزالة كل التشوهات التي لحقت بالمنهج في كل المواد لتواكب بشكل علمي . وقال إن كل الدول المتقدمة وكما يجري في السابق تقوم لجان مختصة وتتعلق بالنشء فيها بوضع المناهج. ولذلك يرى ساطع لـ(الصيحة) أن تغيير هذه المناهج التي قامت على “أمريكا روسيا قد دنا عذابها” أدى إلى اصطفاف من القوى الظلامية للالتفاف حول هذه المتغيرات . وقال عندما ندافع عن القراي فإنهم لا يقصدون الدفاع عنه شخصياً وإنما عن تغيير المناهج وإصلاحها، وقال إن الخدمة المدنية يجب إلا ترتبط بالقناعات السياسية لشاغليها ولكن المنصب تحدده حيثيات محددة هي التي تأتي بصاحبها إليه وتساءل بقوله هل يستطيع القراي بنفسه أن يضع المناهج دون إشراف وعمل كل اللجان المختصة أو حتى الاهتمام والمتابعة من أولياء الأمور؟ أجاب بنفسه بالقول: “هذا مستحيل”. وزاد يمكن الآن أن يذهب القراي ولكن هل يعني ذلك أن المشكلة انتهت؟؟ قال المعركة لا تنتهي لأنها مختلفة، وقال الذين يصرخون الآن على الإسلام ليتهم أصرخوا في موضوع الإجلاس والتعليم، كان على الأقل يمكن نفهم موضوع صراخهم. مشيراً إلى أن الأمر وموقفهم ليس دفاعاً عن القراي ولكن موقف مبدئي عن تغيير المناهج برؤية ثورية جديدة.
صراع مذاهب
وأبدى أساتذة وتربويين سخطهم لانتهاج الثورة مبدأ المحاصصات السياسية لجهة أن بعض الوزارات أوكلت لمنصات سياسية كالتي يرأسها القراي والمنتمي للحزب الجمهوري في وقت ظل المواطنون يتطلعون لاستيعاب الكفاءات الوطنية، من التربويين القدامى وخريجي معهد بخت الرضا وأصحاب الخبرات التي نالوها جراء عملهم في قسم المناهج والكتب منذ قيام بخت الرضا بهذا الجانب، والذين قام النظام السابق بإحالتهم إلى التقاعد تحت لافتة الصالح العام في أوقات سابقة وهم أصحاب خبرات كبيرة في مجال التربية والعلوم ووضع المناهج. بينما يشير بعضهم إلى أن القراي ظل يخلط بتصريحاته المثيرة للجدل الساحة العلمية والوطنية لجهة أنه يرتبط ببناء النشء وتربية الأجيال القادمة وهذا يتعلق بآمال أمة وشعب، وقالوا إن تصريحاته تحمل الكثير من المضايقات السياسية والمماحكات بين القوى السياسية ميولاً وتعلية لبعض المذاهب السياسية عن الأخرى وتحديداً الحزب الجمهوري المرفوض والتي أفرزت ما يحفز جماعات الهوس الديني للوقوف بصلابة ضد هذه التوجهات..
تعديلات جذرية
ويرى رئيس التجمع الاتحادي بابكر فيصل، أن جماعات الإسلام السياسي في البلاد شنت حملة إعلامية هوجاء ضد مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، الدكتور عمر القراي، بسبب تصريحاته الداعية لضرورة إجراء تعديلات جذرية على المناهج الدراسية بسبب ما تعرضت له من تشويه إبان عهد المخلوع، عمر البشير، وأشار إلى أنه عمل على توظيفها لخدمة الأغراض السياسية لجماعة الإخوان المسلمين التي حكمت البلاد لثلاثة عقود. ونوه فيصل إلى أن التعليم في السودان منذ الاستقلال لم يشهد تخبطاً وتدهوراً مثل الذي شهده خلال حكم نظام الإخوان المسلمين في خضم ما نعتها بالهوجة الرسالية، وشدد على أنه أصبح حقلاً للتجارب الفاشلة وغير المدروسة وتم تغيير المناهج بلا أساس علمي ووفقاً لمنظور أيديولوجي ينبني على الحفظ والتلقين والاجترار، ولا يشجع على النقد والإبداع والابتكار، كما رفعت الدولة يدها عن التعليم الحكومي بتبني سياسة الخصخصة التعليمية. ونوه إلى أن كل ذلك ضمن خطة سياسية لا تضع التعليم في مقدمة أولوياتها لإحداث النهضة الشاملة، وفي إطار سياسة تحرير اقتصادي منفلتة ومنحازة للفئات العليا والغنية في المجتمع، ووفق برنامج للتجييش المجتمعي يبدأ بملابس الطلاب ولا ينتهي بالشحن الجهادي العنيف في المقررات الدينية المتضخمة. وقال فيصل إنه بالإضافة لما ذكره الدكتور القراي، فإن المنهج ينطوي على تسييس واضح، حيث تم وضعه في إطار برنامج التمكين الذي تبناه النظام الإسلاموي الشمولي، والذي كان من أبرز أهدافه كما قال واضعوه “إعادة صياغة الإنسان السوداني” وفقاً لأيدلوجيا الإسلام السياسي. وتابع “لذا يصبح من الضروري إعادة النظر في المناهج التعليمية بغرض إزالة التشوهات التي أصابتها خلال فترة الحكم الإسلاموي الشمولي، ولمعالجة العديد من أوجه القصور الأخرى التي أشار إليها مدير المركز القومي للمناهج والبحث التربوي”.
إقالة القراي
وتناقلت المنصات الإعلامية المختلفة بالأمس خبراً يفيد بإقالة القراي من منصبه كمدير للمناهج والكتب والبحث العلمي، فيما لم تثبت صحة ما تناولته هذه المواقع ومدى صحته. وأشار بعض المراقبين للصيحة أن هذه الأخبار ربما ساقتها بعض الجهات المناوئة له، والتي تقف ضده منذ تعيينه، وقالت إن أمر الإقالة قرار يصدره السيد رئيس مجلس الوزراء ولا جهة أخرى تتولى هذا الأمر لجهة أنه أمر سيادي.