أخبار السودان : لا يخفى على المتمعن موقع السودان الإستراتيجي في المنطقة الشرق أفريقية، بل في المنطقة المتاخمة لشبه الجزيرة العربية. موقعه، بإطلاله على البحر الأحمر، وقربه من البحر الأبيض المتوسط. عدد الدول الأفريقية التسعة التي تحيط السودان بشقيه، شماله وجنوبه. مساحة السودان الشاسعة وثرواته وموارده المختلفة، وقبل كل شيء البلد الذي يوجد فيه أطول مجرى لنهر النيل، كأطول أنهار الأرض على الإطلاق. السودان بثروته البشرية التي تكاد مرمى أعين كل من أتى لأرضه غازيا أو مستعمرا. وعن باقية مميزات أهل السودان نتحفظ، ليس لشيء آخر، بل من أجل تواضعنا، ولنترك الشعوب الأخرى لتحكم عن ما هو سلبي، وما هو إيجابي فينا. كل هذه الأشياء تجعل من قطر خصيب وغني كالسودان، من الأقطار التي تكون عشم كل إنسان يبحث عن الفائدة. وكما هو دائما دأب الإنسان، بل دأب الشعوب، نعيش في عصر تعمل فيه بقية الأقطار على تأمين مواقفها، ومواقف شعوبها، إستعدادا لمجارات المستقبل وتحدياته. هذا عندما يحدث الإنفجار السكاني العالمي بقدوم العام 2050، ويفوق تعداد سكان العالم العشرة مليار نسمة. الوقت الذي تعمل فيه كثير من الشعوب على الإستعانة بمصادر بديلة لتغطية الإحتيجات الملحة لعيش الإنسان، خصوصا تأمين البروتينات الحيوانية المصدر. لقد شرعت كثير من الشعوب في إستخدام الحشرات والديدان من أجل تغطية هذه الإحتياجات. وهذه ليس هي قمة الهرم، هناك نتائج أخرى سوف تظهر لنا في المستقبل، فيما يأتي به هذا التطور وعلى النطاق العالمي. من هنا يأتي التكالب على السودان كقطر واعد، الشيء الذي يبين كل شيء مستتر خلف التعرجات السياسية الخفية. هناك من يأتي للسودان في ثوب الصديق، وهناك من يأتي للسودان في ثوب المغتنم، وهناك من يأتي للسودان في ثوب المستعمر اللئيم. لا نريد أن نؤجج نيران الفتن هنا، بقدر ما يهمنا هو توصيل الحقائق التي لا تعرف المجاملة والإرتزاق لعامة الناس. وهذا من أجل وطن تربينا فيه، ومن أجل مواطن نحن هو، بل من أجل تراب نحن منه وإليه. نقول هذا، ونحن نتابع بإشراقة شمس كل يوم، في السودان وخارجه، كيف يبدوا لنا وطننا حزين وشاحب، وطن يزداد كل يوم بلاءا واهتراءا، وطن يتوشح ثياب بالية، تؤذن بالتلاشي. كل هذا بسبب الفساد، بسبب التخبط في القرارات الغير مدروسة، وبسبب بساطتنا نحن في المقام الأول في التفكير، ومآخذنا لمجريات الأمور.
