هالة حمزة ــ الخرطوم
تصاعدت المخاوف في الأوساط الاقتصادية السودانية من عودة الحصار الاقتصادي وإلقاء البلاد في عزلة مالية مجدّدا، جراء الانقلاب العسكري الذي أضاف مزيداً من القتامة على المشهد الاقتصادي في السودان.
ويأتي ذلك على خلفية مواقف تصعيدية من المجتمع الدولي، بهدف الضغط على قيادات الانقلاب من أجل عودة الحكومة وإعادة المكوّن المدني للسلطة مرة أخرى.
وحسب مراقبين تحدثوا لـ”العربي الجديد”، فإن الأمر لن يتوقف عند فقد الخرطوم مساعدات خارجية عربية ودولية بمليارات الدولارات، ولكن من المرتقب عودة أزمة الديون الخارجية التي كانت تخفّفت منها كثيراً قبل الانقلاب وكانت في طريقها للحل، بالإضافة إلى المشاكل التي ستتعرض لها التجارة الخارجية والأسواق المحلية في حالة عودة شبح الحصار مرة أخرى.
الأمر لن يتوقف عند فقد الخرطوم مساعدات بمليارات الدولارات، لكن من المرتقب عودة أزمة الديون التي كانت تخفّفت منها كثيراً قبل الانقلاب وكانت في طريقها للحل
وأكدت الخارجية الأميركية، مؤخراً، أن إخفاق السودان في استعادة الحكومة المدنية، سيزيد من عزلته عن المجتمع الدولي.
وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، خلال موجز صحافي، إن “الإخفاق في استعادة الحكومة المدنية بالسودان سيزيد عزلتها”.
وأضاف أن “أكثر من 4 مليارات دولار من المساعدات من شركاء ومنظمات تمويل وعلى الأقل 19 ملياراً من إعفاءات ديون للسودان في خطر”. وجددت الخارجية الأميركية، الاثنين الماضي، تأكيداتها على العمل من أجل حل الأزمة السودانية.
شبح الحصار الاقتصادي
وكان السودان قد تعرّض لخسائر اقتصادية ومالية باهظة في فترات الحصار التي فرضها المجتمع الدولي وأميركا على النظام السابق بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير، الأمر الذي يخيف الأوساط الاقتصادية من عودة معاناة السودانيين المعيشية وتفاقم الأزمات الخانقة التي تحاصرهم في حال استمرار الاضطرابات السياسية وتوقف الدعم
وحذر عدد من الوزراء السابقين والمحللين الاقتصاديين من عودة السودان للحصار والعزلة الاقتصادية الدولية حال التباطؤ في حسم المشاكل السياسية.
وفي هذا السياق، قال عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير، كمال كرار، لـ”العربي الجديد”، إن التغيرات التي تحدث في المشهد السياسي حالياً في السودان ستؤثر سلباً على الاستثمارات الأجنبية الموجودة والمرتقبة، متوقعا عودة السودان للحصار الاقتصادي الدولي، وحدوث مقاطعة تتبناها كل من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حال حدوث تطورات سالبة في الأوضاع وعدم استجابة السلطة لمطالب المجتمع الدولي.
وأضاف كرار: “لن يتمكن السودان من الصمود أمام الحصار والعزلة بسبب هشاشة الاقتصاد الوطني واعتماده الكبير على عائدات التعدين”.
وأوضح أن المساعدات الخارجية التي تم تقديمها للسودان خلال العامين المنصرمين (1.8) مليار دولار، وكذلك التي ستقدم لاحقا سواء في شكل قروض أو منح ترتبط بمجموعة من الاتفاقيات والبروتوكولات مع الحكومة الانتقالية، جزء منها كان مخصصاً لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان وآخر لبرنامج الإصلاح الاقتصادي بالاتفاق مع صندوق النقد والبنك الدوليين ودول نادي باريس.
تبلغ ديون السودان نحو 60 مليار دولار؛ وفي 27 يونيو، انضمت الخرطوم إلى مبادرة صندوق النقد الدولي لتخفيف ديون الدول الفقيرة “هيبيك”، ما سمح بإعفاء البلاد من ديون بنحو 23.5 مليار دولار
وبحسب عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير: “أما الآن وبعد الانقلاب العسكري على الحكومة المدنية، فإن الدول الداعمة تعتبر الوضع الراهن في السودان غير قانوني، لافتا إلى تهديد البنك الدولي بإيقاف مساعدات بقيمة 700 مليون دولار للسودان، بما فيها برنامج الدعم النقدي المباشر للأسر (ثمرات)”.
وأشار إلى اقتداء دول نادي باريس وصندوق النقد الدولي ودول التعاون الثنائي العربية كالإمارات والسعودية والدول الأجنبية كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وغيرها، بموقف البنك الدولي، بإيقاف تعاونها الاقتصادي ومساعداتها وقروضها للحكومة بسبب عدم الاستقرار السياسي.
