كشف عضو مجلس السيادة السابق محمد حسن التعايشي ملابسات ماقبل إنقلاب 25 أكتوبر، وقطع ان بعض قادة الحركات المسلحة كانوا على علم به، ونفي في الوقت ذاته علمه بأن هناك إنقلاب يخطط له حينها، (الجريدة) جلست إليه في حوار الأسرار وخرجت منه بالحصيلة التالية وإلى مضابط الحوار :
*كيف تقرأ المشهد السياسي؟
– الانقلابيون وأزيالهم لم ينجح أحد، و بعضهم إن لم يكن جميعهم في حالة من الندم المرير جرَّاء الأخطاء غير الضرورية والحماقات التي قاموا بارتكابها ،التجربة رغم قساوتها وكلفتها المدمرة الا انها أكدت مجددًا ولابد من التأسيس لفترة انتقالية تتعلم من الماضي.
* كيف يمكن الخروج من الأزمة الراهنة؟
– دستور نقابة المحامين تضمن قواعد جوهرية تسمح فعلاً بتأسيس فترة انتقالية بقيادة مدنية ويحتفظ فيها الجيش بمهمته التقليدية وفق اتفاق لكنه بحاجة إلى اتفاق سياسي يحظى بأكبر دعم ممكن مثلما تحظى العملية السياسية بدعم خارجي جيد، وهناك خلاف عميق وسط قادة المكون العسكري، ذلك قطعاً ليس بالأمر الجيد ويؤكد بوضوح ما ذهبنا إليه منذ إندلاع الأزمة في سبتمبر من العام الماضي.
* من المسؤول عن الوضع الراهن؟
– قادة المكون العسكري الذين دفعوا بأنفسهم إلى هذه المغامرة يتحملون المسؤولية،و قادة بعض الحركات المسلحة الذين ساندوهم وهم من يتحملون المسؤولية السياسية والأخلاقية ايضاً،ولا نبرئ أنفسنا من أخطاء التجربة السابقة ولكن مهما كانت الأخطاء لن تبرر ارتكاب الخطيئة أبداً.
* قبل اجراءات البرهان لم يكن لكم أي علم بأن هنالك خطوات كانت سوف تحدث من قبل المكون العسكري؟
– لا أدري عن الآخرين و ليس لدي علم مطلقا، لأن المنطق يقول ان من يجب ان يحتج على الشراكة هم المدنيين وليسو العساكر، يمكنك ان تتوقع كل شيء إلا الحماقة وتغليب المصالح الذاتية، وعندما بدأت تتكشف بوادر الأزمة سعيت بصدق ان التقي برئيس مجلس السياده يوم ٢٦ سبتمبر بعد يوم من وصولي من سفرية خاصة إلى بريطانيا كنت قد قطعتها ولكنه لم يتحمس للقاء فلم نلتقي او نتكلم أبداً. وبذات القدر سعيت للقاء نائب رئيس المجلس مرتين الأولى في ٢٧ سبتمبر والثانية في ١٠ أكتوبر و لم نلتقي في المحاولتين لعدم استعداده أيضًا.
* دعنا نعود للوراء قليلاً هل التشاكس الذي حدث بين المكونين المدني والعسكري وقتها هو الذي تسبب في هذه الاوضاع؟
– المتحجج لن يعدم الحيلة، فعلاً تعمد العسكريون تضخيم تلك المساجلات وحاولوا تجييرها من تباينات طبيعية موضوعية بين شركاء وتصويرها كهجوم على الجيش وقضية إقحام الدين، او الجيش او الوطنية في الخلاف السياسي هو أمر قديم، كنت أتمنى لو اننا أبرزنا مقدراتنا مستوعبين لحجم المخاطر التي تحيط بالانتقال والخيارات الكارثية التي أمامنا بالإضافة إلى تقاطع المصالح الاقليمية وأدرنا تلك الأزمة، ولكن كما قلت فإن العسكريين قرروا الحماقة والآن هم والوطن والشعب السوداني يدفع ثمناً باهظاً.
