أعلنت وزارة الخارجية السودانية الثلاثاء أن وفدها الذي شارك في قمة الهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) اعترض على فقرات في مسودة البيان الختامي بسبب عدم مناقشتها والاتفاق عليها، وفي مقدمتها رفض تغيير رئاسة لجنة إيغاد وحذف أي إشارة تُخرج موضوع الوساطة من البيت الأفريقي.
وينطوي الاعتراض على رفض رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان منح فرصة حقيقية للمبادرة والسعي لنسفها مبكرا والتشكيك في جدواها السياسية، بما يدفعه لاحقا إلى إبداء مرونة كبيرة في ما تطرحه الوساطة السعودية – الأميركية.
وجاء الاعتراض السوداني بعد أن قدمت إيغاد، خلال قمة عقدت في جيبوتي الاثنين، مبادرة تضمنت عقد لقاء مباشر بين الجنرال البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتطرقت إلى تداعيات الحرب المستمرة بينهما منذ منتصف أبريل الماضي على القارة الأفريقية.
وأكد مسؤول سوداني، رفض ذكر اسمه، في تصريح أدلى به الثلاثاء أن البرهان لن يلتقي خصمه حميدتي “في ظل الظروف الراهنة”.
وأعلنت إيغاد تشكيل لجنة رباعية برئاسة كينيا وجنوب السودان، وعضوية كل من إثيوبيا والصومال، لحل الأزمة في السودان بعدما كان الاتحاد الأفريقي وإيغاد اقترحا إجراء مفاوضات بوساطة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت.
وأكد رئيس كينيا وليام روتو أن إيغاد تلتزم بتنظيم لقاء بين البرهان وحميدتي وجها لوجه، والشروع خلال ثلاثة أسابيع في إدارة حوار بين قوى مدنية لبحث الأزمة.
وأوضح الرئيس الكيني في تصريحات له على هامش القمة أن المبادرة المقترحة تشمل بحث مسألة فتح ممرات إنسانية مع طرفي النزاع، ولقاء بين البرهان وقادة جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا وجيبوتي، على أن تبدأ لجنة الحوار الوطني عملها من أجل فسح المجال أمام القوى المدنية في السودان لمناقشة القضايا العالقة.
وجاءت الخطوة الأفريقية من قبل إيغاد التي تتخذ من جيبوتي مقرا لها عقب تعثر الوساطة السعودية – الأميركية في التوصل إلى اتفاق تهدئة يقاوم التحديات ويقود إلى وقف دائم لإطلاق النار في السودان من خلال محادثات جرت في جدة وبدأت منذ أكثر من شهر بين وفدي الجيش وقوات الدعم السريع.
وضرب موقف الخارجية السودانية المبادرة الجديدة في مقتل، لأنه أشّر على رغبة البرهان في إبعاد كينيا عن رئاسة اللجنة لصالح رئيس جنوب السودان سلفاكير.
ويبدو أن الهدف الرئيسي من الرفض هو إبعاد الحل السياسي وعدم إشراك القوى المدنية في تسوية الصراع الدائر حاليًا والشكّ في إمكانية انحيازها لغريمه حميدتي.
وقلل متابعون من قدرة مبادرة إيغاد على تحقيق تقدم ملموس، خاصة أنها جاءت بعد إعلان الاتحاد الأفريقي خارطة طريق لحل الأزمة قبل أن تظهر نتائج لها.
وتشير جهود إيغاد إلى عدم توقف التحركات الأفريقية لإنهاء الحرب وبقاء الضغط مستمرا على الطرفين المتصارعين أملا في البحث عن فرصة لوقف إطلاق النار واستئناف العملية السياسية برعاية أفريقية.
