أخبار السودان : بعد أن بانت المؤشرات التي قد ترجح شروع جهات في تنفيذ سيناريو (الثورة الشعبية المسلحة) والتي روج لها أحد عرابي الحركات المسلحة، وصفق لها قادة الحركتين اللتين رفضتا توقيع اتفاق سلام جوبا، وعقدتا تحالفات سياسية وعسكرية داخلية وخارجية، وأشار أحد قادتها صراحة للمشاركة الواسعة لعناصره في الحراك الذي يسود الساحة هذه الأيام واعتزامهم (اقتلاع) السلطة الحالية بالبلاد جملة واحدة، هذا السيناريو الذي يعتبر حماقة سياسية و أمنية كبيرة إلا أنها غير مستبعدة على الإطلاق، وأشارت للضفتين المتقابلتين اللتين تختلف مصالحهما واللتين ستتواجهان عسكرياً إن تطورت هذه الاضطرابات الأمنية وتحولت لثورة مسلحة، وذكرت خطورة الأمر وانعكاساته المدمرة على كامل البلاد إن حدث لا قدر الله.
ومن المؤشرات المهمة على احتمال مضي بعض القوى في هذا السيناريو المدمر هو حجم الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها الأجهزة الأمنية لمنع المتظاهرين من الوصول لقلب الخرطوم وللقصر والقيادة العامة لدرجة إغلاق الكباري بالحاويات للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وكذلك تكوين قوات مشتركة ذات طبيعة قتالية متقدمة وبجاهزية عالية، وبدء نزولها للشارع ولحماية بعض المناطق الحيوية، في ما يبدو أنه علم مسبق من الجهات الأمنية باحتمال المضي باتجاه هذا السيناريو، وكذلك مسارعة المندوب الأممي لطرح (مبادرة) تم إعدادها والإعلان عنها على عجل، مما تشير لوصول الأمر لمرحلة الخطورة الدافعة لتدارك الأمر، المبادرة التي يبدو كذلك أنها محاولة لتقليل حجم خسائر القوى الخارجية الناتجة عن بيان الجيش في 25 أكتوبر وتخوفها من نجاح سيناريو الثورة المسلحة؛ الذي تمثل القوة التي تقوده الرافض الأكبر لكل البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي كانت حكومات حمدوك السابقة تعمل على تطبيقه تحت رعاية القوى الخارجية هذه.
ولا يمكن بأي حال تجاهل قوتين مهمتين ستلعبان دوراً – ربما كان حاسماً – في حال انزلاق البلاد لهذا السيناريو، و يعتبران أصحاب مصالح أساسية في ما ستؤول إليه الأوضاع بالبلاد، أولاهما الجيش والدعم السريع كقوة واحدة، والتي من المتوقع أن تتدخل في لحظة الصفر الأخيرة لردع أي محاولة لعمل مسلح مصاحب للتظاهرات، والقوى الثانية التي تعيش حالة من الثبات السياسي المتذاكي؛ لكنها ترقب الوضع بدقة و يدها على زناد قواتها الكثيفة المدربة هي قوى التيارات الإسلامية المنظمة، والتي تمتلك أدوات قتال لا يستهان بها، وهي قوة قد يبدو أنها تتخذ موقعاً محايداً حالياً ولا تدعم أياً من الضفتين المتقابلتين؛ لكنها لابد ستكسر حالة الحياد هذه وستضطر للدخول في خط الأحداث إن انزلقت البلاد لهذا السيناريو المدمر.
برغم الرفض القاطع للتدخلات الخارجية الكثيفة في الشأن السوداني؛ إلا أن الأمل أن تكون إحدى ثمرات المبادرة الأممية الحالية وترحيب غالب المكونات السياسية الداخلية والمحاور الخارجية هو إخماد فكرة الثورة المسلحة وإفشالها، وبعدها.. فكل المعضلات مقدور على حلها.