*كيف تنظر لحديث العسكر بالخروج من العملية السياسية؟
– مهما كان حجم الخلاف السياسي فإن استدراك البرهان و حميدتي لأهمية وقبول خروج الجيش من السياسة أمر جيد وأعلن دعمي له، لكن تدخل الجيش بالسياسة في السودان أمر قديم ومعقد وأدى إلى تشوهات كبيرة ،و قضايا مثل قومية ومهنية واستقلالية المؤسسة العسكرية يجب الاعتراف بها والاتفاق حول كيفية وطريقة إجراءات بناءها.
* ماهي الاخطاء التي حدثت خلال الفترة الانتقالية برأيك؟
– لاتوجد تجربة بلا أخطاء، لكن الحكمة تكمن في الاعتراف بها والاعتذار عنها ، ويجب أن نعترف مبدئياً بأن عدم التوصل الى اتفاق سياسي حول قضايا الحرب والسلام مع القوى الثورية المسلحة قبل سقوط المخلوع كان خطأ خاصةً وان الثورة لم تكن عملاً مفاجئاً وفي تقديري هو تكرار مؤسف لتجربة الثورتين السابقتين، كذلك تأخير تكوين المجلس التشريعي الانتقالي، وتأخير الأجهزة العدلية والقانونية، وعدم تسليم المطلوبين إلى المحكمة الجنائية وتأخير قيام مؤتمر نظام الحكم والإدارة وعدم إنشاء المفوضيات المستقلة، لا سيما مفوضية العدالة الانتقالية ومفوضية إصلاح الخدمة المدنية، وضعف التواصل مع قطاعات الشعب المختلفة في الريف، وهذه أخطاء نتحملها بشجاعة، وتقديراتنا بإلتزام المكون العسكري بالشراكة كانت خطأ ساذج”.
*ملفات كثيرة كانت عالقة خلال الانتقال ولم يتم انجازها من ضمنها تحقيق العدالة وملف الشهداء لماذا لم يتحقق ذلك؟
– أكبر المشكلات هي إعلام الحكومة وقتها، والمشكلات الادارية، ثم طبيعة القضايا محل التحقيق وتداخل كل ذلك مع الخلاف السياسي وسط قوى الثورة من ناحية موضوعيه،و من ناحية أخرى لم تكن هناك رؤية كلية لمسألة العدالة التاريخية وإكمال مؤسسات العدالة الانتقالية،و أعتقد ان جريمة مجزرة القيادة العامة هي القشة التي قصمت ظهر الفترة الانتقالية وأدخلتنا في هواجس الخوف وعدم الثقة،دائمًا قضايا العدالة ذات حساسية وتعقيد و تظل العدالة محل جدل.
* مسألة الشراكة بين العسكر والمدنيين هل كانت موفقة؟
– الشراكة خطأ جاء نتيجة لفشل قوى الثورة في تحضير البديل من طرفي الثورة المدنية والمسلحة، اعتقد اذا كان البديل جاهز بما في ذلك الحكومة الانتقاليه ليتم إعلانها وفرضها من قوى الثورة من أمام القيادة العامة، و استغل العسكر تلك الثغرة ومن ثم الدخول فيما عرف بالشراكة ومع ذلك فإن النموذج السوداني كان يمكن له ان ينجح لو وجد قيادة حقيقية ، والشراكة “ماتت وشبعت موت” بقرار أحمق من الشريك العسكري بإنقضاضه عليها، والدستور المقبل يجب أن لا ينبني على شراكة بل على تعريف علاقة الجيش بالسياسة وشؤون الحكم.
* كثيرون كانوا يقولون بأن المكون المدني يومها لم يكن مسيطراً على زمام الأمور الأمر الذي تسبب في هذه الضجة.. تعليقك؟
– كلمة المكون المدني مقولة ضعيفة مخادعة وماكرة استخدمها الفلول وبعض أجهزة المخابرات الإقليمية بذكاء تبعها للأسف عدد كبير من الناس ثم استغلها العسكر والفلول وآخرون، والتاريخ كرر نفسه فهي ذات الحملة والطريقة التي قادها الاسلاميون ومخابرات اقليمية معلومة لتشويه صورة الديمقراطية الثالثة، ثم انقض عليها العسكر وما ترتب على ذلك من كوارث لا أول لها ولا آخر، و هنالك خلل في الاعلام ادى إلى اختراق الفضاء الاسفيري الوطني.
