التضامن الهندي مع إسرائيل: أبعاد سياسية وأيديولوجية
في الآونة الأخيرة، شهدت بعض المدن الهندية مظاهرات تأييدية لدولة إسرائيل، وهو ما أثار تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التأييد، خاصة أن الهند تمتلك تاريخا طويلا من التضامن مع القضية الفلسطينية. لتفسير هذا التحول في المواقف، ينبغي تناول مجموعة من العوامل السياسية والأيديولوجية والإعلامية التي تلعب دورا رئيسيا في تشكيل هذا التوجه.
أولا، العلاقات بين الهند وإسرائيل شهدت تقاربا كبيرا منذ تسعينيات القرن الماضي، بعد أن انفتحت الهند على الأسواق العالمية وتبنت سياسة اقتصادية جديدة. هذا التقارب، الذي تعزز في مجالات الدفاع والتكنولوجيا، جعل بعض القوى السياسية الهندية، وعلى رأسها حزب “بهاراتيا جاناتا” الحاكم، تسعى إلى تعزيز العلاقات مع إسرائيل. هذا التوجه يأتي على حساب المشاعر الشعبية المتعاطفة مع الفلسطينيين، حيث باتت العلاقات الهندية الإسرائيلية محورا استراتيجيا لا يمكن إغفاله.
ثانيا، يمكن تفسير هذا التأييد من منظور أيديولوجي. الحزب الحاكم في الهند يعتمد على أيديولوجيا قومية هندوسية ترى نفسها في مواجهة تهديدات من “الإسلام” سواء داخل الهند أو خارجها. لذا، ينظر بعض الهنود إلى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أنه صدام حضارات بين “الإسلام” و”الآخر”، ويعتبرون إسرائيل قوة تقف في وجه الحركات الإسلامية مثل حماس. ولكن هذا التحليل السطحي يغفل حقيقة أن الصراع في جوهره هو صراع سياسي يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وليس مجرد صراع ديني.
ثالثا، يلعب الإعلام دورا كبيرا في تشكيل هذه النظرة. الإعلام الهندي، في معظمه، يتبنى روايات تدعم إسرائيل وتصور الفلسطينيين كمصدر رئيسي للعنف في الصراعات المسلحة. يتم تجاهل القمع المستمر الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يشوه الصورة الحقيقية للصراع في أذهان الجماهير.
من الناحية النقدية، هذا الموقف يطرح عدة إشكاليات. أولا، يتجاهل مؤيدو إسرائيل في الهند معاناة الفلسطينيين وتاريخ نضالهم الطويل من أجل حقوقهم المشروعة. التضامن مع قوة احتلال يعني بالضرورة دعم انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي. ثانيا، يظهر في هذا السياق ازدواجية معايير واضحة؛ فالهند التي تدين التمييز والعنصرية داخل حدودها، تتغاضى عن السياسات الإسرائيلية التي تعتمد على التمييز والفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
في الختام، يجب على الهند، التي طالما كانت نصيرا لقضايا التحرر الوطني، أن تعيد النظر في موقفها الشعبي الرسمي تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. الموقف السليم يتطلب الوقوف مع حقوق الإنسان والقانون الدولي، بعيدا عن المصالح السياسية الضيقة أو الأيديولوجيات المشوهة.
احمد هيثم