ضغوط على السلطة
وقال وزير الدولة الأسبق للمالية، عزالدين إبراهيم لـ”العربي الجديد” إن التهديد بإيقاف المساعدات الخارجية للسودان يعتبر نوعا من الضغط، لإجبار المكونين العسكري والمدني على التوصل لحلول جذرية للإشكالات السياسية التي تعطل تشكيل الحكومة المدنية المتفق عليها، متوقعا انتهاء هذه الضغوط حال توصل الأطراف المتصارعة إلى حلول مرضية للجميع.
توقعات أكثر غموضاً لمستقبل الاقتصاد السوداني
وانتقد إبراهيم ربط الحكومة مصير البلاد بالدول الغربية وسياساتها وإعاناتها، ما يفتح شهيتها للتدخل السياسي في شؤونها الداخلية. وأضاف وزير الدولة الأسبق للمالية، أن الأحداث السياسية الراهنة في السودان تؤثر بشكل كبير على تدفق المساعدات الاقتصادية وقد بدأت هذه التأثيرات فعليا، عقب أحداث 25 أكتوبر/تشرين الثاني، بإعلان البنك الدولي إيقاف تمويل مشاريع تنموية وعد بإنفاذها في السودان، لافتا إلى الأثر الفوري والمباشر لتوقف مساعدات صندوق النقد الدولي الاقتصادية، مقارنة بالبنك الدولي والذي تظهر أثرها السالبة على المدى الطويل.
ووقّعت الحكومة الانتقالية في السودان مع البنك الدولي في الرابع والعشرين من مارس/آذار الماضي، اتفاقا في الخرطوم قدم بموجبه البنك مبلغ 420 مليون دولار إضافية عبارة عن 210 ملايين دولار من منحة التخليص المسبق للمتأخرات المقدمة من المؤسسة الإنمائية الدولية، و210 ملايين دولار من مساهمات المانحين للمرحلة الثانية من برنامج دعم الأسر السودانية المتأثرة بالأزمة الاقتصادية التي يمر بها السودان والتي تفاقمت بسبب الإصلاحات الاقتصادية.
وقال إبراهيم إن إغلاق مناطق شرقي السودان أثر سلبا على الاقتصاد بتسببه في توقف التجارة الداخلية والخارجية والصادر والوارد، ما أدى إلى تراجع إيرادات الدولة، وخلل في ميزان المدفوعات، وزيادة أسعار السلع.
كما أدى إلى توقف المصانع وتراجع الاستثمار، فضلا عن التأثير سلبا على الموازنة العامة بحدوث عجز فيها قد يضطر الحكومة للاستدانة من النظام المصرفي، ما يزيد من معدلات التضخم.
سياسات صندوق النقد والاحتجاجات
تبلغ ديون السودان حوالي 60 مليار دولار؛ وفي 27 يونيو/حزيران الماضي، انضمت الخرطوم إلى مبادرة صندوق النقد الدولي لتخفيف ديون الدول الفقيرة “هيبيك”، ما سمح بإعفاء البلاد من ديون بنحو 23.5 مليار دولار مستحقة لدائنين.
ورغم استفادة السوق من مبادرة تخفيف الديون الفقيرة، إلا أن تنفيذ الحكومة لتوجيهات صندوق النقد الدولي تسبب في تزايد حدة الغلاء المعيشي في أوساط المواطنين وارتفاع أسعار السلع الضرورية وزيادة تكلفة النقل والمواصلات عقب التحرير الكامل للوقود، ما أدى موجة من الاحتجاجات من قبل المواطنين، انتقادا للتردي الاقتصادي وفشل الحلول الحكومية للمشاكل المعيشية المزمنة، خاصة في الخبز والوقود.
وفي يونيو 2020، وقّعت الحكومة السودانية مع صندوق النقد الدولي على برنامج المراقبة الذي يعمل على مراقبة اشتراطات الصندوق على الحكومات وتقييمها بعد عام، للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن المليار دولار.
واشترط الصندوق على الخرطوم، الإقرار بجملة من الإصلاحات، من أهمها رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، وتوحيد سعر الصرف في جميع المنافذ.
في يونيو 2020، وقّعت الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج المراقبة للحصول على تسهيلات مالية وقروض تزيد عن المليار دولار
وقال المحلل الأكاديمي، محمد الناير لـ”العربي الجديد”، إن المجتمع الدولي يتباطأ كثيرا في الوقوف مع السودان، رغم التزامه بإنفاذ الشروط الإصلاحية القاسية التي طالبه بها صندوق النقد الدولي (تحرير الوقود وسعر الصرف وخفض الدعم وغيره)، ما تسبب في الغلاء المعيشي الطاحن لـ80% من المواطنين وسرعة تآكل دخولهم، لافتا إلى ضعف تفاعل المجتمع الدولي مع السودان في تقديم المساعدات اللازمة لتلافي آثار هذه الإصلاحات، أسوة بما قام به في مواقف مشابهة مع الدول الأخرى
المصدر العربي الجديد