أخبار السودان:
إطلعت بالصحف اليومية على تصريحين لعضو تحالف قوى الحرية والتغيير ورئيس الحزب الاتحادي الموحد الاستاذ محمد عصمت يتهم في الأول قحت بأنها أصبحت مطية للعسكر وفي الثانية يعلن بأن الدولة العميقة مازالت مسيطرة على أجهزة الدولة المدنية والعسكرية!! لولا ان هذا الرجل هو عضو في الحرية والتغيير لقلت انه عضو في الحزب الشيوعي، فهذه اللغة المتحاملة والمتبرئة من أوزار المسؤلية هي لغة الحزب الشيوعي أيام كان جزءا من الحرية والتغيير وجزءا من الحكومة وفي نفس الوقت يطعن في الحكومة وفي قحت صباح مساء حتى أصبح وجوده في السلطة شاذا وغير منسجم، مما قاده في نهاية الأمر إلى مفارقة قحت ومغادرة الحكومة ولكن بعد أن اختطف تجمع المهنيين واخترق ما اخترق من لجان المقاومة واحتكر ما احتكر من وظائف في أروقة الدولة عبر تمكين مشبوه، وأصبح بذلك احد أكبر المعاول التي هدمت دولة الثورة وحطمت صورتها في أذهان الجماهير.
يبدو ان محمد عصمت يريد أن يلعب الآن دور الحزب الشيوعي السابق داخل قحت، فيطعن حلفاءه ويكيل لهم الاتهامات ويصور ما يقومون به بانه خدمة لأجندة العسكر، وكأن الأحزاب السياسية التي ذكرها محمد عصمت بالاسم وهي الأمة القومي والمؤتمر السوداني والبعث هي أحزاب وليدة اليوم او أحزاب مداهنة او جبانة، بل هي أحزاب ذات تاريخ ناصع في مواجهة الدكتاتوريات وفي مقاومتها، وحتى التاريخ القريب يشهد لها إذ لم تشارك مطلقا في حكم البشير طيلة الثلاثين سنة، بينما شاركها الشيوعي الذي يطعن في شرفها وثوريتها صباح مساء، فليقل محمد عصمت خيرا او ليسكت، فإن وصف قحت بأنها مطية للعسكر فهو لا يصف الا نفسه كعضو فيها، وأن وصفها بأنها عاجزة عن تفكيك التمكين فهو لا يصف الا عجزه الشخصي.
غادر الحزب الشيوعي قحت وغادر الحكومة الانتقالية فلم يعد يسمع له أحد صوتا، تقديرات الحزب الخاطئة في هذا الخروج ابعدته من موقع القرار وحولته من مؤثر فعال إلى مجرد مشاهد من على الرصيف، فلم يعد له وجود يذكر ولا صوت يسمع، وحتى الأجسام التي كان يديرها بالريموت كنترول مثل تجمع المهنيين الشيوعيين ولجان المقاومة المخترقة انطفأ بريقها وانزوت بمجرد خروج الحزب الشيوعي من دائرة الضوء والفعل السياسي، ولا يبدو أن آمال الحزب في العودة للتأثير سهلة اذا يتوجب عليه أن أراد العودة لنقطة الفعل ان ينصاع لدعوات رفاق الأمس بالعودة لقحت وهي عودة ستكون عودة منكسر لا عودة منتصر، أو أن ينتظر تكوين المجلس التشريعي ليعمل من داخله او ان يسيطر على النقابات بعد انتخابها، وكلها خطط عودة يعلم الحوب الشيوعي أن حلفاءه بالأمس غير غافلين عنها وانهم لها بالمرصاد ولن يجدها لقمة سائغة ابدا.
محمد عصمت مر بنفس تجربة الشيوعي من قبل حين ظن نفسه ذو وزن وتأثير فأعلن خروجه من قحت، ولكنه فقد كل شيء بعد هذا الخروج ولم يعد يسمع عنه احد، فلم يجد مناصا من العودة مجددا لقحت، وها هو الآن بعد عودته المنكسرة يريد أن يقول انا هنا على طريقة الشيوعي!! وهو هنا يبدو كالذي لا يتعلم من درسه ولا من دروس الآخرين، اذا اراد محمد عصمت ان تكون قحت سيدة نفسها فليعمل على ذلك فهو عضو فيها وإذا أراد من الحكومة ان تفكك تمكين الدولة العميقة فليعمل على تحقيق ذلك فهو جزء من الحاضنة السياسية للحكومة، ولكن أن يفشل محمد عصمت في ان يكون مؤثرا داخل التحالف فيدفعه هذا إلى تبخيس شركاءه في التحالف وتقزيم دورهم وطعنهم بسكاكين الاتهامات عبر الصحف والميديا فهذا فعل لا يعد من الأخلاق ولا من الرجولة، فلينتبه محمد عصمت وغيره من قيادات قحت الغاضبين من تهميشهم وليعلموا ان الكلمة مسؤلية والتاريخ يسجل ولا يرحم، فإما أن يعملوا بجهد وصمت ضمن التحالف الحاكم او فليخرجوا بشجاعة منه ولا يعودوا اليه مجددا وينضموا إلى الشيوعي في المعارضة ووقتها فليقولوا ما يشاءون.