يواجه السودان معضلة جديدة تتمثل في احتمال اتساع فجوة إنتاج القمح خلال السنوات المقبلة بسبب المنغصات التي يعاني منها المزارعون، مما سيضغط على المالية العامة أكثر لتأمين الإمدادات من الخارج حتى مع تراجع الأسعار في الأسواق العالمية.
الخرطوم – تعطي تحذيرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو) من تعرض السودان لمشكلة في تأمين ما يكفيه من إمدادات القمح دليلا على الصعوبات التي تعترض الحكومة لتوفير غذاء السكان وأيضا بناء مخزون احتياطي من هذه المادة.
وذكرت فاو في تقرير حديث أن البلد يحتاج إلى استيراد أكثر من 3 ملايين طن من القمح هذا العام بسبب توقعات بانخفاض محصوله المحلي بنحو 30 في المئة بعد تحول المزارعين إلى محاصيل أخرى.
وأكد بعض المزارعين لرويترز أن الحكومة لم تلتزم بالشروط التي قطعتها عند شراء القمح منهم العام الماضي، مما أدى إلى تخوفهم من إنتاج الموسم الحالي أو عدم امتلاكهم المال اللازم لزراعته.
ولم تكن الأوضاع السياسية بعيدة عمّا آل إليه حال القطاع من جمود وتأخر. وزادت الحرب في أوكرانيا من تعقيد المشكلة، حيث تسببت في رفع أسعار مدخلات الزراعة مثل الوقود والأسمدة إلى مستويات قياسية.
وعرّض هذا الوضع محاصيل الموسم الحالي وربما المواسم القادمة للخطر في بلد تدهورت فيه معيشة الناس وليس من الواضح كيف ستتمكن الحكومة من استيراد السلع الغذائية من الخارج، رغم تأكيد وزارة المالية بأنها تبذل جهودا لتوفير المال اللازم.
وقالت فاو إن “واردات السودان المتوقعة من القمح ستشكل تقريبا كل متطلبات البلاد من الحبوب المستوردة البالغة 3.6 مليون طن”.
كما أشارت إلى أنه سيكون لهذا تأثير كبير على الأمن الغذائي للملايين من السودانيين مع استمرار ارتفاع أسعار القمح العالمية وضعف العملة المحلية للبلاد.
في المقابل، توقعت فاو تعافي إنتاج البلاد من الذرة الرفيعة، وهي غذاء أساسي في البلاد، ومن الذرة البيضاء بفضل الأمطار الغزيرة.
وقال آدم ياو ممثل فاو في السودان إن السكان يواجهون “مستويات مختلفة من نقاط الضعف مدفوعة بالارتفاع الشديد في أسعار المحاصيل الأساسية والآثار المشتركة للانكماش الاقتصادي وارتفاع التضخم والمخاطر الناجمة عن تغير المناخ والصراعات”.
وأظهرت بيانات البنك المركزي أن السودان استورد 2.7 مليون طن من القمح والطحين العام الماضي بتكلفة 1.06 مليار دولار، وتصدرت روسيا وأستراليا ورومانيا قائمة البلدان المصدرة.
وتشير التقديرات الرسمية إلى أن الاستهلاك السنوي للبلد، الذي يتجاوز عدد سكانه الأربعين مليون نسمة، مليوني طن من القمح، وغالبا ما كانت البلاد تنتج ما لا يقل عن 15 إلى 17 في المئة لتغطية الطلب المحلي.
وتقول وزارة المالية إنها ملتزمة بتشكيل احتياطي إستراتيجي من القمح يبلغ 300 ألف طن حتى في ظل الظروف المتقلبة.
ومع ذلك حذرت وكالات الإغاثة من ارتفاع مستويات الجوع بالبلاد، حيث عاني أكثر من ثلث السكان من انعدام الأمن الغذائي بشكل حاد العام الماضي.
