أخبار السودان : حالة من الصدمة عمت الأوساط السودانية، خلال الأيام الماضية، مع تناقل أنباء تعرض عدد من الشابات للاغتصاب والتحرش أثناء مشاركتهن في موكب احتجاجي الأحد الماضي.
وتتهم أوساط حقوقية وإعلامية منتسبي القوات النظامية بالتورط في اغتصاب الفتيات.
وتشهد مدن سودانية منذ 25 أكتوبر الماضي احتجاجات شبه منتظمة رفضا لقرارات قائد عام الجيش عبد الفتاح البرهان الذي عطل يومها الوثيقة الدستورية، وأعلن حالة الطوارئ، وأزاح قوى سياسية عن المشهد السياسي اتهمها بالسيطرة على إدارة مفاصل الدولة وإقصاء بقية الأحزاب عن دائرة الفعل.
وأدت القرارات إلى احتقان وسط الشارع والأحزاب والقوى المدنية التي قررت رفع شعارات تطالب بانزواء العسكر عن السياسة، والعودة إلى الثكنات وتسليم الحكم لقادة مدنيين.
وتواصلت الاحتجاجات رغم عدول الجيش عن عزل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وتمكينه مجددا من ممارسة مهامه.
ولا ترضي هذه الشعارات -التي ظلت تتسيد كل المواكب الشعبية فيما يبدو، قادة القوات النظامية حيث يجري التعامل مع المتظاهرين بعنف مفرط بإطلاق الرصاص الحي وعبوات الغاز مما أدى لسقوط ما لا يقل 45 قتيلا منذ يوم 25 أكتوبر.
وتتحدث هيئات حقوقية وطبية عن استخدام غاز مدمع يؤثر على الجهازين العصبي والتنفسي، كما جرى الحديث عن توثيق عمليات اغتصاب طالت فتيات شاركن في موكب 19 ديسمبر الجاري.
وأمس الخميس، تداعى ما لا يقل عن 40 هيئة ومنظمة وحركة ومبادرة نسوية سودانية للتظاهر احتجاجا على هذه الانتهاكات، وتسليم مذكرة لمكتب مفوضية حقوق الإنسان بالبلاد.
ورصدت الجزيرة نت مشاركة واسعة في الموكب الذي سلم المذكرة للمسؤولة الأممية، ومن ثم انضم إلى وقفة احتجاجية بأم درمان، وسط تنديد واسع بالانتهاكات ضد النساء ودعوات لمحاسبة الجناة.
ولم تقتصر المواكب على الخرطوم، حيث شهدت عدة مدن في الولايات وقفات مماثلة للتنديد بالممارسات غير السوية للأجهزة النظامية.
أسوار القصر
وبدأ تداول خبر حادثة الاغتصاب بعد ساعات من فض موكب الأحد الماضي الذي تمكن للمرة الاولي من الوصول لأسوار القصر حين تحدثت لجان مقاومة “الخرطوم بحري” في بيان عن أن ما حدث من تجاوزات فاق حد الوصف، وصل لاغتصاب شابتين وحالات من العنف الجنسي ورمي أخرى من جسر توتي تسبب لها بكسر في السلسلة الفقرية.
وتقول هالة الكارب المديرة الإقليمية لشبكة صيحة -للجزيرة نت- إن العنف الجنسي ضد النساء ممنهج ومقصود “سيما وأن الاغتصاب يشكل جزءاً من ممارسات المؤسسة العسكرية التي لا تمتلك أي آليات للمحاسبة والعدالة للحد من الانتهاكات التي تمارس ضد المدنيين”.
وتقول الكارب “المؤسسة العسكرية اعتمدت الاغتصاب وسيلة لإهانة النساء والمجتمعات في دارفور لأكثر من 20 عاما، إضافة إلى أن جرائم الاغتصاب التي ارتكبت في الخرطوم خلال فض اعتصام القيادة لم تحظ بالاهتمام والعدالة من قبل الحكومة الانتقالية أسوة بجرائم القتل التي ارتكبت في فض الاعتصام. وبالتالي فإن تكرار الجرائم يحدث بغياب المحاسبة وانعدام الوصول إلى العدالة”.