ولم تطرح إيغاد رؤية واضحة بشأن مسارات الحل السياسي بعد ترتيب اللقاء المزمع بين البرهان وحميدتي، ولم تشر إلى مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش أو وضعية العلاقة بين الجيوش العديدة في السودان، وما إذا كان هدفها العودة إلى الاتفاق الإطاري ورحلة ما قبل اندلاع الحرب أم أنها بنت تحركها على عملية سياسية جديدة؟
وقال المحلل السياسي السوداني محمد تورشين إن إيغاد وظفت تراجع مسار الوساطة السعودية – الأميركية للدخول بشكل فاعل على خط الأزمة بهدف إحداث اختراق يوقف تداعيات الصراع على دول الجوار الأفريقي.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن “بنود الوساطة المعلنة إيجابية ومهمة، لكن الأزمة تتمثل في أن الهيئة الأفريقية تفتقر إلى الأدوات المناسبة لفرض حل على طرفي الصراع”.
ولئن كانت الولايات المتحدة والسعودية أخفقتا في الضغط على الطرفين لوقف إطلاق النار وإجبارهما على تنفيذ الالتزام بما جرى التوصل إليه من هدنات، فإن أي ضغوط أفريقية لن تحقق اختراقًا إيجابيًا على الأرض.
وأوضح محمد تورشين لـ”العرب” أن “التركيز على عقد حوار بين البرهان وحميدتي قد يسهم في إرجاء التسوية السياسية الشاملة، لأن كليهما لديه أهداف لن يتنازل عنها بسهولة”، مشيرا إلى أن مبادرة إيغاد لم تتطرق إلى أزمة تعدد الجيوش في السودان.
ويعني تغافلها عن هذه المسألة عدم وجود ممانعة في استمرارها، ما يهدد باندلاع نزاعات مماثلة أكثر حدة من أي وقت مضى، كما أن الحديث عن إجراء حوار وطني بمشاركة قوى مدنية لن يحظى بموافقة البرهان الذي يرفض أي حضور لها.
ودعا يوسف عزت، المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع، إلى “توحيد جميع المبادرات الإقليمية والدولية تحت لواء المبادرة السعودية – الأميركية لإنهاء الحرب وحل المشكلة السودانية”.
وترمي التحركات الأفريقية إلى الإيحاء بعدم الاستسلام لاستمرار الحرب، والخروج من مأزق التجاذبات بين الجيش ورئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس الذي يقيم في نيروبي حاليا بعد أن رفضت الخارجية السودانية بقاءه على رأس البعثة.
ويتشارك الاتحاد الأفريقي وإيغاد في الآلية الثلاثية التي تضم معهما البعثة الأممية ولعبت دورا رئيسيا في التوصل إلى الاتفاق الإطاري الذي نص على تسليم السلطة من الجيش إلى حكومة مدنية.
واتهم البرهان قبل نهاية مايو الماضي فولكر بيرتس بـ”الإسهام في تأجيج النزاع الدامي” وطالب بإقالته، الأمر الذي رفضه سكرتير عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وجرى تمديد مهمته حتى نهاية العام الجاري.
وتسير دول الجوار الأفريقية على طريق من الأشواك بغية تقليل آثار الصراع السلبية وتداعياته عليها، حيث تدرك أن استمراره سيلحق بها أذى شديدا.
وحذر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي أثناء افتتاح قمة إيغاد من أنه إذا لم يتوقف القتال فورا “ستحدث حرب أهلية في السودان، وأن الأوضاع التي تزداد ترديا في السودان سوف تصل إلى حد تهديد المنطقة بأكملها”، واعتبر أن الأزمة الراهنة تمثل تهديدا كبيرا لوجود السودان، واصفا إياها بـ”عملية دمار ذاتي”.
ويرى متابعون أن مبادرة إيغاد لئن تسببت في خلط جزئي للأوراق داخل السودان وخارجه فإنها قد تضخ دماء جديدة في الوساطة السعودية – الأميركية وتمنحها قوة دفع سياسية لقبول ما تطرحه من حلول توفيقية من قبل البرهان، بعد مرونة معلنة من جانب حميدتي، وقد يجد قائد الجيش نارها أفضل من جنة إيغاد.
المصدر: صحيفة العرب