عن هموم المجتمع الدولي نقول بكل وضوح، وحسب ما نتابعه ونراه ونعايشه في كل يوم، أن ليس لهذا المجتمع من هموم غير تأمين مصالحه الذاتية. السودان هو دولة واحدة من بين أكثر من مئتين دولة كبيرة وصغيرة على وجه البسيطة. يأخذنا المجتمع الدولي عنوة، ويحملنا على موجاته كما يشاء، هذا ليس حبا فينا، ولكن بقدر ما يمكن أن يستفيده المجتمع الدولي منا. هناك أشياء ليس للمواطن السوداني من ضلع فيها، ولكن المجتمع الدولي يقوده مرغم، لكي يكون ضلع أساسي فيها. المجتمع الذي يردد لنا أغنيات نكرهها، حتى نصدق ذات يوم أننا كتابها، ونقوم من بعد بحفظها عن ظهر قلب. هنا على سبيل المثال: ما ذنب المواطن السوداني في أفعال التطرف الدولي، الأضرار التي لحقت بالضحايا، والتعويضات التي توجب على كل مواطن سوداني، في البلاد وخارجها من دفع ثمنها – ومن كان آنذاك المجرم؟ لا أحد منا يدري. زيادة على ذلك تأتي العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على السودان، ونفس المجتمع يدري جيدا، من هو الحاكم الذي يمكن أن يحاكم، كما حوكم غيره من حكام دول أخرى من قبل. العقوبات التي تكبد مشاقها المواطن والوطن ولمدة ثلاثة عقود من الزمان. الحقبة الزمنية التي يدري فيها المجتمع الدولي آثارها الرجعية على كثير من القطاعات، كالتعليم والصحة والإقتصاد ومحاربة الفقر والجوع والمرض. ما ذنب المواطن السوداني في كل هذا؟ أكان ذنبه هو وجوده الجغرافي في بلد إسمه السودان؟ لقد مهد المجتمع الدولي، لكي تتشكك الشعوب الآن في مصداقيته الدولية، والذي ما زال ينظر للوضع المذري في السودان من موقع المتفرج. الوقت الذي يسعى فيه هذا الشعب المغلوب على أمره في كل يوم، من أجل النهوض من موقع وضع فيه من دون ارادته. الشعب الذي يرنو للتقدم والتطور والتحول الديمقراطي كل يوم بسلميته، ويدفع الثمن فيه بأرواح الأطفال والشباب – عن أي مجتمع دولي نتحدث نحن، وهل نحن ليس إلا فيلم طويل لا ينتهي لتسلية سيادته؟ لقد رأينا بأعيننا أن أغنى سيادات المجتمع الدولي أتت، ونحن مشغولين بأمر التحول الديمقاطي، أتت لكي تأخذ تعويضات مواطنيها. زيادة على ذلك يأتي دور كل من يتربص بالسودان، بإنسانه، بأرضه وبموارده. هنا يتحول القول إلى فعل، عندما تحث هؤلاء أنفسهم، بأنهم، دول وأشخاص، أوصياء على السودان ومستقبله، لا يتركونه في حاله، بل يتبعونه ويسيرون خلفه، حتى في أمر القروض التي يقترضها أو يستدينها من غيره من دول.
في الخاتمة نقول، بأن كل الحقائق تدل على أن المجتمع الدولي مشغول الآن بلعب كبير، مشغول بهمومه في النطاق الضيق. الهموم التي تبني على المصالح الذاتية قبل كل شيء. وتثبت لنا معطيات الأيام، بأن ليس هناك مجتمع دولي أفضل من الآخر، وكله على حد سواء. الشيء الذي يقود كثير من دول العالم الفقيرة، لحالات من اليأس والبؤس والعبوس. والشيء الذي يمهد لتحول من نوع آخر لا يتوقع، عوضا عن التحول الديمقراطي الذي تحلم به هذه المجتمعات البسيطة وشعوبها. مثل هذه النتائج تأتي مدعمة بقوة بسبب عدم القبول الدولي، غياب العدالة في المجتمعات، تفاوت الطبقات المفضوح، والممهد الأول، ليس فقط لتفشي الفقر والعوز، بل أيضا لإنتشار الجوع والمرض. يجب على المجتمع الدولي ألا يقف أمام السودان والسودانيين، كمتفرج محترف وقديم، يشاهد كل يوم بتشفي، تعثر التحول الديمقراطي المنشود في البلاد. التحول الذي ضحى المواطن السوداني بكل ما ملك من غالي ونفيس من أجله – ويجب على المجتمع الدولي ألا يلوم الدولة والشعب ذات يوم، إذا ما قرروا، تغيير المسار المؤدي إلى مائدة الديمقراطية، والولاء لدول أخرى كروسيا والصين في آخر المطاف، وما هاتين الدولتين إلا جزء لا يتجزأ من المجتمع الدولي الكبير، الذي يقف أمامنا، الآن وبكل الشموخ.
المصدر: سودانایل