أخبار السودان : اذا سلمنا لأمر نقبله على عواهنه لا شئ إلا لنجعله مؤشر عبره نستطيع أن ندلف لتفكيك حالة النخب السودانية و كيف لم تستطع أن تجسر الهوة ما بينها و المجتمعات الحية و قد حققت تقدم و إزدهار مادي؟ و هذه الحالة مستديمة و مستمرة الى ما يقارب القرن من الزمن و ها هي نتيجتها فشل النخب السودانية في استيعاب أن الدولة مفهوم حديث و لا يمكن بناءها بما يكمن في منظومة قيم النخب السودانية التي لم تبارح محطات انتظارها التي طالت عن تقديم حلول نهائية لما هو مفتوح على اللا نهاية و ليس له أي طريق يفضي الى الحلول النهائية.
مشكلة النخب السودانية لا تريد أن تفهم بأن لا حلول نهائية كما يحلم الشيوعيين السودان و حاملي أفكار وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون و هنا يلتقي في انتظار الحلول النهائية كل من الشيوعيين السودانيين و اتباع احزاب الطائفية و أتباع الحركة الاسلامية السودانية و السلفيين.
لم يلحظ مفكري السودان بأن أزمة الفكر في السودان نتيجة كساد فكري عميق الجذور و قد أصبح موروث و سببه أن النخب السودانية لاحقة للأحداث الفكرية و تحولات المفاهيم و لا تعطي النخب السودانية نفسها الفرصة لإلتقاط أنفاسها و رؤية كيف تتحول المفاهيم و كيف تجابه الظواهر الاجتماعية في تسلسلها و كيف ان المجتمع الحديث الذي تسوقه معادلة الحرية و العدالة يجابه مشاكل متسلسلة تمسك بتلابيب بعضها البعض متجددة و متلاحقة و مفتوحة على اللانهاية كيف يستطيع الشيوعي السوداني أن يسهم في حل مسألة فكرية معقدة و هو ضد فكرة الدولة من الأساس و هو في ايمانه بالمطلق المتجسد في فكرة نهاية التاريخ و انتهاء الصراع الطبقي؟
و قد رأينا مشاكساتهم و معاكساتهم لحكومة حمدوك و كيف قد عملوا على اسقاطها الى أن حقق لهم إنقلاب البرهان حلمهم و كل هذا نتيجة لفهم الشيوعيين السودانيين و هو فكر لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس و قد نجحوا في صناعة الضجيج الذي يغطي على عيوبهم الفكرية و قد شكلوا مجموعة أصدقاء الحزب الشيوعي و حييدوهم عن معارك الصراع الفكري و لهذا السبب تجد أغلب النخب السودانية تجهل بأن علاقة الديمقراطية و الرأسمالية علاقة طردية و علاقة الماركسية و الرأسمالية علاقة عكسية و يجهلون لماذا انتصر توكفيل على ماركس و لماذا انتصر ريموند أرون على سارتر؟ و كله بسبب سيطرة المثقف السوداني المنخدع بماركسية ماركس.
أنظر الي الساحة الفكرية هل ترى أي فكر يتحدث عن الليبرالية السياسية و الليبرالية الاقتصادية و كيف قد فارقت فلسفة التاريخ التقليدية و أسست لفلسفة التاريخ الحديثة و كيف قد تخلصت من أثار الليبرالية التقليدية و جابهت أفكار الليبرالية الحديثة و كيف ظل الشيوعيين السودانيين الى اليوم ناجحين في جر مشهد الفكر الى الساحات الفكرية الخلفية التي ما زالت لم تصل بعد الى قمة الليبرالية التقليدية؟ و المؤسف حتى اللحظة لم تنتبه النخب السودانية الى تخلف ساحة الفكر السودانية التي ما زال يسيطر على معاركها الماركسي السوداني المنخدع بماركسية ماركس و ليس ذلك فحسب بل قد جعل بقية النخب تجهل معادلة الحرية و العدالة روح الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي فلا تستغرب أيها القارئ بأن الشعب متقدم على النخب يوم كان شعاره حرية سلام و عدالة و هو شعار يعكس أضواء الفكر الليبرالي.
و المضحك بان الشيوعيين السودانيين قد قالوا أنه شعارهم و هنا يمكنك ان ترى مغالطاتهم و وهمهم بان تنسب الحرية و العدالة التي نادى بها ثوار ديسمبر الى ماركس و تسحب من تحت أقدام توكفيل المنتصر على ماركس و قطعا لا يحدث مثل هذا اللعب و الاستهبال إلا في ساحة فكر النخب السودانية الفاشلة التي يسيطر عليها الشيوعي السوداني الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الاساس و المضحك لم يتصدى لهم أي مفكر سوداني ليقول لهم بان شعار ثورة ديسمبر شعار ليبرالي يعكس روح الليبرالية الحديثة لطبقات صاعدة ليس لها علاقة بماركسية ماركس و لا يمكن ان يتحقق شعارها الا في ظل فكر ليبرالي يؤسس الى فلسفة التاريخ الحديثة التي يجهلها أغلب النخب السودانية و هم في أتباع الى المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ الذي ينسب له حزب الأفندي المضاد أي الشيوعي المنخدع بماركسية ماركس.
