كشفت تصريحات ياسر العطا، مساعد القائد العام للجيش السوداني، عن أهداف القوات المسلحة لمرحلة ما بعد الحرب وعزمها الاستمرار في الاستيلاء على الحكم دون اعتبار نتائج الانتخابات، وهو ما يفسر موقف الجيش المتعنت من المبادرات الإقليمية والدولية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي سيلزمه بالاحتكام إلى خيار الشعب السوداني.
وذكر العطا أثناء حديثه مع جنود من الجيش في منطقة المعاقيل العسكرية بولاية نهر النيل أن القائد العام للجيش سيبقى في موقعه كزعيم للدولة بعد انتهاء الحرب، وأنه لن يتخلى عن السلطة خلال الفترة الانتقالية، بل سيظل فيها حتى بعد إجراء ثلاث دورات انتخابية.
وتشير تصريحات العطا إلى أن الجيش لن يلتزم بالاتفاقات السابقة مع قوات الدعم السريع في منبري جدة والمنامة بضرورة ابتعاد الجيش عن السياسة وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية، كما أن رؤى القوى السياسية المطروحة لحل الأزمة في البلاد تتفق في هذا الشأن.
واعتبر محمد حسن التعايشي، عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، أن تصريحات العطا قد أوضحت دور الجيش في الأزمة الوطنية، بل اختصرت النزاع وأشارت إلى من أشعله والأهداف من ورائه.
وقال التعايشي في حسابه على منصة إكس إن الجنرال ياسر العطا هو أكثر ضابط في الجيش يتوافق سلوكه ووعيه وأفعاله مع التشوهات الموجودة في المؤسسة العسكرية، مثل “الغطرسة، والتدخل في السياسة، والعنف تجاه المجتمع والتطلعات غير الواقعية”. وأشار إلى أن هذه التشوهات كانت تاريخيا تمثل جوهر اختلالات وعيوب القوات المسلحة السودانية.
وتابع التعايشي موجهًا حديثه إلى الذين يساندون استمرار الحرب بدعوى حماية الدولة “هذه هي هيبة الدولة التي تسعون للحفاظ عليها، وهذا هو الجيش الذي يجسد رمزيتها”. وأضاف أن “ما يعجز ياسر العطا عن تجاهله، ولن يستطيع، هو أن هذه الحرب، بغض النظر عن كيفية نهايتها، تمثل نهاية مرحلة سياسية وبداية مرحلة جديدة ترتكز على التأسيس وبناء الدولة على أسس جديدة وعادلة، وهذه هي متطلبات السلام المستدام”.
لم تكن تصريحات مساعد البرهان الأولى من نوعها، حيث اعتاد الإدلاء بأحاديث تثير الجدل والخلافات في السودان. فقد اتهم سابقًا القوى السياسية بالخيانة والتعاون مع قوات الدعم السريع، وهددها بالملاحقة ومنعها من حكم البلاد.
وتؤكد القوى المدنية السودانية على التحول الديمقراطي كضامن لاستدامة الحياة السياسية والسلام والاستقرار في السودان، وتتوافق حول الرؤية التي تقدمت بها إلى الاتحاد الأفريقي مؤخرا بشأن ضرورة أن تصل الأطراف المختلفة عبر حوار سوداني – سوداني لا يستثني أحداً إلى مرجعية دستورية جديدة تدير فترة الانتقال وتؤسس لانتخابات حرة ونزيهة تتيح للقوى السياسية والمدنية التوجه إلى صناديق الاقتراع، حيث ينتخب السودانيون من يرونه مناسبا لإدارة الشأن العام.
وقال ماهر أبوالجوخ، عضو تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية والقيادي في حزب التحالف السوداني، إن البعض قد يستغرب هذه التصريحات الصادرة عن مساعد القائد العام للقوات المسلحة ياسر العطا، لكنه يرى أنها تعبر فعليا عن موقف عدد من قادة الجيش، الذين نفذوا انقلاب 25 أكتوبر وقوضوا الاتفاق الإطاري ثم أشعلوا هذه الحرب لرغبتهم الأكيدة وحرصهم على البقاء في السلطة.