وكانت فاو قد وقّعت في ديسمبر الماضي اتفاقية مع السفارة النرويجية لدى السودان، بقيمة 15 مليون دولار، لدعم عشرين ألفا من صغار المزارعين والرعاة في مواجهة تغير المناخ بالبلاد.
وقالت المنظمة الأممية حينها إن “المشروع يأتي لتعزيز قدرات النظام البيئي لمستجمعات المياه ولتطوير سلسلة القيمة الزراعية القادرة على التكيف مع المناخ للسلع الزراعية الرئيسة، والوصول إلى الأسواق وإقامة روابط مع القطاع الخاص”.
وأشارت كذلك إلى أن التمويل سيعمل على تحسين فرص الحصول على البذور المحسّنة وذات الجودة العالية وتحسين نطاق إنتاج البذور في المجتمعات المحلية ولرفع قدرات المؤسسية الحكومية.
ويعد السودان من بين دول الساحل العشر في أفريقيا ذات المناخ الاستوائي شبه الجاف، وتسهم الزراعة فيه ما بين 35 و40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل به أكثر من 80 في المئة من السكان، غالبيتهم من صغار المزارعين.
ويملك البلد الذي كان في فترة ما يوصف بـ”سلة المنطقة العربية” مقوّمات الاستثمار في القطاع مع وفرة الأراضي الصالحة للزراعة بمساحات شاسعة غير مستغلة.
ولكنه أصبح اليوم بفعل الأزمات وسوء إدارة المسؤولين لهذا المجال الحيوي غير قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من حاجاته للمواد الغذائية الاستهلاكية في ظل نقص الدعم الحكومي والتغير المناخي.
وتظهر الإحصائيات أن السودان لديه أكثر من 175 مليون فدّان صالحة للزراعة، إلا أن المساحات المستغلة منها في القطاع لا تتعدى نسبتها 45 في المئة.
وتجمع أوساط المزارعين على أن القطاع يواجه تحديات شاقة أكبر من أيّ وقت مضى للتأقلم مع مناخ أعمال متذبذب زاد من تكبيله شح التمويلات والتكاليف الباهظة لمدخلات هذا النشاط الحيوي.
ووجد معظم المزارعين أنفسهم محاطين بعدد من المشكلات الرئيسية التي تحدّ من زيادة إنتاج المحاصيل وخاصة القمح والشعير.
ومع تعاقب المواسم الزراعية تتجدد معوّقات الإنتاج بالبلاد والتي تشمل ارتفاع التكاليف جراء استيراد التضخم تزامنا مع عدم استقرار قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية.
وإضافة إلى ذلك، يشكو السودانيون من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي وهم في شهر رمضان، فضلا عن الإصلاحات المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي، بما فيها رفع الدعم عن الوقود وتعويم العملة المحلية.
ويعاني السودان الفقير أساسا من أزمة اقتصادية متفاقمة وخاصة منذ أزاح الجيش الحكومة الانتقالية في أكتوبر 2021 ودفع ذلك الأمر حكومات الدول الغربية إلى قطع المساعدات المالية عن البلاد، فيما علق المانحون أيّ خطوة لمنح القروض.
ومنذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في فبراير العام الماضي وتداعياتها على أسعار الحبوب والوقود، لاحت أزمات غذاء في الكثير من بلدان العالم لاسيما في الدول التي تعتمد في وارداتها بشكل أساسي على الدولتين المتنازعتين.
وتشكل واردات الخرطوم من القمح من موسكو وكييف معا بين 70 و80 في المئة من احتياجات البلاد، بحسب الأمم المتحدة.
وتعرض السودانيون إلى موجة قاسية من ارتفاع الأسعار في الأشهر الأخيرة شملت الوقود والكهرباء والسلع الأساسية الأخرى، وبلغ معدل التضخم 200 في المئة قبل أن يتراجع الشهر الماضي إلى 63 في المئة.
المصدر: الراكوبة