مقارنة تحليلية: الصراع في السودان والصومال وكيف يتجنب السودان مصير الصومال
مقدمة
يشهد السودان منذ أبريل 2023 صراعًا عسكريًا بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أثار مخاوف من أن البلاد قد تتجه نحو مصير مشابه للصومال الذي يعيش في فوضى منذ انهيار حكومته المركزية في 1991. يحاول هذا المقال تحليل الأحداث الجارية في السودان من خلال مقارنة مع ما حدث في الصومال، مع اقتراحات حول كيفية تجنب السودان الانزلاق إلى الفوضى التامة.
الخلفية التاريخية للصراعين
– الصومال: انفجر الوضع في الصومال عام 1991 بعد سقوط نظام الرئيس سياد بري، حيث أدى الفراغ السياسي والنزاعات العشائرية إلى انهيار الدولة. منذ ذلك الحين، غرق الصومال في حروب بين الفصائل المتناحرة والجماعات المسلحة، مما جعله دولة فاشلة لفترة طويلة.
– السودان: دخل السودان في مرحلة من عدم الاستقرار منذ سقوط الرئيس عمر البشير في 2019 بعد حكم دام ثلاثة عقود. تحول الصراع إلى مواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وكل طرف يسعى للسيطرة على السلطة، ما أدى إلى تدمير البنية التحتية ونزوح الملايين.
أوجه التشابه بين الصراعين
- انهيار السلطة المركزية:
– في الصومال، أدى سقوط نظام سياد بري إلى فراغ في السلطة لم تتمكن القوى السياسية من ملئه، مما أدى إلى نشوء سلطات محلية غير معترف بها دولياً وتحويل البلاد إلى فسيفساء من الإمارات العسكرية.
– في السودان، سقوط البشير أطلق سلسلة من الأزمات السياسية، حيث فشلت القوى الانتقالية في تحقيق الاستقرار وتقديم حكومة شاملة، مما مهد الطريق لصراع على السلطة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
- التدخلات الخارجية:
– في الصومال، تدخلت قوى إقليمية ودولية بدافع مصالحها الخاصة، حيث دعمت إثيوبيا وإريتريا مختلف الفصائل، كما تدخلت الولايات المتحدة في أوائل التسعينات لأسباب إنسانية وأمنية.
– السودان يشهد تدخلاً مماثلاً من قوى إقليمية مثل مصر والإمارات وتركيا وروسيا، وكل منها يدعم فصائل مختلفة لتحقيق مصالحها في المنطقة، مما يعقد إمكانية الوصول إلى حل سلمي.
- البعد العرقي والعشائري:
– الصراع في الصومال كان مدفوعًا إلى حد كبير بالتنافس العشائري بين قبائل الهوية والأوغادين وغيرها، مما جعل التوافق الوطني صعبًا للغاية.
– في السودان، يلعب البعد العرقي والإثني دورًا كبيرًا، حيث أن النزاع يتداخل مع التوترات بين القبائل العربية والأفريقية، وبين المركز والهامش، مما يزيد من تعقيد الصراع.
أوجه الاختلاف بين الصراعين
- البنية الاقتصادية:
– الصومال كان يعتمد اقتصادياً على تربية الماشية والصيد والتجارة، وقد تضررت هذه القطاعات بشدة نتيجة للصراع المستمر، مما أدى إلى تدهور اقتصادي شامل.
– السودان، رغم أن اقتصاده يعاني، يمتلك موارد طبيعية مثل النفط والزراعة، ولديه إمكانات اقتصادية أكبر إذا ما تم تحقيق الاستقرار. هذه الموارد يمكن أن تكون قاعدة لإعادة البناء والتعافي السريع.
- الدعم الدولي:
– الصومال لم يحظ بدعم دولي فعال ومتسق بسبب تعقيد الصراع وتعدد الفصائل المتنازعة، مما جعل جهود السلام والتنمية هشة وغير مستدامة.
– السودان، على النقيض، يحظى باهتمام دولي أكبر، وهناك جهود متعددة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والدول الغربية للتوسط في الصراع ودعم الحكومة الانتقالية، مما يفتح نافذة أمل لتحقيق الاستقرار.
- الوعي السياسي:
– الصومال في بداية الصراع لم يكن لديه تجربة ديمقراطية أو وعي سياسي واسع بين السكان، مما جعل الأمور أكثر تعقيداً عند محاولة إعادة بناء الدولة.
– السودان يمتلك تاريخاً سياسياً أطول وأكثر تعقيداً مع تجارب سابقة في الديمقراطية والحكم الذاتي. هناك قوى سياسية ومدنية نشطة تسعى لتحقيق تسوية سياسية وتحقيق حكومة شاملة.
كيف يمكن للسودان تجنب مصير الصومال؟
- بناء حكومة شاملة:
– يجب على السودان أن يعمل بجدية على تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل كافة الأطراف السياسية والفصائل المسلحة، ويضمن تمثيلًا عادلاً لكافة المكونات العرقية والإثنية. وجود حكومة شرعية شاملة سيساعد في توحيد البلاد وتقليل النزاعات الداخلية.
- التعامل بحكمة مع التدخلات الخارجية
– يجب على السودان أن يسعى لتحقيق توازن في علاقاته مع القوى الإقليمية والدولية، والتفاوض بحكمة لضمان أن تكون تدخلاتها داعمة للاستقرار وليس لمصالحها الضيقة. تعزيز موقفه على الساحة الدولية من خلال الدبلوماسية النشطة سيكون أمراً حاسماً.
- تعزيز الاقتصاد
– يجب على السودان أن يستغل موارده الطبيعية والبشرية لتعزيز اقتصاده، مما سيساعد في توفير الوظائف وتقليل الفقر، وهو ما يمكن أن يقلل من دوافع الصراع. التركيز على التنمية الزراعية والصناعية سيكون خطوة مهمة في هذا الاتجاه.
- التحاور وإشراك المجتمع المدني
– يجب أن يكون هناك حوار مستمر بين الحكومة والقوى المدنية والجماعات المسلحة لضمان أن تكون كل الأطراف ملتزمة بالسلام والاستقرار. المجتمع المدني له دور كبير في تعزيز الحوار وبناء جسور الثقة بين الأطراف المختلفة.
- إصلاح القطاع الأمني
– إعادة هيكلة وتوحيد القوات المسلحة والقوات الأمنية في السودان تحت قيادة مركزية واحدة سيقلل من خطر النزاعات المسلحة وسيعزز الاستقرار الداخلي. التدريب والتأهيل المهني للقوات سيكون جزءاً مهماً من هذه العملية.
خاتمة
إن تجنب السودان لمصير الصومال يتطلب التزامًا جماعيًا من كافة الأطراف السياسية والاجتماعية. يجب أن يكون الهدف الأساسي هو بناء دولة مستقرة وشاملة تستطيع أن تواجه التحديات الداخلية والخارجية بفعالية. من خلال التعلم من دروس الصومال والعمل الجاد على بناء مستقبل مستقر، يمكن للسودان أن يتجنب الانزلاق إلى الفوضى ويحقق السلام والتنمية التي يتطلع إليها شعبه.
أحمد هيثم