وتابع أبوالجوخ، في حديث لراديو “دبنقا” المحلي، قائلا إن كل التوصيفات ظلت تتردد منذ إعاقة الانتقال الديمقراطي ثم الانقلاب ثم إعاقة الاتفاق الإطاري ثم إشعال الحرب باعتبارها ضروريات فرضت عليهم، لكن الذي حدث يؤكد رغبتهم في قطع الطريق أمام القوى المدنية والسياسية والاستفراد بالحكم.
ونوه إلى أنه لو كانت القوى المدنية قبلت باستمرار الجيش في السلطة لما حدث انقلاب 25 أكتوبر، ولما حدث تقويض الاتفاق الإطاري ولما اشتعلت الحرب واستمرت، مضيفا أن أفضل ما فعله الفريق ياسر العطا بتصريحاته هذه أنه قد كشف الموقف الحقيقي والتوجه الحقيقي، وهو أن ما يحدث فعليا في السودان ومنذ محاولات إعاقة الانتقال والانقلاب وحتى هذه الحرب عنوانه الرئيسي هو الرغبة والسعي الحقيقي للسيطرة على الحكم وفرض قيادات الجيش في المشهد السياسي، وهو ما لا يمكن قبوله.
وأكد أبوالجوخ أن الموقف الحقيقي والرئيسي للقوى السياسية والمدنية هو أن الجيش مؤسسة نظامية ليس من واجبها أن تحكم ولا أن تمارس التجارة، وإنما عليها أن تركز على واجبها الرئيسي. وذكر أن الحرب ستنتهي إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية تخضع فيها مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للسلطة الدستورية ولا مجال مطلقا للحديث عن أي دور سياسي للمؤسسات النظامية، سواء كانت الجيش أو الشرطة أو الأجهزة الأمنية، والتي لديها واجبات دستورية ليس من بينها أن تحكم أو تشارك في الحكم.
وتتعالى الأصوات الأممية والدولية المنادية بوجوب إنهاء الحرب لتجنيب السودان كارثة إنسانية بدأت تدفع الملايين من السودانيين إلى المجاعة والموت جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 13 ولاية من أصل 18 ولاية. ويثير موقف الجيش الرافض لجميع المبادرات لوقف الحرب قلقا متزايدا لدى المجتمع الدولي بسبب استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد، والتي شملت المجاعة والأمراض والكوارث الطبيعية، والتي لا يمكن وضع حد لها سوى بوقف الحرب.
وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس إن الدواء الذي يحتاجه الشعب السوداني، حيث تدور حرب أهلية منذ أكثر من 16 شهرا، هو السلام. وأشار غيبريسوس، في بيان على منصة إكس بشأن الدعم الذي تقدمه منظمة الصحة العالمية للسودان، إلى أنه زار السودان مؤخرا، وأنه تم تسليم إمدادات طبية إضافية إلى البلاد لخدمة أكثر من 184 ألف مريض مصابين بالكوليرا والصدمات وغير ذلك من الإصابات.
وقال الأربعاء “نحن مستمرون في دعم وزارة الصحة السودانية وشركائها لتوفير الرعاية الصحية الأساسية للأشخاص الأكثر ضعفا”. ومنذ منتصف أبريل 2023 يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلّفت أكثر من 20 ألف قتيل وقرابة 10 ملايين نازح ولاجئ، وفق الأمم المتحدة.
والأربعاء اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع مشروع قرار يمدد نظام العقوبات على السودان، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر السفر وحظر الأسلحة، حتى 12 سبتمبر 2025. ويعد القرار تجديدا فنيا للتدابير التي تم تجديدها سابقًا بموجب القرار 2676 في مارس 2023.
وفي حديثه بعد التصويت على المشروع أكد الممثل الأميركي روبرت أ. وود على أهمية تجديد العقوبات. وقال إن “تجديد تدابير العقوبات من شأنه أن يقيد حركة الأسلحة إلى دارفور ويعاقب الأفراد والكيانات المساهمة في الأنشطة المزعزعة للاستقرار في السودان أو المتواطئة عليها”.
المصدر: العرب