يرى البعض أن فشل أمريكا في القضاء على “طالبان” منذ 2001 أدى إلى عودتها بشكل أقوى في 2021.
تلك الحرب الطويلة في أفغانستان كشفت أن التفوق التكنولوجي يمكن أن يقتل بشكل أكثر كفاءة، لكنه يفشل في تحقيق انتصار نهائي، وهنا يحاول الأمريكيون إغلاق الباب وراءهم في أفغانستان بعد حرب استمرت 20 سنة في بلد يواجه تحديات أمنية وسياسية وأطماعا من دول مجاورة، إلا أن أمريكا، التي أنفقت نحو تريليوني دولار على صراع بائس وكسبت كل المعارك وخسرت الحرب الأفغانية، وحشدت من حولها الملايين من الأفغان الذين يختلفون ويعارضون طالبان، لا تستطيع أن تحفظ لهم ماء وجوههم بدلا من أن تجعلهم ضحية لسقوطها المرير، مما يجعلها تخطط لإنقاذ وتهريب 35 ألف متعاون أفغاني وعائلاتهم من غضب طالبان، ما يعني أن الاستراتيجية العسكرية والسياسية الأمريكية في الأساس لم تعتمد على رؤية واقعية، فالخطر والتهديدات الإرهابية وانهيار الحكومة أمران متوقعان رغم الوعود بالضغط من أجل تسوية سلمية.
الملاحظ أن ورطة أفغانستان تجتذب المنافسين الإقليميين لواشنطن، فقد أدخل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان المنافسين والموالين الإقليميين للولايات المتحدة على خط الأزمة المشتعلة منذ اتساع رقعة سيطرة “طالبان”، بالإضافة إلى المخاوف من انتقال تداعيات الفوضى الأمنية إلى دول الجوار الأفغاني، والفِناء الخلفي لروسيا والصين وباكستان وتركيا، حيث سعت هذه الدول إلى تعزيز نفوذها على أراضي أفغانستان بعد انسحاب الجيش الأمريكي
روسيا هي الأخرى حذرة وقلقة، تارة تحذر “طالبان” بلهجة حادة من تجاوزاتها للحدود خلال توسعاتها السريعة في الأراضي الأفغانية، وتارة أخرى ترى أن مكاسب “طالبان” في أفغانستان تعزز الأمن، بينما يرى البعض أن أفغانستان ستكون وجهة جديدة لتركيا لتحقيق أهدافها وأطماعها، التي برزت من خلال إبدائها الاستعداد لتحمل الأعباء الأمنية هناك، خصوصًا فيما يتعلق بتأمين مطار كابول الدولي بعد انسحاب القوات الأمريكية.
على الجانب الصيني، تعكس التصريحات اهتماما بلعب دور في أفغانستان، إذ ذكرت السفارة الصينية في الولايات المتحدة أن بكين “تسعى إلى تجنب المزيد من توسع الصراع في أفغانستان”.
أما باكستان فتؤمن بأن السلام لا يزال ممكناً في أفغانستان، وترى أن التركيز على عملية السلام وتنفيذها هو أفضل استثمار يمكن أن تقوم به أمريكا لمكافحة الإرهاب.
كان من المؤكد بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أن يعود القتال بين القوات الحكومية و”طالبان”، رغم الاتفاقات والتفاهمات والحوارات المتعدّدة، ما يؤكد أن ثقافة الحرب لا تزال مهيمنة على العقول في “أرض الدم”، نظرا لكثرة الدماء التي أريقت في هذه البلاد منذ الحرب مع الاتحاد السوفييتي، وما تلاها من حروب، وأن حركة طالبان لن تغير ثوبها رغم طول سنوات الحرب، وسط ترجيحات بسقوط الحكومة بيد “طالبان”.
غالبية التقارير الميدانية تشي بأن أفغانستان مقبلة على محطة فارقة جديدة في تاريخها الحديث، وما يُعقّد الموقف أكثر ويدفع عملية السلام في أفغانستان إلى طريق مغلق هو المطالبة برحيل الرئيس الأفغاني -وهو أمر غير ممكن على الأقل حاليا- وذلك للتوصل إلى اتفاق سلام، حيث قالت “طالبان”: “سنلقي أسلحتنا عندما يتم تشكيل حكومة مقبولة لجميع أطراف الصراع في كابول، ولن يكون هناك سلام في أفغانستان حتى يرحل رئيس البلاد، أشرف غني، ونبدأ التفاوض على حكومة جديدة في العاصمة”، متهمة الأخير بأنه “مروّج حرب”.
من الممكن إطلاق شعار “انهزمنا” على الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ونهاية لأطول حرب أمريكية، أهدرت فيها دماء أمريكية، لكن هل كان إنهاء هذه الحرب يمثل نهاية للإرهاب؟
علينا أن نستعد لموجة إرهابية ثانية منبعها أفغانستان أو الساحل الأفريقي هذه المرة، وأيضا نستعد للتداعيات الكثيرة لانسحاب القوات الأمريكية على المنطقة والعالم، وهو ما يشير إلى إقرار واضح بأن الحرب على الإرهاب لا يمكن أن تكون عسكرية فقط، إذ يجب أن تكون هناك استراتيجية جديدة بجوار الحرب، تتمثل في حرب أيديولوجية مقننة ضد أيديولوجيا الجماعات المتطرفة.