جدّد رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان الثلاثاء تلويحه بخيار الحسم العسكري في مواجهة قوات الدعم السريع، في وقت يقول فيه مراقبون إن البرهان لو كان يقدر على الحسم العسكري ما تأخر عن ذلك منذ أشهر، وإنه يريد أن يخوض الحرب إلى آخر جندي من أجل بقائه في السلطة دون اعتبار لحجم الخسائر في الجيش.
ويتزامن هذا التهديد مع انتكاسة كبيرة للجيش السوداني أمام قوات الدعم السريع التي راكمت الكثير من المكاسب الميدانية في أكثر من واقعة عسكرية، ما يظهر أن كلام البرهان عن الحسم العسكري كلام دعائي خاصة أن قائد الجيش السوداني عاجز عن العودة إلى الخرطوم المقر الرسمي لأيّ سلطة في السودان.
وقال البرهان إن قوات الدعم السريع “إذا رفضت السلام فلا حل سوى الحسم العسكري”.
جاء ذلك خلال مخاطبة البرهان ضباطا وجنودا بمنطقة وادي سيدنا العسكرية بأم درمان غربي العاصمة الخرطوم، وفق بيان صادر عن الجيش السوداني.
وتعد هذه الزيارة الثانية للبرهان إلى منطقة وادي سيدنا قادما من بورتسودان (شرق)، بعد أول زيارة أجراها في 24 أغسطس الماضي إثر خروجه من مجمع قيادة الجيش في الخرطوم لأول مرة منذ بدء الحرب مع قوات الدعم السريع في 15 أبريل الماضي.
وحققت قوات الدعم السريع المزيد من المكاسب الميدانية خلال الأيام الماضية بسيطرتها على مطار بليلة غربي العاصمة، والذي كان الجيش قد حوّله إلى مطار حربي في الصراع المستمرّ منذ أبريل الماضي، بعد أن كان مخصصا لخدمة شركات النفط.
وجاء التقدم بعد أيام قليلة من سيطرة قوات الدعم السريع على نيالا، ثاني أكبر مدن السودان من حيث الكثافة السكانية، ليزيد ذلك من إحراج موقف الجيش في المفاوضات الجارية في جدة منذ الأحد.
ويشكل التقدم الذي تحرزه قوات الدعم السريع على أكثر من جبهة ومنطقة إستراتيجية عنصر ضغط إضافيا على قيادة الجيش. لكن بدلا من الاستمرار في مسار السلام وتقديم التنازلات الضرورية لإنجاحه، فإن البرهان يسير في اتجاه عكسي تماما بالرهان على الحسم العسكري، وهو خيار قد ينتهي به إلى هزيمة مدوية، خاصة في ظل تراجع إمكانيات الجيش وقدراته وعجزه عن الصمود بوجه قوات الدعم السريع.
ولا يستبعد المراقبون أن تضطر سياسة الهروب إلى الأمام التي يسلكها البرهان قيادات داخل الجيش أو فصائل إلى التحرك لوقف هذه المغامرة ومنع خسائر جديدة للمؤسسة العسكرية.
المكاسب الميدانية المتزايدة لقوات الدعم السريع تظهر أن كلام البرهان عن الحسم العسكري كلام دعائي
وقالت قوات الدعم السريع الاثنين إنها انتزعت من الجيش السيطرة على مطار بليلة في ولاية غرب كردفان، وقال عمال في حقل نفط إنه تم إجلاؤهم بسبب الهجوم.
وتقع منطقة بليلة على بعد 55 كيلومترا جنوب غرب الفولة عاصمة ولاية غرب كردفان، ويوجد في المنطقة حقل نفط ينتج ما بين 10 و12 ألف برميل يوميا تمثل معظم إنتاج السودان النفطي الشحيح والمتضائل. ومنذ أن غادر الخرطوم يسعى البرهان إلى الإيحاء بأنه ما يزال مسيطرا على الوضع من خلال القيام بزيارات ميدانية لبعض المواقع أو من خلال الزيارات الخارجية.
وبعد الزيارة الأولى إلى المنطقة العسكرية بأم درمان، قام البرهان بجولات خارجية شملت عددا من الدول بينها تركيا ومصر وقطر، وشارك في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في سبتمبر الماضي.
وأفاد البيان بأن البرهان “أكد استمرار القوات المسلحة في معركة الكرامة حتى دحر التمرد (الدعم السريع)”.
وأشار رئيس مجلس السيادة السوداني إلى أن “القوات المسلحة ذهبت إلى منبر جدة بالسعودية وفق ما اتفق عليه سابقا بخروج التمرد من أحياء المدنيين والمرافق الحكومية والخدمية والشوارع”.
وأردف “إذا رفض التمرد السلام والمضي في الحلول السلمية فلا حل سوى الحسم العسكري”.
ومنذ منتصف أبريل الماضي، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع حربا خلَّفت أكثر من 5 آلاف قتيل، فضلا عمّا يزيد على 5 ملايين نازح ولاجئ داخل البلاد وخارجها، وفق الأمم المتحدة.
وستلقي التطورات الميدانية بظلالها على محادثات جدة، لأن قوات الدعم السريع تدخلها ومعها مكاسب عسكرية غنمتها أخيرا، ما يمكّنها من إسماع الطرف الآخر كلمتها السياسية خلال المفاوضات، أو على الأقل عدم الرضوخ لمطالب الجيش، وإظهار ممانعة شديدة تجاه الضغوط التي قد تمارس عليها.
والأحد، أعلنت السعودية استئناف المحادثات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مدينة جدة، برعاية الرياض وواشنطن.
وحثت السعودية كلا من الجيش والدعم السريع على وقف القتال واستئناف ما تم الاتفاق عليه في إعلان جدة و”الالتزام بحماية المدنيين في السودان”.
وقالت وزارة الخارجية السعودية إن المملكة “تؤكد حرصها على وحدة الصف وأهمية تغليب الحكمة ووقف الصراع لحقن الدماء ورفع المعاناة عن الشعب السوداني”، وتأمل “التوصل إلى اتفاق سياسي يتحقق بموجبه الأمن والاستقرار والازدهار للسودان وشعبه الشقيق”.
وكانت المفاوضات السابقة بين ممثلي الجيش وقوات الدعم السريع في جدة أسفرت في مايو الماضي عن أول اتفاق بينهما حمل اسم “إعلان جدة”، وشمل التزامات إنسانية وشروطا حاكمة تطبق فورًا.
وفي يونيو الماضي، أعلنت السعودية والولايات المتحدة، في بيان مشترك، تعليق محادثات جدة بين أطراف الصراع في السودان، نتيجة “الانتهاكات الجسيمة والمتكررة” لوقف إطلاق النار.
ومنذ منتصف أبريل الماضي، يخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع اشتباكات لم تفلح سلسلة هدنات في إيقافها، ما خلّف الآلاف من القتلى والملايين من النازحين واللاجئين، بحسب الأمم المتحدة.
المصدر: العرب