* برأيك ماهي الأسباب التي أدت لبقاء الانقلاب كل هذا الوقت؟
– انجازات الانتقالية انهارت وحياة ومعاش الناس اصبحت جحيم يهددها الجوع والخوف، لم تستطع المجموعة تشكيل حتى حكومة تسيير اعمال و لم تحافظ حتى على وحدتهم كانقلابيين، لا توجد سلطة هناك فراغ إداري وسياسي ،الانقلاب عملياً إنتهى المطلوب الاتفاق على بديل يقود الانتقال ويتعلم من أخطاء الماضي.
*هل يستطيع المدنيون ان يحققوا التوافق من أجل تسلم السلطة؟
– ليس بالامر السهل وليس بالمستحيل والسودانيين سيمنحون الأطراف فرصة أخرى إذا كان هناك توجه صادق وأمين لبناء بديل مدني انتقالي.
*ما الذي سيحدث حال استمر الوضع الحالي؟
– الانقلاب وضع البلاد في تبعية إقليمية مهددة لمصالحها ، وضع اقتصادي افرز معدلات الجوع، وانتشر خطاب الكراهية ثم الحزازات الشديدة وسط المكونات العسكرية ،وهي اعراض لانهيار الدولة، و ليس هناك امكانيى للتعايش مع هذا الوضع ويجب انهاء الانقلاب.
* ماهو الطريق الأفضل للاطاحة بالانقلاب؟
– السودانيون لديهم إرث طويل من المقاومة يمكن استخدامه ولكن السؤال ماذا نريد؟ يجب انهاء الانقلاب وبناء بديل يحقق أكبر قدر ممكن من التوافق لتشكيل حكومة بقياده مدنية.
* كيف تنظر للمبادرات السياسية المطروحة؟
– محاولة لاغراق الساحة لمزيد من الانقسام والتسلل من الفلول، وادعم جهود الرباعية لتعزيز فرص نجاح الآلية الدولية والاقليمية بقيادة فولكر.
*قوى الكفاح المسلح بررت موقفها بالتمسك باجراءات 25 اكتوبر من أجل الحفاظ على اتفاق جوبا ما تعليقك؟
– بعض قادة الحركات كانوا على علم بل جزء من التخطيط لانقلاب ٢٥ اكتوبر، تلك مواقف تتناقض مع نصوص الاتفاق الذي وقعوا عليه أمام الجميع وتتناقض مع نضالاتهم الطويلة، والتي ضحى من أجلها الآلاف من الشباب ،و تلك خطيئة سجلها التأريخ، كما انه هناك قيادات أخرى تصالحت مع الانقلاب بدعوى الحفاظ على الاتفاق وعدم العودة الى الحرب وهذا ليس صحيحًا ان هناك خيارين فقط للتعامل مع الانقلاب، الحقيقة ان الخيار الثالث وهو خيار رفع اتفاق السلام في وجه الانقلاب كان هو ما سيقود إلى هزيمة الانقلاب في أيامه الاولى، شخصي ووزير العدل السابق نصرالدين عبدالباري، وأديب يوسف والي وسط دارفور قدمنا رؤية يوم ٢٧ أكتوبر للموقف الصحيح في التعامل مع الانقلاب، ولا زلت عند موقفي بأن تلك الرؤية اذا ما سار عليها قادة الحركات المسلحة سوف تغير مجرى الانقلاب، والاتفاقية صممت لتسير مع الانتقال الديمقراطي ،هذه هي الاتفاقية التي فاوضت شخصيًا من أجلها وشهد عليها العالم وأشهد عليها الآن، ولم نتفاوض من اجل اتفاق سلام يعيش في جلباب الانقلابات العسكرية.
* اذا كان قد استمر الوضع قبل 25 أكتوبر هل كان يمكن نحقق الكثير من الانجازات في عدد من الملفات ؟
– وفرت الحكومة وقتها المطلوبات الضرورية وان الطائرة كانت في وضع الاستعداد للانطلاق ،وهناك أعداء لن يتركوا البلاد تنهض.