2
أشرت في عمود الأمس إلى ظاهرة الظهور الكثيف للافتات وعناصر حركات مسلحة غير موقعة على إتفاقية السلام مع حكومة الثورة، وأشرت لتصريحات أحد قادة هذه الحركات وتأييده المطلق لإسقاط الوضع الإنتقالي الحالي بإعتباره إمتداد لحكومة المؤتمر الوطني البائدة، وأشرت لتأييده الموثق بالفيديو المنتشر في الفضاء لنموذج الثورة الشعبية المسلحة من داخل الخرطوم والذي طرحه أحد عرابي الحركات المسلحة، ولإحتمالية تحول هذه الفكرة الحمقاء للتنفيذ بحسب مؤشرات واضحة للعيان وآثارها الكارثية المتوقعة إن حدثت، ونواصل!
وإن سأل أحدهم عن الحواضن السياسية الداخلية لهذا السيناريو المتوقع فلننظر لعلاقات الحركتين الرافضتين لاتفاقيات سلام جوبا واللتان لا تزالان تحتفظان بقواتهما خارج رقابة الدولة و أجهزتها الأمنية، علاقاتهما الداخلية ببعض الأحزاب السياسية التي وقعت معهما إتفاقيات منشورة ومعلومة وتربطهما بهم أواصر الفكرة والإيديولوجية، وهي ذات الأحزاب التي من خلالها مظلات عملها السياسي المتعددة مثل تجمع المهنيين وبعض لجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني والنقابات التي تسيطر على لجانها تحرك الشارع اليوم وتنظم المواكب وتحشد صور الشهداء والدم لتأجيج الشارع أكثر وأكثر، أما الحواضن الخارجية فإن لذات الحركتين علاقات لا تخفى على حصيف بدول المأوى الذي يقيمون على أراضيها وعلاقات بمنظمات أجنبية ودولية تتخذ منها هذه الحركات مستشارين دائمين لها ويمدون هذه الحركات بالدعم اللوجستي والسياسي وقد ظهروا جهاراً في مناسبة عدة مثل زيارة رئيس الوزراء السابق د. حمدوك لمنطقة كاودا معقل إحدى هاتين الحركتين، بل في داخل مكاتب مجلس الوزراء كمستشارين وخبراء أجانب في حقبة حمدوك الأولى.
الجانب الآخر في الضفة المقابلة لهذا السيناريو هو الحركات التي وقعت على إتفاق جوبا للسلام ونالت بموجبه حظوظ كبيرة في الثروة والسلطة وشرعت في الترتيبات الأمنية لقواتها، ونال قادتها مواقع دستورية مرموقة وحققوا مكاسب سياسية كبيرة، بل عملوا سياسياً على دعم موقف السلطة الإنتقالية الحاكمة حالياً وظهوراهم كحليف أساسي لقائد الجيش وقد ساهموا بإعتصامهم الشهير أمام القصر في دفعه لأتخاذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر، وقد اشارت بعض التقارير من الضفة المقابلة لهذه الحركات أن بعض منسوبيها قد شاركوا مع الشرطة في التصدي للمظاهرات التي تجري في الخرطوم هذه الأيام، فكيف سيكون موقف هذه الحركات في حال أقدم المعسكر الرافض لقرارات الخامس والعشرين على حماقة تنفيذ فكرة (الثورة الشعبية المسلحة)!؟ ألن تكون المحرقة التي لن تصيب الذين يلعبون بنيران السياسة خاصة بل ستتعداهم ليحترق الوطن أكمله بنيران الفتنة الكبرى خاصة إذا أخذنا بالإعتبار الأبعاد القبلية والعشائرية والجهوية لمكونات الضفتين المتصارعتين.
بالطبع لم أذكر هنا شئياً عن الجيش السوداني ولا عن قوات المنظومة الأمنية بالبلاد أو قوات الدعم السريع وقائدها حميدتي الذي قد يبدو جلياً في أي الضفاف سيقف في مثل هذه المعركة،. نواصل.
