أخبار السودان : تستند السيادة الوطنية إلى مظهرين، خارجي وداخلي، ولكل بيئته ومحيطه، من علاقة الدولة وتأثيرها في منطقتها وعلاقتها الدولية، ومن تماسكها الداخلى ووحدة المجتمع وقوة إقتصادها وفاعلية الحكومة، وتأسيساً على ذلك يمكن أن نقرر : هل نملك سيادتنا وقرارنا!..
لقد تطور مفهوم السيادة منذ أن افترعه المفكر الفرنسي جان بودان عام ١٥٧٦م ، وتبدلت الصبغة القانونية إلى واقع أقرب إلى طابع الإنساني، واصبحت حقوق الإنسان ومصالح الشعوب أكثر مدعاة للتداخل والتقارب من قواعد القانون الدولي..
ولعل ذلك مرد دفاع خبير قانوني كبير في قامة كمال الجزولي واحد أبرز الشيوعيين العرب وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني عن طلب المساعدة من الأمم المتحدة كما جاء في مقاله بصحيفة الخليج ١٤ يونيو ٢٠٢٠م وجاء فيه ( طلب المساعدة من الأمم المتحدة، أو من أي دولة، أو مجموعة دول، بموجب معاهدة ما لا يتقاطع البتَّة مع مفهوم «السيادة»)..
وهذا جزء من نقاشات مهمة بعد طلب د. عبدالله حمدوك رئيس الوزراء المستقيل مساعدة الأمم المتحدة في مهام الإنتقال، كما جاء في خطابه كانون الثاني /يناير ٢٠٢٠م، وذلك كان أحد مظاهر التنازل عن مبدأ (السيادة) تحت مقتضيات المرحلة وتحت غطاء الإنتقال..
(2)
في تغريدة لها على صفحتها بالفيسبوك قالت بعثة الأمم المتحدة بالسودان وتعليقاً على مواكب ٢٦ كانون الثاني /يناير ٢٠٢٢م، حيث احتشدت جموع عريضة تحمل مذكرة ومطالب، كتبت (إن البعثة موجودة بطلب من السودان وبتفويض واضح من مجلس الأمن)، وربما يكون التعبير اوفق لو تم إستخدام كلمة (حكومة) السودان، حيث أن الطلب جاء من د. حمدوك ودعم من مناصريه، وعارضه المكون العسكري، كما أن تلك الجماعة السياسية لم تكن تمثل شعب السودان ولم تفوض بذلك.. ولذلك من حق الآخرين إبداء رأيهم بالرفض، خاصة إذا أصبح مبعوث الأمم المتحدة فولكر بيرتس جزءآ من أدوات الصراع السياسي وآلية في خلق التوازن، حين أستثني فئة من الشعب في حق الرأي والمشورة تحت بند (أصحاب المصلحة)، وهذا تعبير التفريق بين أبناء الوطن وتمييز بينهم ومسايرة لحالة سياسية كانت سبباً في هذا التنازع المرير..
و التغريدة ذاتها تعبر عن حالة الإنفصام التي تعيشها البعثة وهي تشير إلى أن مجموعة من المتظاهرين طالبوا بطردهم، بينما الواقع يشير لإحتشاد شعبي كبير وواسع الطيف وفي كل ولايات السودان، كما أن البعثة استنكفت مقابلة وفد الموكب، وإستلام مذكرتهم لمعرفة تفاصيلها..
(3)
وللأمر جوانب أخري، فهذا الإفتئات على الحل الأجنبي، هو حالة من :
– فشل النخب السياسية السودانية في إعلاء المصالح الوطنية، مما اتاح للأمم المتحدة (كوة) للتدخل وفق أجندتها..
– تقاطع المصالح الدولية على السودان بموارده وموقعه وثقله السياسي،
– حالة من الإستخدام المرحلي لمظلة الأمم المتحدة للعبور بأجندة إقليمية أو تثبيت الأمر الواقع والتعايش معه..
وكلها مخاطر ذات تكاليف باهظة، ليس على السودان فحسب، وإنما على المنطقة..
(4)
وضع المفكر العربي والإسلامي مالك بن نبي توصيفاَ دقيقاً لما أسماه (القابلية للإستعمار)، حيث تتقاعس الأمم عن تحرير الإرادة الوطنية وتصبح منالاَ سهلاً للأجندة الإستعمارية، وهو ما حدث في السودان خلال الأعوام الماضية..فقد جاءت البعثة لإسناد د. حمدوك وفريقه، وهي الآن مدخل لإستمرارية مجموعة البرهان وتطببع الراهن..
وستظل البعثة ما لم تتحرر الإرادة الوطنية من حالة الإختطاف هذه وتنتهي إلى تفويض شعبي ركين..
بقلم: د. إبراهيم الصديق على
المصدر: سودانایل