شهد الجنيه السوداني خلال الثمانية أشهر الماضية تدهورا كبيرا، حيث انخفض بصورة ملحوظة فى ظل غياب تام للأجهزة الحكومية الرسمية، مع استمرار الحرب بين قوات الدعم السريع والجيش، ووسط أزمة اقتصادية خانقة ظلت تضرب جميع قطاعات البلاد الحيوية.
وارتفعت معدلات الفقر إلى نسب كبيرة تفوق الـ80%، وفق مراقبين، حيث ارتفع التضخم وأثر بشكل واضح على المجتمع، وتخطى الجنيه السوداني حاجز الألف وعشرة جنيهات في السوق الموازية، مقارنة بـ900 جنيه في السوق الرسمية مقابل كل دولار.
وارتفع سعر صرف الدولار إلى مستوى قياسي بداية العام الحالي، حيث تخطى حاجز 800 جنيه في السوق الموازية مقابل 556 جنيها في البنوك، ما يعني أن قوة شراء السودانيين انخفضت بشكل كبير، وأنهم يواجهون صعوبات في شراء المواد الأساسية، التي ارتفعت أسعارها وتسببت في تفاقم أزمة الفقر والجوع.
ولم تتخذ الحكومة فى وقت سابق إجراءات حاسمة، ولم تقم بأي إصلاحات اقتصادية من شأنها أن تحد من الارتفاع، بل بقيت الأزمة السياسية والاضطرابات المجتمعية من دون إجراء إصلاح حقيقي، فى ظل تناقص إيرادات الدولة وتوقف الصادرات، والاعتماد الكلى على الواردات، الأمر الذي ضاعف من احتياجات العملة الصعبة.
وظل الجنيه السوداني ضحية عجز اقتصادي وفشل للسياسة الحكومية. وسبق أن استخدم البنك المركزي قبل اندلاع الحرب وسيلة التدخل في سوق الصرف الأجنبي باستخدام آليات مختلفة، منها مزادات الدولار، واستخدام الأساليب الأمنية في القبض على المتاجرين وسماسرة الدولار في السوق الموازية، إلا أن كل ذلك لم يمنع استمرار تدهور سعر الجنيه.
وأكد اقتصاديون صعوبة سيطرة الأجهزة الحكومية الحالية على السوق الموازية ما لم يحدث استقرار سياسي واقتصادي. وتوقعوا انخفاض الجنيه بصورة كبيرة، وصولاً إلى ألفي جنيه مقابل الدولار، ما يمكن أن يكون له تأثير سلبي على مستويات معيشة السودانيين.
المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي رأى، فى حديثه لـ”العربي الجديد”، أسبابا غير اقتصادية لتراجع قيمة الجنيه السوداني، ومنها ما تعلق بالحرب في الخرطوم وولايتي دارفور وكردفان، إضافة إلى حالة عدم الاستقرار الأمني في البلد، مؤكداً أن “قيمة العملة تتأثر سلبياً بأوضاع الحروب والكوارث وعدم الاستقرار السياسي، وهذا ما نعيشه الآن”.
وأضاف مؤكداً أن الاقتصاد السوداني عانى عبر سنوات من اختلال هيكلي في المؤشرات الاقتصادية، كالتضخم وميزان المدفوعات والاحتياطات الأجنبية والعجز في الموازنة العامة، إضافة إلى خلق نقود جديدة للتمويل بالعجز، واستمرار الحرب، واتساع التهجير القسري من المنازل، وتزايد عدد النازحين واللاجئين.
وقال “حتى الآن لم تقم الحكومة بمعالجة تلك المؤشرات بطرق صحيحة، ولم تعدّ خطة إسعافية طارئة لمواجهة آثار الحرب الحالية، ولذلك فإن سعر الصرف معرّض للارتفاع، وسيقتصر أي تحسن في سعر صرفها بمضاربات التجار.
وأضاف فتحي “من الأسباب الرئيسية لتراجع الجنيه السوداني مقابل الدولار تراجع التجارة الخارجية، وارتفاع نسبة التضخم بسبب ارتفاع الإنفاق الحكومي بالنسبة للإيرادات العامة، التي فقدت بسبب توقف كثير من الخدمات بسبب الحرب، وكذلك تراجع الصادرات بنسبة كبيرة إلى جانب زيادة الطلب على الواردات”.
وعلى نحو متصل، تزايدت مغادرة رأس المال الأجنبي والوطني المستثمر خارج السودان، وتوقف الكثير منه، وتم تدمير جزء كبير من هذه الاستثمارات، خاصة الاستثمارات في المناطق التي تشهد حالياً صراعاً. وقال هيثم “من أجل معالجة قضية تهاوي الجنيه السوداني، هناك حاجة ماسة لخطة تعمل على خفض الواردات، من خلال حل جزء من المشكلات التي تواجه بعض الصناعات المحلية بالبلاد في المناطق المستقرة، وكذلك العمل على تسهيل عمليات التصدير، أو اتخاذ خطوات وسياسات نقدية مرنة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي الزين التوم لـ”العربي الجديد” أن اتساع الفارق بين السعر الرسمي والسوق الموازية يعود إلى ازدياد الطلب على الدولار من جانب التجار والمستوردين والمستهلكين، نظرا لنقص المعروض منه في السوق، إضافة إلى فشل سياسة التحكم في سعر الصرف التي تتخذها الحكومة والتي تستهدف المحافظة على استقرار قيمة الجنيه.
وقد تراجعت إيرادات السودان من مصادره المختلفة مثل الذهب والنفط نتيجة حرب الخامس عشر من إبريل/نيسان، بجانب انخفاض أسعار هذه المواد في الأسواق العالمية. كما ازدادت نفقات السودان على دعم المحتاجين من المواطنين واللاجئين، والإنفاق على الأمن والدفاع، ما أدى إلى عجز كبير في الموازنة وزيادة في ديون السودان التي تصل إلى أكثر من 60 مليار دولار.
ويواجه السودان أزمة اقتصادية مستعصية تهدد أمنه واستقراره، وتزيد من معاناة المجتمع، في ظل تدهور العملة وارتفاع التضخم والبطالة والفقر. وتزداد حدة هذه الأزمة بسبب استمرار النزاعات المسلحة في عدة مناطق في البلاد، وتوسعها يوما بعد يوم في ولايات السودان المختلفة.
المصدر: العربي الجديد