* التعايشي انت لعبت دوراً كبيراً في ملف السلام لكن في الفترة الاخيرة كثرت المطالبات بتعديله وأصوات تطالب بالغائه وغيرها من الأمور كيف تنظر لذلك وهل هناك اخطاء في الاتفاق؟
– الاتفاقية نفسها في المادة (٣) و (١٦) من الأحكام القانونية أوضحت امكانية التعديل وكيفية التعديل هذا من ناحية عامة. لقد تناقشت مع الكثيرين، و ان معظم الذين يطالبون بتعديل او الغاء الاتفاقية يقولون ذلك كرد فعل مفهوم من موقف قادة بعض الحركات من الانقلاب، او ممارسات شائهة وقبيحة تنسب بشكل خاطئ للاتفاقية حتى ان الكثيرين سخروا منه، وجزء كبير غير مطلع عليه ،وقضايا الحرب والسلام و الظلم التاريخي هي قضايا جادة وحقيقية يجب التعامل معها بصدق وامانة وبعيداً عن التحريض، وموقف قادة بعض الحركات من الانقلاب خطيئة.
* لكن حتى اللحظة لم يتم تنفيذ عدد من الملفات باتفاق السلام؟
– اتفاق جوبا صمم ليمثل علاقة بين السلام والديمقراطية، وهو خلاصة تجارب طويلة عن استحالة تحقيق السلام في ظل نظم شمولية، وهو عالج تماماً قضايا الحروب.
* هل يستطيع العسكر تنفيذ اتفاق السلام خاصة وأن قوى الكفاح المسلح يبدو انها متمسكة بوجودهم كيف تنظر لذلك؟
– الصيغة المثلى خروج العسكر من السياسة بسبب حديثهم عن ذلك، ويكون وفق اتفاق واضح يحدد الاجراءات الانتقالية لتحقيق ذلك بما فيها كيفية بناء جيش وطني قومي مهني واحد، وسبق و خروج العسكر من السياسة يجب ان يتم وفق اتفاق وليس مجرد اعلان من طرف واحد.
* كيف تنظر لمواثيق سلطة الشعب التي طرحتها لجان المقاومة؟
– نظرت إلى المواثيق رغم بعض الاختلافات فيها وهي معظمها اختلافات في آليات اسقاط الانقلاب او شكل مؤسسات الانتقال ودور العسكر والأحزاب أثناء الانتقال والموقف من اتفاق السلام ويمكن معالجتها.
* عودة حمدوك مجدداً هل واردة وهل يمكن ان تضيف شيئاً للمشهد السياسي؟
– حمدوك رجل وطني، نزيه وزاهد حاول أن يعمل مع الكل لأهداف سامية، وفي سبيل ذلك عمل كل ما في وسعه لجمع شتات الفترة الانتقالية وإرضاء ما يمكن إرضاءه فلم يرضى عنه الا القليل من النبل والأمانة والشجاعة ان نتحمل جميعاً مسؤولية أخطاء الفترة الانتقالية دون انتقاء، يجب ان نعمل لإعادة المسار الديمقراطي وهزيمة الانقلاب، وحتى حمدوك لا يستطيع ان يجيب على هكذا سؤال لأنه سابق لأوانه.
* حمدوك نفسه كان قد طرح مبادرة لكن هناك أصوات كانت ترى انها مدخل لعودة الفلول هل اذا كان التمسك بتلك المبادرة يومها لكان الحال أفضل؟
– الفلول استفادوا من الفراغ بعد رفض اتفاق ٢١ واستقالة حمدوك، وعلى الرغم من ان الاتفاق نفسه تضمن معظم ما ستنتهي إليه أي تسوية قريبة، ولكنه حدث بناءً على فرضيتين، شخصيًا وجدت استحالة في أن اتصالح معهما الأولى استحالة العودة إلى ما قبل 25 أكتوبر ما يعني ضمنياً التسليم بالانقلاب، والثانية حتمية الشراكة مع العسكر هذا دون ان تتاح فرصة لحمدوك ان يجري بعض المشاورات الضرورية، سعيت وقتها بكل ما أملك للالتقاء به وتم منعي وأنا متأسف لم أتحدث معه قبل التوقيع، واتفاق ٢١ نوفمبر وقعه حمدوك لدوافع وطنية ولكنه أخطأ واذا أعيدت عقارب الساعة إلى الوراء فانه لن يوقع عليه، فالشراكة مع العسكر غير مجدية.
المصدر: الراكوبة