أخبار السودان : يستغرب القارئ العربي ان يرى شباب السودان يقتلون على ايدي مواطنين سودانيين اخرين بالقناصين وراجمات الصواريخ والمدافع المضادة للطيران ارض جو!!! في حين انه يرى نفس ذلك المواطن السوداني في جميع الدول العربية “زول” طيب وهادئ وغير شرس بل محب للسلام والامن والهدوء، فمن هو ذلك الزول السوداني الذي أصبح دموي وقاتل بدم بارد؟؟؟
لا أجد انني مدفوع لتبرير ذلك السلوك اللاإنساني وان كنت اميل الى ان السلطة في حد ذاتها مفسدة وأنها مغرية بالفرعونية التي غالبا ما تتسبب فيها الحاشية التي تنفخ وتوسوس في اذن الحاكم ليل صباح بضرورة اعمال العنف حتى لا يتآمر عليه الاخرون ويقلبونه ويسرقون منه السلطة؛ وقد يقتلونه.!!!فيصبح الحاكم سجين الخوف وانه لا بد ان يبطش بالأخرين الذين يريدون سلب ملكه فيتغدى بهم قبل ان يتعشوا به!!!
يبقى ان الزول او الازوال السودانيون لم يكن همهم كأفراد او مجتمعين كشعب السلطة في حد ذاتها بل تحقيق العدل ومحاربة الظلم، كيف لا و هم أحفاد اوائل ممن لم تغريهم السلطة بالظلم والتجبر؛ فحين فتح الفرعون النوبي بعانخي مصر في العام 745 ق م، كان ذلك بسبب ان الفراعنة المصريين يعاملون الخيل معاملة سيئة؛ وعندما قامت الكنداكة اماني ريناس في العام 40 قبل الميلاد بقيادة جيش من 30.000 جندي مستغلة ” انشغال الحاكم الروماني لمصر أيليوس غالوس في حملة علي شبه الجزيرة العربية فقادت جيشها وذهبت الي اسوان وطردت الحامية الرومانية واستطاعت اخذ اسري رومان واخذوا تماثيل اغسطس المصنوعة من الذهب و البرونز كانت موجودة في جزيرة فيل”
ولماذا نذهب بعيدا فلقد توحد السودانيون من جميع انحاء السودان وتناسوا القبلية والمناطقية تحت راية المهدية وحاربوا الاستعمار التركي ذو الراس الانجليزي ما بين 1881م الى 1885م وهزموهم وفتحت الخرطوم وكانت نية المهدي هي تسليم الحاكم الانجليزي غردون باشا لفداء احمد عرابي واخراجه من سجون الحكم التركي في مصر.
وحتى في الازمنة الحديثة يحدثنا التاريخ الحديث بأن الأورطة السودانية أعجب بها نابليون وشارك بها في حرب المكسيك في العام .1863-1867ورجع بعض افراد تلك الأورطة وكرمهم نابليون في باريس.
اذن المواطن السوداني فردا كان او حاكما من قديم الزمان هو في حالة نضال ضد الظلم والاستبداد وقد تذهب به تلك الجراءة حسب وجهة نظره لتحدي الموت والاستشهاد في سبيل الحرية
ولعل الجندي السوداني هو اول بل ا شجع من شارك في حرب 1973 وهزيمة العدو الإسرائيلي.
بل لعل كثرة الانقلابات العسكرية في السودان منذ استقلاله في 1956 حتى انها وصلت الى عشرات الانقلابات وتواصل النضال والكفاح التراكمي وتعدد الثورات ضد العسكر لاستعادة الحكم المدني منذ ثورة اكتوبر 1964 وثورة ابريل 1985 وثورة ديسمبر 2018.
وللمقارنة القريبة لكفاح الشعب السوداني ضد السلطة الاستبدادية الحاكمة مقارنة بالجارة الشقيقة مصر؛ التي لم تقم فيها ثورة شعبية تذكر؛ حيث نجد أنه ومنذ عيد الجلاء للإنجليز عن مصر في 1965. نعم عزيزي القارئ نال السودان استقلاله في 1956 في حين نالت مصر “استقلالها” في 1965 اي بعد السودان بتسع سنوات!! ! نعم بعد الجلاء حكم مصر الملك فاروق ثم الرئيس للعسكري نجيب ثم الرئيس العسكري عبد الناصر ثم الرئيس العسكري السادات ثم الرئيس العسكري حسني مبارك ثم الرئيس العسكري السيسي!!!
