في ظل الإمعان الإسرائيلي برفض إبرام صفقة تبادل الأسرى، يظهر تشابه كبير بين معارضي الصفقة والرافضين لإدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وهذا ليس من قبيل الصدفة، فكلاهما يحتقران أي مظهر من مظاهر الرحمة، ويعاملان الحياة البشرية كلعبة في خدمة الأجندة الصهيونية، والنتيجة أنه بعد ثمانية أشهر بالضبط، ما زالت عائلات المختطفين الإسرائيليين تواجه تعنّت اليمين الفاشي الرافض لأي استعادة لهم.
وكشف أفيعاد روزنبلوم، نائب رئيس مؤسسة “بيريل كاتسنلسون” البحثية، أن “وزير المالية بيتسلئيل سموتريتش، حاول تجنب اللقاء بعائلات الأسرى، بل اتهمهم بأنهم يديرون حملة تحريضية، فيما صرخ بيندروس عضو الكنيست من الصهيونية الدينية في وجه والدة أحدهم قائلا؛ إنها تمارس السياسة، وتريد الإطاحة ببيبي”.
وتابع في مقال نشره موقع ويللا، وترجمته “عربي21″، “مع أن هذه القضية الإنسانية كان يجب أن تتجاوز منذ فترة طويلة الأبعاد الحزبية، لكن الحاصل أن الحكومة تتجاهل هذه العائلات التي لم تتلق مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء، الذي بسبب فشله أبقى على أكثر من 100 مختطف في أسر حماس بعد ثمانية أشهر من اختطافهم”.
وأضاف، أن “حكومة الاحتلال تُبدي عدم اهتمام وتلكؤا في محاولات إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، سواء ضمن صفقة تبادل، أو تحت ضغط عسكري، ما يدفع للسؤال: من أين تأتي هذه القسوة، ما الذي قسى قلوب من يستطيع أن يحدد مصير الإسرائيليين إلى هذا الحدّ؟”.
وأوضح: “رغم أنه ليس من قبيل الصدفة أن سموتريش ورفاقه المتطرفين معروفون بمواقفهم المتشددة تجاه الفلسطينيين، ودأبوا على المطالبة بتدمير المدن الفلسطينية في غزة، وهم ليسوا الوحيدين في الآونة الأخيرة، بل إن السمة العامة في الساحة الإسرائيلية باتت الرقص على الدماء المسفوكة في غزة، والابتهاج بمشاهد الحرق في رفح”.
وأكد أنه “من الصعب أن تجد سياسيا أو مؤثرا يمينيا تحدث بمفردات إنسانية عقلانية تجاه فلسطينيي غزة، بل إن فحصا لمؤشرات غوغل، يُظهر أن هؤلاء اليمينيين يستخدمون عبارات قاسية دموية ضد الفلسطينيين، ويكررون دعواتهم للقتل والذبح، بما فيها ضد النساء والأطفال الأبرياء، دون توفر الحد الأدنى من الرحمة الإنسانية البسيط”.
وأردف: “والنتيجة أن من يتعاملون بقسوة مع من ليسوا من شعبهم، ويفرحون لرؤية شريط فيديو يظهر الفلسطينيين الأبرياء يحترقون، ويكتبون أعيادا سعيدة ويتنهدون بارتياح لرؤية عائلات تُباد، وأطفال يصبحون أيتاما وأطفالا يتامى، وآباء يفقدون أطفالهم، يصبحون قساة أيضا ضد شعبهم هم”.
وأوضح أن “هناك تداخلا لا يصدق بين الابتهاج بمشهد قتل الفلسطينيين، ومن يعارضون تقديم المساعدات الإنسانية لأهل غزة، ومن يطالبون بانتقام أكبر وأكثر دموية، وهم ذاتهم أقوى المعارضين لصفقة التبادل، بل يهينون أهالي المختطفين”.
واستدرك: “صحيح أن الثمن الذي من المفترض دفعه ضمن الصفقة باهظ، لكن في هذه المرحلة، حيث من الواضح أن المختطفين يموتون في معاناة رهيبة واحدا تلو الآخر، ويوصي رؤساء الأجهزة الأمنية بسرعة التوصل لاتفاق، يظهر الموقف المخزي للحكومة تجاه المختطفين”.
وأشار إلى أن “كثيرين من أصحاب القرار قلوبهم قاسية مع المختطفين، ومستعدون للتضحية بهم من خلال الموت القاسي، بزعم استعادة الشرف الوطني والنصر المطلق، وهؤلاء هم الأغلبية الساحقة ممن يعارضون المعاملة الإنسانية لسكان غزة، وبكل وقاحة وانعدام حساسية مطلقة، يطلق سموتريتش عبارات مثل (إعادة المخطوفين ليس الأهم)”.
أما وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، “فليس مستعدا للقاء أهاليهم، وفوقهم كلهم يقف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يتهمه مرارا وتكرارا الوزراء ورؤساء الأجهزة الأمنية، ممن يجلسون معه في غرف صنع القرار، برفض اتباع نهج نشط في محاولة للوصول للصفقة، وإظهار عدم الرغبة باستكمالها، مع معاملة باردة ومهينة يتلقاها أهالي المختطفين من وزرائه وأعضاء ائتلافه، وصولا إلى البصق والسب والضرب”.
تؤكد هذه السطور أنه ليس من قبيل الصدفة أن يكون هناك تداخل كبير بين المجموعتين اليمينيتين الإسرائيليتين: معارضي صفقة، ومعارضي المساعدات الإنسانية لغزة، فكلاهما تدعمان المعاملة اللاإنسانية لسكان غزة، ويعاملون حياتهم بازدراء، ويعتبرونها ألعوبة في أيدي المصالح الحزبية، التي تدوس إنسانيتهم، وفي سبيل ذلك يبتهجون لرؤية طفل فلسطيني يحترق في خيام رفح، وصولا إلى الاستعداد للتضحية بالمختطفين اليهود؛ انصياعا لمصالح حزبية رخيصة.
المصدر: عربي21