السودان يواجه أكبر أزمة تعليمية عالمية مع استمرار الصراع
تصاعدت المخاوف في السودان بشأن مستقبل ملايين الطلاب، حيث تقترب الحرب المستمرة من دخول شهرها السابع عشر. أصبح ملايين الطلاب خارج النظام التعليمي، وتجاوز العديد منهم سن الدراسة. في الوقت نفسه، ينتظر مئات الآلاف من الطلاب إجراء الامتحانات التي تؤهلهم للالتحاق بالجامعات.
منذ اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، يمر السودان بأزمة تعليمية خطيرة، حيث توقفت الدراسة في نحو نصف ولايات البلاد الـ18. ولم يتمكن أكثر من 90% من الأطفال في سن المدرسة من مواصلة تعليمهم، وحذر الخبراء من أن استمرار هذا الوضع قد يحرم عدة أجيال متتالية من فرصة إجراء الامتحانات.
ذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في وقت سابق أن حوالي 19 مليون طفل في السودان، أي ما يعادل طفل واحد من كل ثلاثة أطفال، لا يزالون غير ملتحقين بالمدارس.
وأشارت إلى أنه من بين 19 مليون طفل، فقد حوالي 6.5 مليون طفل إمكانية الذهاب إلى المدرسة نتيجة تزايد العنف ونقص الأمان في مناطقهم، كما تم إغلاق حوالي 10,400 مدرسة في المناطق المتأثرة بالنزاع.
أشارت المنظمة الدولية إلى أن تراجع الدخل سيؤدي إلى خسارة تصل إلى 26 مليار دولار على مدى حياة جيل الأطفال المتأثرين بالحرب، مشددة على أن السودان يواجه خطر أن يصبح بؤرة لأكبر أزمة تعليمية في العالم.
التزام بالامتحانات
عند بدء الحرب، كان هناك أكثر من 600 ألف طالب وطالبة يستعدون لأداء امتحان الشهادة الثانوية الذي يؤهلهم للالتحاق بالجامعة. ولا يزال مصيرهم غير واضح، وفي الوقت نفسه، انضم إليهم عدد جديد من الطلاب بعد توسع نطاق الحرب ليشمل ولايات إضافية، مما أدى إلى توقف الدراسة قبل أن تستأنف في مايو/أيار الماضي في بعض الولايات الآمنة.
يصرح مسؤول بارز في وزارة التربية والتعليم بأن الدراسة قد بدأت مجددًا في ولايات نهر النيل والشمالية والبحر الأحمر وكسلا والقضارف والنيل الأزرق، وكذلك بشكل جزئي في بعض محليات النيل الأبيض وشمال كردفان وغربها وجنوبها.
وفقا لما صرح به المسؤول -لشبكة الجزيرة- فإن الدراسة توقفت بشكل شبه كامل في خمس ولايات من دارفور بالإضافة إلى الخرطوم والجزيرة وسنار، ووجه اتهامات لقوات الدعم السريع بتدمير ونهب المدارس في منطقة دارفور رغم سيطرتها على أربع ولايات.
أفاد المسؤول الحكومي -الذي طلب عدم الكشف عن هويته- بأن وزارة التربية تمكنت من طباعة الكتاب المدرسي خارج البلاد، ووجهت حكومات الولايات لإيجاد مراكز إيواء للنازحين الذين كانوا يقيمون في المدارس، كما دعت لتوفير رواتب المعلمين، إلا أن بعض الولايات واجهت صعوبة في تدبير الأجور بسبب ضعف مواردها.
تأثرت أيضًا المدارس في ولايتي نهر النيل والشمالية ومدينة طوكر في البحر الأحمر بسبب الأمطار والسيول. لجأت مئات الأسر التي انهدمت منازلها إلى مدارس أخرى، مما تسبب في تعليق الدراسة.
مستقبل الملايين مهدد
من ناحيته، أشار أحمد الخليفة عمر، المفوض بمتابعة وزارة التربية والتعليم، إلى أن يوم 15 سبتمبر/أيلول الحالي سيكون هو اليوم الأخير لتسجيل وإحصاء الطلاب الذين سيقدمون امتحانات الشهادة الثانوية للدفعة العالقة لعام 2023.
