أخبار السودان:
منذ أن ظهر الذهب في مناطق مختلفة من السودان قريبا من سطح الأرض، أصيب الكثيرون بهوس البحث عنه من أجل الثراء السريع للخروج من مستنقع فقر موروث، خاصة وأنهم رأوا نماذج حية أمامهم حالفها الحظ ، نعم العثور على الذهب تقليديا يعتمد على الحظ بدرجة كبيرة، لأنه لا توجد طرق علمية دقيقة يعتمد عليها المواطنون غير سماعهم بأن هذه المنطقة أو تلك يوجد بها ذهب فيشدوا إليها الرحال حاملين أرواحهم على أكفهم، وكل المناطق التي يشار إليها هي مناطق صحراوية أو جبلية ليس بها أي نوع من الخدمات وبعيدة عن المناطق المأهولة بالسكان وخطرة بما يكفي لنقول إن الأمر مغامرة مجهولة العواقب، لذلك أغلب من جذبهم التعدين الأهلي هم الشباب والأطفال الحالمون بمستقبل أفضل، وتقول الإحصائيات الرسمية إن هناك أكثر من مليون سوداني يعملون في قطاع التعدين الأهلي الذي ينتج الجزء الأكبر من الذهب كما تقول الدولة رغم أن خسارته الاجتماعية أعظم بكثير.
الأسبوع الماضي لقي ستة معدنين مصرعهم إثر انهيار إحدى الآبار الكبيرة المتفرعة من الداخل بمنجم في شرق مدينة وادي حلفا وقيل أكثر، وجميعهم من قبيلة دار حامد أي أنهم أبناء أهل وربما من عائلة واحدة، فعادة ما يذهب الشباب إلى أماكن الذهب في شكل مجموعات من منطقة واحدة يتآذرون مع بعضهم، لذلك كلما وقعت حادثة يذكر أنهم من قبيلة واحدة أو منطقة واحدة، وهذه الفاجعة تتكررت كثيرا جدا وإن كان هناك إحصائية لعرفنا حجم المأساة وكم يخسر السودان من الشباب الأصحاء الأقوياء الأذكياء فهم كالمتسجير من الرمضاء بالنار.
في ظل النظام المخلوع تحدثنا كثيرا جدا عن مخاطر التعدين الأهلي وطالبناه بإيجاد حل يحفظ حياة المواطنين ولكن لا حياة لمن تنادي، فهو نظام لا يعطي الإنسان قيمة وليس لديه مانع من أن يشتغل الجميع في التعدين الأهلي رغم مخاطره، وما له من أثر اقتصادي واجتماعي، فالدولة تخسر موردا بشريا مهما جدا إما بالموت أو بالإصابة بالأمراض الخطرة أو بلدغات الحشرات والثعابين والعقارب أو بالتعرض للمواد السامة، كما أنه يبعد الشباب عن التعليم ويبعد المتعلمين منهم عن العمل في تخصصاتهم، كما أنه يعطل عقول الشباب ويبعدهم عن التفكير في تأسيس مشاريع منتجة تضمن لهم مستقبلا أفضل في صناعة المال، وبما أنه عمل يجمع الكثير من الناس في بيئة قاسية فإن ذلك يؤدي الى انتشار ظواهر سالبة بعضها في منتهى الخطورة، بالإضافة الى الأثر البيئي الأكثر خطورة، وعليه إذا كانت الحكومة حريصة على الدولة لما سمحت أبدا بالتعدين الأهلي.
عموما النظام المخلوع عهدناه نظاما لا يحترم قيمة الإنسان ولذلك لا يتحمل مسؤولية حياة المواطنين أبداً حتى وهم يلقون بأنفسهم الى التهلكة بحثا عن الحياة الكريمة التي حرمهم منها، والآن يجب أن يتغير الأمر تماما وعلى الحكومة الانتقالية أن تتحمل المسؤولية وتضع حدا لهذا الهلاك الذي يحدث تحت سمعها وبصرها، وإلا فإنها ستكون ليست بأفضل من النظام المخلوع.
لابد من إيجاد حل لمشكلة التعدين الأهلي ويجب أن تتدخل الدولة وتسيطر على الأمر بالكامل لتعمل على تطويره واستيعاب المواطنين بأجور جيدة، كما يجب وقف الشركات الخاصة التي تستغل المواطنين والبيئة دون مسؤولية، وعليها أيضا خلق مشاريع بديلة تستوعب الشباب والأطفال حتى تقفل الباب الذي يقودهم الى هذه المغامرة.
جريدة الديمقراطي