تلوح السلطات السودانية، بالإغلاق الكامل للبلاد، لمنع الانتشار السريع لمتحور “أوميكرون” من فيروس كورونا المكتشف في جنوب أفريقيا والذي انتشر في العديد من الدول.
ويعتقد مراقبون أن الأوضاع الاقتصادية والصحية في السودان تفاقمت عقب الإجراءات التي أفضت إلى سيطرة العسكر على السلطة، ووقف كثير من الدول مساعداتها، وخاصة تلك المتعلقة بتمويل برامج الصحة والدعم الاجتماعي للمواطنين.
وذكر بيان صادر عن وزارة الصحة، بداية الأسبوع الجاري، أن عضو مجلس السيادة ورئيس اللجنة العليا للطوارئ الصحية، عبد الباقي عبد القادر، لوح “بإغلاق البلاد في حال لم يتم الالتزام من قبل المواطنين بتوجيهات اللجنة العليا للطوارئ الصحية، وتوجيهات مجلس الأمن والدفاع الداعية إلى ارتداء الكمامات في الأماكن العامة”.
ولم يتعافَ الاقتصاد السوداني من الإغلاق الأول في يونيو/ حزيران من العام الماضي، وازدادت معاناة المواطنين عقب رفع الدعم عن الوقود أفضت إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار السلع، كما ارتفع معدل التضخم إلى أرقام قياسية. وبسبب الظروف الاقتصادية في البلاد بدأت تظهر مخاطر حقيقية تتمثل في النقص الكبير في الأدوية والمعقمات وأدوات الوقاية.
وأكد خبراء اقتصاد أن السودان يعاني من أزمة اقتصادية كبيرة ستتفاقم في حالة إغلاق الأسواق. وقال المحلل الاقتصادي، حسن بشير، إن انتشار كورونا خلق مزيدا من الضغوط على الاقتصاد السوداني وزاد من حدة الركود، وأثر بشكل سلبي على الإنتاج والصادرات ومناطق التنقيب عن الذهب.
وأوضح أن أكبر المتضررين من انتشار الفيروس أولئك الذين يعتمدون في دخولهم على الأجرة اليومية، وهؤلاء يمثلون قطاعا واسعا من السودانيين. وأضاف أنه إذا انتشر المتحور الجديد بصورة كبيرة وحدث إغلاق فإن ذلك سيكون نهاية الاقتصاد السوداني الذي ظل يتلقى ضربات موجعة من كافة الجهات لأسباب موضوعية أو غير موضوعية.
وقال: “سيؤثر أوميكرون أيضا على الأداء الاقتصادي بالبلاد خاصة القطاع غير المنظم بكامله سواء كان ذلك في الأرياف أو المدن أو العاصمة الخرطوم. هذا إلى جانب تأثيره على قطاع النقل والسيدات اللواتي يعملن في بيع الشاي والأطعمة بالشوارع”، حسب بشير.
وأضاف: “كل ذلك سيؤدي إلى تراجع كبير في مستويات الدخول مع استمرار ارتفاع الأسعار”.
وحسب بيانات رسمية، سجل معدل التضخم في السودان انخفاضاً جديداً خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مع وصوله إلى 365.82 بالمائة، مقارنة بـ387.56 بالمائة في شهر أغسطس /آب الماضي، بتراجع قدره 21.74 نقطة. وكانت البلاد قد سجلت في شهر يونيو/حزيران الماضي واحدة من أعلى نسب التضخم في العالم عند 442.78 بالمائة.
وأدت الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، إلى تعقيد موقف الشرائح المجتمعية التي ترزح تحت وطأة الفقر والبطالة، كما ساهم قرار إغلاق الأسواق السابق إلى تفاقم الأزمات المعيشية.
وتقدر حكومة السودان أن 65 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في الوقت الذي يؤكد خبراء اقتصاد أن وضع الأمن الغذائي السيئ أصلا من المرجح أن يزداد سوءا الفترة المقبلة.
ويرى الخبير الاقتصادي، آدم الزين، في حديثه لـ”العربي الجديد” أنه لم تقتصر خسائر التجار ومعاناة المواطن على آثار جائحة كورونا فقط والإجراءات الاحترازية لمنع انتشارها خاصة في ما يتعلق بالحجر الصحي أو الإغلاق، بل هناك أمور أخرى ستساهم بطريقة كبيرة في زيادة المعاناة وهي الفوضى التي تعيشها أسواق السودان وعدم وجود جهة رقابية لضبط الأوضاع.
وتوقعت الغرفة التجارية على لسان مسؤول رفيع حدوث ندرة إضافية في السلع الاستهلاكية في المحلات التجارية إذا أغلقت البلاد.
وقال المسؤول بالغرفة، الذي رفض ذكر اسمه، إن ارتفاع أسعار السلع الذي فاق نسبة 500% مرتبط بتوقف الاستيراد، في ظل أزمة ميناء شرق البلاد والتي سوف تزيد من وتيرة المعاناة وزيادة الإقبال على السلع الأساسية، وتجميد إنتاج بعض المنتجات المحلية بسبب ارتفاع كلفة التصدير. ويدعو الاقتصادي السوداني، بابكر إسماعيل، السلطات إلى تبني إجراءات لمساعدة المواطنين وتوفير السلع التموينية الأساسية وتسهيل الوصول إليها بدون صفوف أو اكتظاظ إذا أرادت الشروع في عملية الإغلاق.
ويقول مواطنون لـ”العربي الجديد” إنهم غير مستعدين لإغلاق البلاد مرة أخرى. ويشيرون إلى أن ارتفاع نسبة الفقر هي العامل الأساسي الذي يؤدي إلى انتشار الفيروس بسبب عدم اتخاذ الاحتياطات الكافية واضطرارهم للعمل بحثاً عن لقمة العيش في ظروف سيئة تسهل إصابتهم بالفيروس، كما يعجزون عن توفير المعقمات والمنظفات والأدوية وغيرها من وسائل الحماية.
وعانى السودانيون، خلال الأشهر الماضية، من ارتفاع مستمر في أسعار السلع الضرورية والخدمات، بينما تتواصل بشكل شبه دائم طوابير الخبز والوقود بسبب تفاقم الأوضاع الاقتصادية والفوضى التي تشهدها الأسواق.
كما يأتي ذلك بعد تنفيذ الدولة لإجراءات اقتصادية طبقت فيها وصفة صندوق النقد الدولي والبنك لدولي، برفع الدعم كليا عن المشتقات البترولية، وجزئياً عن بعض السلع والخدمات. ومع دخول السودان موجة جديدة من الوباء، قالت نشرة صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إن الإصابات آخذة في الارتفاع بعدة ولايات سودانية، بينما وصل معدل إشغال الأسرّة في مراكز العزل إلى 90% في ظل نقص الأكسجين والأدوية والتمويل اللازم لجهود مكافحة الفيروس.
المصدر الراكوبة نيوز