استرخاص الدماء يعجل بزوال القتلة
اتفق الناس أو اختلفوا مع الحراك الجماهيري الكبير الذى ظل ينتظم البلد منذ الانقلاب المشؤوم ، فان الأمر الذى لا جدال حوله ، ولايمكن ان يختلف الناس عليه ، هو ان استرخاص الدماء امر بالغ الخطورة ، وطامة كبرى ، وداهية عظمى ، وانه مهما تجبر الحكام وطغوا وبغوا فإنهم سيدفعون ثمن سفك الدماء ، عاجلا غير اجل ، وان ملكا يقوم على استرخاص الدماء محكوم عليه بسرعة الغياب عن المشهد ، وستلاحق العدالة القتلة المجرمين ، طال الزمن ام قصر.
ومن المناسب ان نستعرض هنا ، جانبا من وصية الخليفة الراشد ، والصحابى الصالح ، والحاكم العادل ، الامام علي بن ابي طالب رضوان الله عليه ، وقد كتب الامام على هذه الوصية الى القائد العسكرى والسياسى فى جبهته ، مالك الاشتر النخعى ، عندما بعثه واليا على مصر ، وقد عرفت هذه الوصية بعهد الامام على إلى مالك الاشتر ، وهو من الوثائق المهمة التى يجدر بكل مهتم بعلم الإدارة ان يدرسها ، وهناك عدد من الدراسات والبحوث حول هذا النص ، وسوف نستعرض جانبا منه ، وهو المرتبط بكلامنا هذا حول خطورة تقوية الحكم بسفك الدماء ، وما يترتب على هذه السياسة الخاطئة.
قال الإمام على فى جانب من وصيته إلى مالك الاشتر :
إياك والدماء وسفكها بغير حلها ، فإنه ليس شئ أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة ، من سفك الدماء بغير حقها ! والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة ، فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ، فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله وينقله . ولا عذر لك عند الله ولا عندي في قتل العمد ، لأن فيه قود البدن . وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك سوطك أو سيفك أو يدك بعقوبة ، فإن في الوكزة فما فوقها مقتلة فلا تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم . وإياك والإعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها وحب الاطراء ، فإن ذلك من أوثق فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان المحسنين .
انتهى ما أردنا نقله من هذا النص الشريف ، ويا سبحان الله ، كيف تنطبق هذه الكلمات على حالتنا بالتفصيل ، وكأن الامام علي بن ابي طالب رضوان الله عليه يصف حالنا الان بالدقة التامة ، وكيف تستقوى سلطات الانقلاب على شعبها بسفك الدماء ، ولنا فى حديث الأمام على سلوة ونجوى ، وفى بشارته لنا بسرعة سقوط اى طاغية يسفك الدم الحرام ، فى هذا امل ينبعث فى النفوس فيحييها وينعشها ، ويعطيها اليقين التام باقتراب ساعة النصر.
سليمان منصور