1
لفت نظري؛ و أثار حيآتي؛ حد فغر الفاه تعجباً!! الظهور الكثيف للافتات إحدى الحركات المسلحة (حركة جيش تحرير السودان جناح الأستاذ فلان ابن فلان ابن فلان ) في ما يسمى ب(المليونيات) المتكررة التي تسيرها جهات متعددة و الكل يزعم أنه أمها و أبوها !! هي ذات الحركة التي لا زالت تمانع في توقيع اتفاقية سلام مع حكومة الثورة، الحركة التي ظل رئيسها يعتلي المنابر يعلن رفضه لكل اتفاق أو تطور، ويعلن رفضه ومعارضته للجميع بدءًا من رفقاء السلاح الذين وقعوا اتفاقيات سلام مع حكومة الثورة، ومروراً بالمكون العسكري و حتى الحاضنة السياسية المدنية من الأحزاب، وهو ذات قائد الحركة التي انقسمت حركته التي يزعم أنه مؤسسها و إلى بضع وخمسين حركة بسبب تعنته وقسوته وجموده في مواقف متطرفة لا يتزحزح عنها من برجه العاجي في العاصمة الفرنسية باريس! ويردد متفاخراً أن عناصره في قلب الحراك الثوري في شوارع الخرطوم!! وأنه وعناصره يسعون لإسقاط السلطة الحاكمة بالكامل، لأنه يرى في الثورة بأجمعها نسخة ثانية من حكومة المؤتمر الوطني السالفة !
هذا الظهور الكثيف لخطورته ومعناه السياسي والأمني الكبير حاولت قنوات نقل المظاهرات التركيز عليه وكأنها تجر عينيك وانتباهك جراً لتلاحظه والناس عنه كأنهم غافلون، ومكمن الخطورة التي يتجاهلها الناس أن ذات هذا القائد قد جلس ذات يوم بجوار أحد عرابي الحركات المسلحة من أبناء (الشمال النيلي) وهو يدعو لثورة شعبية مسلحة تقودها إحدى الحركات من داخل الخرطوم! وضرب أمثلة بسبع دول حدث فيها ذلك! وذكر أن تجربتي الشهيد محمد نور سعد والشهيد خليل إبراهيم يعتبران تمرينين لهذا السيناريو !! وقد صفق القائد المذكور لهذا القول تأييداً وإعجاباً !! فإن جمعنا هذه وتلك فلا حرج علينا إن ظننا أن ما يجري الآن بالخرطوم من تصعيد مستمر للمسيرات والمواكب المصحوبة بمشاهد الدم الموثقة بالصور الاحترافية، والمؤججة يوماً بعد يوم بكثير من الشهداء إنما يبدو كأنه مؤشرات حقيقية مهمة لتنفيذ المخطط المذكور والذي ربما سيأخذ مكانه في قادم الأيام في قلب الخرطوم مدعوماً، ربما بقوى خارجية مؤيدة لمثل هذا السيناريو كأحد وسائل تحقيق هدفها في نسف الفترة الانتقالية وإشاعة الفوضى والخراب بالبلاد.
تنفيذ مثل هذا المخطط يبدو حماقة كاملة الأركان، إلا أن تاريخنا السياسي الحديث مملوء بالحماقات، ونخبنا التي تخطط لمصائر شعبنا مملوءة بالاندفاع الأعمى ومقيدة بالانصياع للخارج، وهي كالثعلب (تتوقع منو أي حاجة)، ومظهر الحماقة هنا أن الوضع الأمني بالبلاد لن يتحمل أزيز رصاصة واحدة تنطلق من أحد تجاه الآخر، فكيف سيكون الحال إن تحولت الخرطوم لساحة قتال بين الحركات؟ حركات بعضها ينوي دعم ثورة شعبية مزعومة والأخرى تقاتل لتمنع انهيار سلام وقعته ومنحها سلطة وإقليماً ووزراء؟ نواصل لنحلل المشهد.
المصدر: صحیفة الیوم التالي