التناقضات في الديمقراطية الغربية: حرية مشروطة بمعايير مزدوجة
يقول الفيلسوف الفرنسي بول ريكور: “لا يمكن أن أمنع نفسي من التفكير بأن هناك شيئًا مثيرًا للسخرية أكثر من منح الفتاة المسيحية الحق في أن تكشف عن جسدها، بينما تُحرم الفتاة المسلمة من حقها في تغطية رأسها!”
من المتعارف عليه أن الديمقراطيات الغربية تقوم على مبدأ الحرية الفردية، حيث يُفترض أن يتمتع كل فرد بالحق في اتخاذ قراراته الشخصية المتعلقة بحياته دون تدخل من الدولة. يشمل ذلك حرية التعبير، وحرية المعتقد، وحرية اختيار المظهر الشخصي. ومع ذلك، يمكن لهذا المبدأ أن يكون عرضة للانتقاد عندما يُطبق بشكل غير عادل أو عندما تُغفل حقوق فئات معينة تحت ذريعة “الحرية”.
الاقتباس من ريكور يُسلط الضوء على تناقض واضح في الديمقراطيات الغربية: ففي حين يتم الدفاع بقوة عن حقوق بعض الأفراد في التعبير عن أنفسهم حتى لو كان هذا التعبير يتحدى القيم الاجتماعية أو الدينية السائدة، يُقيّد في الوقت نفسه حق الآخرين في ممارسة تقاليدهم الدينية أو الثقافية، كما هو الحال مع الحجاب في بعض الدول الأوروبية.
هذا التناقض يطرح تساؤلات حول مدى مصداقية “الحرية” التي تروج لها الديمقراطية الغربية. هل تُعتبر حرية حقيقية إذا كانت تُمنح للبعض وتُحرم من الآخرين؟ وهل هذه الحرية تُقيد بمعايير مزدوجة تعتمد على السياق الاجتماعي والسياسي؟
يجب أيضًا أن نأخذ في الاعتبار أن بعض القوانين التي تفرض قواعد معينة على اللباس في الأماكن العامة في الدول الغربية تُبرر بحجة حماية “الحياد العلماني”، إلا أن هذا الحياد قد يُفسر على أنه نوع من الإجبار على التخلي عن الهوية الدينية أو الثقافية، وهو ما يتعارض مع مبدأ الحرية الذي تدعي هذه الدول الدفاع عنه.
في النهاية، يمكن أن يُنظر إلى الديمقراطية الغربية، في بعض الأحيان، على أنها تطبق معايير مزدوجة تتناقض مع مبادئها الأساسية. إذا كانت الحرية هي الهدف الحقيقي، فيجب أن تُمنح بشكل متساوٍ للجميع، بغض النظر عن الخلفية الثقافية أو الدينية. وإلا، فإن هذه الديمقراطية قد تتحول إلى أداة لفرض قيم ثقافة معينة على الآخرين، وهو ما يتناقض مع الجوهر الحقيقي للديمقراطية التي ينبغي أن تدعم التنوع والاختلاف.
أحمد هيثم