على العموم ساحتنا السودانية و نخبها لا تريد أن تفهم أن الشيوعية السودانية بنسختها المتحجرة و الحركات الاسلامية و السلفيين و احزاب الطائفية لا تختلف عن النازية و الفاشية فهي أفكار ضد عقل الأنوار و ضد الحداثة كما يقول علماء اجتماع كثر نذكر منهم من استند على أفكار ماكس فيبر و كيف قد انتقد ماركسية ماركس و هنا يمكننا أن نسال لماذا لم يكتشف دارسي علم الاجتماع في السودان بأن أفكار وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون هي ضد الحداثة و ضد عقل الأنوار؟
سألنا هذا السؤال لأن ما يشغل ساحة الفكر الآن في السودان هو مسألة التحول الديمقراطي في السودان و قد فشلت فيه النخب السودانية و أفسدت شعار الشعب السوداني و أحلامه بدولة تقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و السبب لأن النخب الفاشلة في أعقاب ثورة ديسمبر قد إنشغلت بتقسيم الغنائم بينهم أما الأحزاب السودانية لم يخطر ببالها بأن معاركها على ركام ما تركته الانقاذ من ركام قد أعماهم عن غياب هيكل الدولة نفسها كمفهوم حديث و لا يمكن ان يشغل بال أمثالهم أتباع المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ و حزبه الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس.
و عليه ها هي مبادرة الامم المتحدة تدخل الخط و هي أكبر مؤشر على أن النخب السودانية قد وصلت الى منتهاها في الفشل و عجزت أن تفك إشتباكها فيما بينها و إكرام للشعب السوداني صاحب ثورة ديسمبر ها هم أحرار العالم يحاولون إنقاذ روح ثورة ديسمبر من بين أيدي نخب فاشلة و عليه نقول بأن أكبر المفاهيم الغائبة عن أفق النخب السودانية هو مفهوم الدولة كمفهوم حديث و هي التي تقود التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و يجب أن تكون مبادراتهم و استجابتهم لمبادرة الأمم المتحدة أن تركز على مفهوم الدولة كمفهوم حديث و هذا يتطلب ما يشبه المعجزة أي بأن تنتقل النخب الفاشلة بين عشية و ضحاها الى مستوى يجعلهم في مستوى فكر أحرار العالم أصحاب المبادرة التي تريد تحقيق شعار الشعب السوداني حرية سلام و عدالة و طبعا هذا يدخل الى حيز المستحيل من نخب أدمنت الفشل و لكن نقول بأن الشارع و الثوار و الشعب هم مصدر السلطة و كما كان متقدم على الدوام على نخبه الفاشلة عليه يجب أن يستمر في ثورته التي تجبر العسكر و النخب بأن مفهوم الدولة كمفهوم حديث لا مكان فيه للعسكر و لا مكان فيه للنخب الفاشلة نخب ما زالت تابعة لأحزاب مولانا و المرشد و الامام و الاستاذ الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس لأنه إذا تركت الأمور للنخب الفاشلة سوف يفشلون مبادرة الأمم المتحدة و بالمناسبة إذا فشلت مبادرة الأمم المتحدة سوف يدخل الى زمن ما بين الحربيين العالمتين و كيف أعقب زمن ما بعد الحرب العالمية الأولى إكراهات و صعوبات كانت تسوق باتجاه حرب عالمية ثانية و قد نبه لها كثير من الفلاسفة و الاقتصاديين و لكن كان حالهم كحال النخب السودانية لم يسمعوا الى لحظة قيام الحرب العالمية الثانية. الشعب السوداني يمكنه تفادي زمن ما بين الحربيين العالمتين في أوروبا اذا أجبر النخب الفاشلة على ترسيخ فكرة الدولة كمفهوم حديث و ان تسفر مبادرة الأمم المتحدة عن ميلاد دولة حديثة ذات ملامح واضحة و ليست كما كانت أيام حمدوك و حاضنته المريضة من نخب فاشلة و للأسف حمدوك كان بين أيديهم كالميت بين يدي غاسله في وقت كان يمكن ان يتحدث فيه عن غياب ملامح الدولة إلا انه صمت صمت القبور و كانت النتيجة غنقلاب البرهان الفاشل لكي يكون آخر أوهام النخب السودانية و فشلها و ها هو الشعب السوداني قد لقنه درس لأن ينساه و أن أحلام أب البرهان لم تكن غير أحلام زلوط أما أحلام الشعب السوداني فهي حرية سلام و عدالة لا يمكن تحقيقها إلا عبر الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي و للأسف فكر قد غاب طويل من مشهد الفكر السوداني.
المصدر: سودانایل