“لفني الحزن واعتصرني الألم عندما علمت أن الطيران قصف كبري مكة في نيالا” هكذا بدأ الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الاقتصادي الحسين ابو جنة في حديثة لراديو دبنقا حول استهداف الطيران الحربي التابع للقوات المسلحة السودانية كبري مكة بمدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور الاسبوع.
لا شك ان كل سكان نيالا يشاطرون الحسين أبوجنة أسفه على كبرى مكة الرابط الوحيد بين شطري مدينة نيالا التي يقسمها وادي “برلي” إلى نصفين، إضافة إلى أنه معلم رئيسي وحيوي من معالم المدينة.
ويصف ابوجنة استهداف الطيران الحربي للكبري بأنه خطأ جسيم وذنب لا يغتفر حيث انه يعد المشروع الخدمي الابرز والأكثر أهمية لمواطني مدينة نيالا بل مواطني ولاية جنوب دارفور قاطبة، وقال هو مشروع خدمي للتواصل والنقل والترحيل، ظل يربط شطري مدينة نيالا، ويلعب دوراً مهما في مجالات التجارة والنقل والأمن وكافة الخدمات ذات الصلة في مدينة نيالا التي تصنف بأنها ثاني أكبر مدن السودان من حيث الكثافة السكانية والحركة التجارية والصناعية.
تسمية مكة
أنشئ كبري “مكة” في العام 1982 في عهد حاكم اقليم دارفور الراحل احمد ابراهيم دريج بوسطة شركة “هيلد آند فرانكي الالمانية” وبمنحة من المملكة العربية السعودية، ومن هنا جاءت تسميته بكبري مكة تيمناً بمكة المكرمة، وكان افتتاحه على يد الرئيس الاسبق جعفر نميري، وقد شيدت ذات الشركة الالمانية في تلك السنوات- عهد حاكم الاقليم الراحل دريج- طريق “نيالا- كاس- زالنجي” الذي أنشئ بمنحة ألمانية.
حجم الاضرار
بحسب الصحفي أحمد الربيح المتواجد بمدينة نيالا فان قذائف الطيران التي اصابت الكبري أحدثت ثقباً في جسم الكبري بالناحية الشمالية أي بالقرب من الضفة التي يقع فيها منزل قائد الفرقة 16 مشاه التي استولت عليه قوات الدعم السريع ومنزل الوالي وبيت الضيافة، اضافة إلى تهشيم جزء من احد جانبيه فضلاً عن تشققات في جسم الكبري استدعت منع عبور الشاحنات الكبيرة إلى حين فحصه بواسطة مهندسين وتقييم حجم الضرر الذي لحق به خوفاً زيادة التشققات او انهياره، لكنه نبه إلى أن السيارات الصغيرة والركشات يسمح لها الآن بالعبور، ويقول ابوجنة ان تدمير كبري بهذه الأهمية سيلحق ضرراً كبيراً بمصالح البلاد والعباد.
خسائر اقتصادية
وأشار أبوجنة إلى أن تدمير كبري مكة بنيالا خسارة فادحة لمنظومة الاقتصاد القومي للدولة ولمنظومة الناتج المحلي بجنوب دارفور، وأضاف “لذلك احسب ان استهداف كبري مكة بالطيران عملية غير موفقة مهما كانت الاسباب والمبررات لأنه مشروع خدمي اقتصادي لخدمة المواطن بالدرجة الاولى، واستبعد في الوقت نفسه تكون هناك قوة عسكرية يمكن ان تحتمي بأسفل الكبري خاصة في ساعات الليل، حيث نفذت تلك الغارة التي استهدف فيها الكبري حوالي الساعة الثانية عشر منتصف الليل.
وأشار إلى أن هذا الكبري يربط جنوب بشمال نيالا، وأن 80% من انتاج الولاية من المحاصيل الزراعية النقدية يأتي من مناطق جنوب الولاية عبر هذا الكبري، ومعروف أن انتاج المحاصيل في جنوب دارفور في الجزء الجنوبي من الولاية، كي تصل إلى بورصة المحاصيل في شمال نيالا.
يعد كبري مكة أهم مرفق عام يعين مواطني مدينة نيالا على التواصل بين أحياء شطري المدينة شمالها وجنوبها خاصة في فصل الخريف عندما يجري الوادي بالمياه الموسمية، هذا اضافة إلى حركة المواطنين في محليات جنوب وغرب الولاية “السلام، عد الفرسان، رهيد البردي، ام دافوق، برام، السنطة، كتيلا، تلس، الردوم، وقريضة” وهي جميعها محليات منتجة للثروة الحيوانية والمحاصيل الزراعية وكلها تتواصل مع رئاسة الولاية وبقية السودان عبر هذا الكبري الذي على مدى اربعة عقود.
ووجه ابوجنة نداءً لطرفي الحرب القوات المسلحة والدعم السريع بأن يوقفوا القتال ويجنبوا البلاد الخراب ودمار البنية التحتية، وقال “تكفي سنة من القتال حولت مدينة نيالا وكل من البلاد الكبيرة إلى مدن اشباح، وبدأت نار الحرب تأكل مؤسسات الدولة والمشروعات الخدمية مثل كبري نيالا، وأضاف “أخشى ان تمتد يد التدمير إلى محطات الكهرباء والمياه ما يعني الخراب، وهنا أسجل صوت لوم وإدانة لأي تخريب لمؤسسات الدولة لأنها تهم الوطن والمواطن بالدرجة الأولى، ودعا طرفي النزاع إلى تحكيم صوت العقل وايقاف القتال بينهما.”
قلة الكباري
ورغم ان وادي برلي وهو أحد أكبر الاودية في دارفور يشطر مدينة نيالا لنصفين ويعيق الحركة بين شطريها الشمالي والجنوبي الا ان المدينة لم تحظ بأنشاء الكباري التي يتطلب وجودها في مدينة بحجم نيالا، فبالإضافة إلى كبري مكة انشأت الشركة الالمانية “هيلد آند فرانك” كبري “دوماية” على طريق “نيالا- كاس”.
خلال العقدين الماضيين اجتهدت الحكومات المتعاقبة على الولاية لإنشاء كبري “الفنية” الذي يقع إلى الناحية الشرقية من كبري “مكة” ويربط نصفي المدينة من ناحية حي الوادي شمالاً إلى حي كرري جنوباً لكن فشلت في تنفيذه رغم اعلان تركيا استعدادها لتمويل المشروع الذي تهدف من خلاله إلى ربط مجتمع شمال المدينة بالمستشفى السوداني التركي في اقصى الجنوب، وفي أواخر العام 2022 بدأت حكومة الوالي السابق حامد هنون في انشاء كبري السريف غربي المدينة وقطعت شوطاً كبيراً في العمل الا ان الحرب 15 ابريل أوقفت العمل ولم يكتمل الكبري.
جريمة وفق القانون الدولي
في نوفمبر الماضي تعرض كبري شمبات الذي يربط بين مدينتي بحري وام درمان إلى تفجير ادى إلى قطعه، وهو احد الجسور الستة المهمة التي تربط مدن العاصمة السودانية الخرطوم الثلاث، وفي الشهر ذاته تم تدمير الجسر الملحق بجسم خزان جبل اولياء، وهو ما يعني اعتداءات متكررة على الاعيان المدنية التي يجرم القانون الدولي الانساني تدميرها مثل الكباري والمدارس والمستشفيات وكل الاهداف غير العسكرية في النزاعات المسلحة.
المصدر: دبنقا