يتوقع صندوق النقد الدولي تراجع الناتج القومي في السودان بنسبة 18% في العام 2024، بينما يصف محللون اقتصاديون توقعات “النقد الدولي” بالمتفائلة، لجهة أن الناتج القومي خسر خلال العام 2023 ما لا يقل عن (30) مليار دولار من خلال المنشآت الصناعية المدمرة التي خرجت عن الخدمة، ونهب طال آلاف الشركات في العاصمة الخرطوم مركز الثقل الصناعي والخدمي.
وكان صندوق النقد الدولي حسب ما نقل مكتب الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة “أوتشا” الأحد الماضي، وضع مؤشرات وصفها بالسيئة حيال الاقتصاد في السودان خلال الحرب بين الجيش والدعم السريع، ومن بين ذلك قد يكون الناتج القومي في “مهب الريح” مع فقدان الدولة القدرات التشغيلية للصناعة وقطاع الخدمات، وقدر تراجع الناتج القومي بنسبة 18% هذا العام.
في العاصمة الخرطوم حيث يتكدس قطاع الخدمات والشركات والقدرات التشغيلية للصناعة وآلاف الشركات، اليوم بعد حرب تستمر منذ (10) أشهر لا يمكن مشاهدة سوى مقار صناعية وشركات منهوبة، وجنود ينتشرون في الشوارع ومنازل أغلبها خالية من السكان، حيث نزح ما لايقل عن أربعة ملايين شخص من ولاية الخرطوم.
يقول محمد فيصل الذي كان يستثمر في مجال قطع غيار السيارات جنوب العاصمة الخرطوم، حيث فقد جميع أعماله وتعرض مقره للنهب، يقول لـ”الترا سودان” إن الآلاف من أقرانه ممن يعملون في هذا القطاع اليوم باتوا بلا عمل، لا يمكن نقل الاستثمار فى استيراد قطع الغيار إلى الولايات، لم تعد التجارة في هذا القطاع محفزة وسوق السيارات تراجع كثيرًا خلال الحرب.
الخسائر المالية التي يقدرها فيصل من خلال تعرض أعماله للنهب، وخسارة مستودع لقطع غيار السيارات يقول إنها تصل إلى (150) ألف دولار دون إضافة الخسائر المتعلقة بتلف المبنى والأثاثات ومعينات التشغيل.
في قطاع الصناعات الغذائية والذي كان يتركز في الخرطوم بحري شمال العاصمة وجنوب الخرطوم، خرجت جميع المصانع في تلك المنطقة عن الخدمة، للحد الذي زاد نسبة الطلب إلى 100% على استيراد سلع غذائية، والتي لم تكن أولوية في الاستيراد قبل اندلاع الحرب. هذا الاتجاه الناتج عن خسائر فادحة في الصناعات الصغيرة وفقًا لمحللين اقتصاديين قد يسبب أيضًا عجزًا في الميزان التجاري هذا العام بشكل كبير، وينعكس على سعر الصرف بالتالي زيادة معاناة المواطنين عندما يحاولون شراء الغذاء والأدوية أو طلب الخدمات العامة مثل النقل.
انهيار وشيك
يقول الباحث الاقتصادي أحمد بن عمر لـ”الترا سودان” إن توقعات صندوق النقد الدولي بشأن تراجع الناتج القومي في السودان خلال هذا العام بنسبة 18% نسبة فيها قدر من التفاؤل المفرط من جانب صندوق النقد الدولي، لأن السودان خسر القدرات التشغيلية الصناعية، وخرجت نسبة كبيرة من قطاع الخدمات الذي كان متمركزًا في العاصمة الخرطوم.
وأضاف: “نحن نتحدث عن شبه خروج لسلاسل الإمداد بين موانئ بورتسودان والعاصمة الخرطوم قبل الحرب، والتي تقدر بمليارات الدولارات سنويًا لذلك قد يكون تراجع الناتج القومي في السودان هذا العام بنسبة تتجاوز الـ 45%.
والناتج القومي هو مجموع العمليات التجارية والأنشطة الصناعية وقطاع الخدمات التي تشمل جميع الاستثمارات في هذا الصدد، بما في ذلك القطاع الصحي والتعليمي الخاص والأسواق وجميعها اليوم متوقفة في العاصمة الخرطوم، وأربع مدن رئيسية في إقليم دارفور ومدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة.
كما يشمل الناتج القومي الشركات الحكومية،عمليات التنقيب عن الذهب، الموارد المعدنية، الخدمات البحرية، الطيران، والشركات العاملة في هذا القطاع إلى جانب قطاع الزراعة وقطاع المصارف والتحويلات النقدية والكهرباء.
ويضيف بن عمر: “قطاع الخدمات يشكل 40% من الناتج القومي، وقطاع الصناعة يشكل 21% مشيرًا إلى خروج هذين القطاعين من الخدمة، بالتالي فقد السودان الناتج القومي في هذين القطاعين”.
ولايظهر بن عمر تفاؤلًا حيال الاعتماد على القطاع الزراعي لإنعاش الناتج القومي السوداني، لأن سيطرة قوات الدعم السريع على أجزاء من ولاية الجزيرة عزل أكبر مشروع زراعي عن الموسم هذا العام وتوقف كليا.
باحث اقتصادي: الحكومة لن تجد مفرًا من الاعتماد على الضرائب المفروضة على السلع الواردة ورفع الدولار الجمركي وطباعة العملة، لتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع الناتج القومي وشلل القطاعات الحيوية منذ اندلاع الحرب
الفرصة الأخيرة
تتراوح القيمة الإجمالية سنويًا للناتج القومي السوداني ما بين(30) مليار دولار وأحيانا(40) مليار دولار، وقد يكون ثلثى هذه النسبة غير موجود حاليًا جراء الحرب التي اندلعت منذ منتصف نيسان/أبريل 2023.
ماهي البدائل المتوفرة لدى الحكومة القائمة في بورتسودان العاصمة الإدارية، طرح مراسل “الترا سودان” هذا السؤال على الباحث الاقتصادي محمد إبراهيم الذي لم يذهب بعيدا عن ما ذهب إليه بن عمر، متوقعًا حالة انكماشية غير مسبوقة للاقتصاد لدرجة التوقف نهائيًا ما لم تتوقف الحرب قبل ذلك.
ويرى إبراهيم في حديث لـ”الترا سودان” أن تراجع الناتج القومي ينعكس على تراجع الإيرادات الحكومية بنسبة لا تقل عن 60%، لأنها تعتمد على ضرائب القطاعات الصناعية والخدمية والتجارية في بناء الموازنة السنوية.
وقال إبراهيم إن متخذي القرار الاقتصادي لا يضعون في الاعتبار هذه الأسئلة، كيف سيتم الحفاظ على الوضع الاقتصادي المعرض للانهيار، خاصة مع حجب المجتمع الدولي تمويل السودان أو إقراضه للخروج من هذا المأزق.
ويقول إبراهيم إن الحكومة لن تجد مفرًا من الاعتماد على الضرائب المفروضة على السلع الواردة ورفع الدولار الجمركي وطباعة العملة، لتعويض الخسائر الناتجة عن تراجع الناتج القومي وشلل القطاعات الحيوية منذ اندلاع الحرب.
وأضاف: “في هذه الحالة الحكومة مثل رجل يطلق النار على قدميه، إلا إذا توقفت الحرب قبل منتصف هذا العام يمكن إجراء بعض المعالجات الإسعافية”.
المصدر: الترا سودان