أفاد عمر أن حصر مواقع وجود الطلاب الذين يخضعون للاختبارات سيمكن الوزارة من تحديد مراكز الامتحان سواء داخل البلاد أو خارجها. وقد تعهد بإجراء الامتحان خلال هذا العام، موضحًا أن أماكن الطلاب من الولايات غير الآمنة ستتضح بعد انتهاء عملية الحصر حتى يتمكنوا من أداء الامتحان.
فيما يتعلق بتعليق الدراسة للعام الثاني في بعض الولايات، يعتبر سامي الباقر، المتحدث باسم اللجنة المركزية للمعلمين (المستقلة)، أن استمرار النزاع يمثل تهديداً كاملاً للعملية التعليمية، ويشكل أيضاً خطراً على مستقبل ملايين الطلاب، بعد تأجيل تعليم دفعتين من الأطفال الذين بلغوا سن الدراسة (6 سنوات). خاصة أن معدلات استيعابهم قبل الحرب كانت تتراوح بين 50% و70%.
في حديثه مع الجزيرة نت، يشير الباقر إلى أن انقطاع التعليم لفترة طويلة سيؤدي إلى تسرب عدد كبير من الطلاب، مما سيكون أسوأ مما حدث خلال فترة انتشار وباء “كورونا”. كما أن بعض الطلاب، في أعقاب الحرب، اضطروا للعمل لمساعدة عائلاتهم، وقد لا يعود بعضهم إلى مقاعد الدراسة مجددًا.
يكشف المتحدث أن هناك حوالي 22 ألف مدرسة في البلاد، تأثرت 14 ألف منها نتيجة الحرب بدرجات متفاوتة، بينما كانت 6 آلاف مدرسة تستضيف نازحين. ويبلغ عدد الطلاب والأطفال الذين بلغوا سن التعليم 19 مليوناً، في حين يبلغ عدد المعلمين والعاملين في القطاع 350 ألفاً.
وفقا للباقر، فإن التقييم الأولي للطلاب العالقين الذين كان يفترض أن يقدموا امتحانات الشهادة الثانوية في العام الماضي يشير إلى أن عددهم بلغ 570 ألف طالب، حيث يمكن لأكثر من نصفهم أداء الامتحانات في مراكز داخل البلاد وخارجها، وهناك مجموعة أصغر منهم تنتظر أيضا إجراء الامتحان.
الحل في السلام
ويرى أن إنقاذ العملية التعليمية يتطلب وقف الحرب، وإذا كان ذلك غير ممكن، فعلى طرفي النزاع الالتزام بالقانون الدولي الإنساني لضمان الأمان للمدارس والمنازل وتوفير مسارات آمنة لاستمرار التعليم. ويجب أن يتحقق الشمول والعدالة ليكون التعليم متاحًا في جميع الولايات وليس في بعضها فقط.
تقول الباحثة الاجتماعية سلوى عبد الله إن الأطفال الذين انقطعوا عن التعليم خلال فترة الحرب يعانون من شعور بالفراغ الطويل، مما يؤدي إلى سلوك عدواني وزيادة الميل نحو العنف، وقد ينتج عن ذلك تطور في اضطرابات الشخصية.
تحذر الباحثة، في تصريح لموقع الجزيرة نت، من زيادة انتشار التدخين بين الأطفال نتيجة استمرار الحرب والفقر والحرمان، بالإضافة إلى توقف التعليم، مما يدفع الكثير من المراهقين إلى التخلي عن الدراسة.
توصي بإنقاذ الأطفال من العزلة التعليمية من خلال التعليم المنزلي أو الدراسة الإلكترونية في المناطق التي تتوفر فيها خدمات الإنترنت والكهرباء، وذلك لمنع شعورهم بالضياع والإهمال أو التفكير في ترك التعليم والتسرب إلى الأنشطة غير المهمة أو اللجوء إلى العمل أو المشاركة في القتال.
المصدر: قناة الجزیرة