وأكدت هيئة محامي دارفور الحقوقية وقوع عمليات اغتصاب بحق فتيات، ونقلت عن بعضهن أنه جرى تهديدهن بتقييد دعاوى قضائية ضدهن ب “ممارسة الدعارة لإجبارهن على الصمت”.
وأشارت في بيان إلى أن ظاهرة الاغتصاب توضح التطور في نوعية الجرائم المرتكبة ضد الثوار، داعية إلى حملة لملاحقة الجُناة ومن يقف خلفهم للحيلولة دون إفلاتهم من العقاب.
ومع مرور الوقت، ارتفعت أعداد الشاكيات من التعرض لاغتصاب بعد أن نشرت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تصريحا يتحدث عن الإبلاغ عن 13 حالة اغتصاب واغتصاب جماعي.
لكن الحكومة ومؤسساتها الأمنية التزمت الصمت الكامل، ولم يصدر حيالها أي تعليق.
وقالت سليمى إسحق مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل (حكومية) إن عدد ضحايا الاغتصاب من النساء في ليلة موكب 19 ديسمبر وصل إلى 8 حالات موثقة تم التأكد منها.
عنف ممنهج
وتحدثت المذكرة -التي حصلت عليها الجزيرة نت- عن تعرض النساء لعنف ممنهج خلال عملية فض الاعتصام في 3 يونيو/حزيران 2019، وما تلاه من أحداث مؤسفة من تواتر لجرائم العنف الجنسي في دارفور وغيرها من المناطق.
وأضافت “ها نحن الآن نجد أنفسنا مرة أخرى كنساء سودانيات في خضم الدفاع عن حقوقنا وأمننا وسلامتنا بمشاركتنا السلمية في مسيرات الدفاع عن الديمقراطية والحقوق في مواجهة جرائم العنف الجنسي الممنهج منذ ثورة ديسمبر وحتى اليوم”.
وأشارت المذكرة إلى أن التقارير الميدانية، وبيانات وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل، أكدت حدوث 9 حالات اغتصاب واغتصاب جماعي في محيط القصر الجمهوري في الخرطوم.
ونقلت عن طفلة في العاشرة من عمرها أنه تم اغتصابها من 10 رجال -على الأقل- يرتدون زي القوات الأمنية الرسمية. كما أوردت تقارير لجان الأحياء تعرض عشرات الفتيات للتحرش وأنواع مختلفة من الاعتداء الجسدي والجنسي أثناء اعتقالهن ولاحقاً في مراكز الشرطة، بحسب المذكرة.
مطالب بالحماية
وطالب موقعو المذكرة مفوضية الأمم المتحدة بتبني مطالب تكوين لجان تحقيق مستقلة لتقصي حالات العنف الجنسي والجسدي التي تتعرض لها المتظاهرات والمتظاهرين، وتقديم المتهمين لمحاكمات عادلة.
كما دعوا إلى عمل الهيئات الأممية والبعثة الأممية على توفير الحماية للمتظاهرات والمتظاهرين وتوفير الخدمات الطبية العاجلة، والحماية، ودعم الضحايا والناجيات في الوصول للعدالة وفق إرادتهن، مع مطالبة المؤسسات العسكرية والأمنية بالتوقف فوراً عن استخدام كل أنماط العنف الجنسي والانتهاكات والقتل خارج القانون ضد المتظاهرات والمتظاهرين السلميين.
وتؤكد الناشطة شاهيناز جمال للجزيرة نت أن النساء عازمات على مقاومة كل أشكال العنف، وعدم الصمت على الانتهاكات.
وكانت دول الاتحاد الأوروبي وأميركا وكندا والنرويج وسويسرا وبريطانيا شجبت الخميس استخدام العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي لإبعاد النساء عن المظاهرات وإسكات أصواتهن.
وطالبت هذه الدول السُّلطات السودانية بإجراء تحقيق مستقل في مزاعم العنف وضمان محاسبة الجُناة، علاوة على كفالة حق السودانيين في حرية التعبير والتجمع بمنأى عن العنف.
المصدر: کوش نیوز