بالرجوع للصراع الدائم بين نضال الشعب السوداني واستبداد السلطة الحاكمة، فإن الوضع اليوم لا يختلف!!! سوى في ان هناك عناصر غير سودانية دخلت في الصراع وخاصة لوجود خيرات في ارض السودان قل ان توجد في غيره مثل الاراضي الشاسعة الصالحة للزراعة وتوفر المياه انهار وامطار ومياه جوفية والثروة الحيوانية التي تقدر ب130 مليون راس من الماشية قابلة التحسين والتكاثر والتضاعف العددي ووجود الذهب والبترول وكثير من المعادن الثمينة
نعم دخلت اطماع دولية من دول عربية وغربية مثل امريكا وروسيا واوربا بل حتى الصين. وقبل ذلك دخلت سودان اليوم افكار اليسار منذ الخمسينات ثم الفكرة الناصرية ثم البعثية واخيرا وليس ختاما نظرية حركة الاخوان المسلمين وجارتها لفترة قليلة الرؤية الشيعية في السودان.
عندها أصبح الحاكم المتسلط مدعوما بظهير خارجي تسليحاً وتمويلاً وكذلك مدعوما برؤية أيدلوجية أجنبية تريه إن الشعب السوداني الذي أمامه هو عدواً له وانه مجتمع جاهلي يجوز ممارسة العنف ضده إذا أبى الضيم والظلم؛ لأنه يصبح خارج على الحاكم !!!
لذلك استطاع النظام الاستبدادي للمخلوع البشير واستنادا على حاضنة سياسية من الجماعات المدعية نصرة الاسلام ان يؤدلج كل القوى الامنية والاستخباراتية والقوات النظامية وغير النظامية ممثلة في كتائب الظل والدفاع الشعبي والامن الشعبي لتصبح أداءه باطشة تعذب وتسحل وتقتل كل من ينازع حاكمها السلطة بل كل من ينادي بالحريات والحكم المدني!!!
هذه الروح العدوانية الدموية تمكنت خلال الثلاثين عاما الماضية عند الازوال الحاكمين وكدليل على ذلك أنه منذ ثورة ديسمير 2018 وحتى تاريخ اليوم لا يقل عدد الشهداء الذين قتلوا من قبل النظام العسكري للبرهان والمليشيات الكامنة للنظام المباد للمخلوع للبشير قتل قرابة ال 1000 مواطن سوداني في العاصمة الخرطوم وعشرات غيرهم في بقية المدن السودانية. وسقط الالاف مؤلفة من الجرحى.
يبقى ان الوضع اليوم أصبح أكثر هشاشة، لوجود السلاح والمال مع جهات كثيرة مثل اتباع النظام المباد للبشير وغبنهم على كل من ثار ضدهم ولو كان الغالبية من الشعب السوداني وقناعتهم الأيدلوجية بأنهم الفئة المؤمنة وما عداهم هم الفئة الضالة ويجب قنالها!!!
تزداد هشاشة الوضع لوجود كل الحركات المسلحة التي حاربت نظام بعدتها وعتادها اليوم في الخرطوم واصرارها على احقيتها في السلطة او على الأقل مشاركتها في اقتسام السلطة وللثروة، وهذه الحركات المسلحة تستند غالبا على قبائل اي بصورة اخرى هي نوع من القبلية المسلحة وهنا يأتي الخطر بسبب التداخل القبلي بل والتناصر القبلي بين القبائل السودانية والقبائل في الدول الافريقية المجاورة مثل تشاد وافريقيا الوسطى وامتدادا حتى النيجر ومالي وهو ما نشاهده اليوم في استقواء قوات الدعم السريع او قوات حميدتي، أي ترجع حمية الجاهلية الأولى ونذير الاقتتال القبلي كما حدث في راوندا والصومال واليمن.
يبقى ان الزول السوداني تمت محاولة تشكيله خلال الثلاثين عاما الماضية وقتل النخوة لديه حتى لا يؤمن بالوطن والوطنية الصادقة بل يتملق السلطة الحاكمة والتي بدورها تتملق الكفيل الأجنبي ليساعدها على البقاء في السلطة بصورة أبدية.
ولكن الازوال الشباب وخاصة الذين تحت سن الثلاثين أي الذين ولدوا ابان حكم المخلوع البشير كفروا بهذه السياسة “الاستكانية” التي يسميها اهل المغرب العربي “حشيشة طالبة معيشة” وخرجوا بصدور عارية وهتاف عالي وقدموا المئات من الشهداء تحت سن الثلاثين وهم ينشدون “حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب” وسينجحون طال الزمن او قصر في تحقيق احلامهم.
انشد الشاعر المكاشفي بخيت
“قِدَّام بُندُقيَّة
غَنَّى شهيدنا واقِف
خَلفَ البُندُقيَّة
صورة طاغية راجف
ما أحلى المواقِف
بين إنسان قضيَّة
و دكتاتور مُخالِف…
+++
الثورة إشتعالها
مسكون بجمالها
حين الحُر يسابِق
أزمانُه و يكاتِل
حين الأرض تغرس
في جوفها السنابِل
حين الأرض ثورة
و الإنسان قضيَّة
لا حَبلاً مُعلَّق
لا صوت بُندُقيَّة
حَدَّ مِن إنطلاقها
الإنسان القَضيَّة..”