هذه الأيام هناك أزمة غاز طالت مدتها ولا أمل يلوح لزوالها، والسبب ليس الندرة وإنما سوء توزيع وعدم رقابة وجشع واحتكار وسمسرة في الغاز، فسعر الأنبوبة من المستودع 450 جنيهاً فقط وخارجه يرتفع من ألف ونصف وحتى خمسة آلاف، بعد أن يقوم الوكلاء باحتكاره وتوزيعه كالمخدرات بالتعاون مع المواطنين مثل بعض أصحاب الركشات الذين يستعينون بهم لتصريف الأنابيب بالأسعار التي يريدونها مستغلين حاجة الناس .
حقيقة بعض المواطنين لهم اليوم أكثر من شهر يبحثون عن الغاز بسعره الحقيقي دون جدوى قاستعانوا بالفحم وهو أيضا له سماسرة فالكثير من المواطنين أصبح ليس لديهم مهنة غير السمسرة بشكلها القبيح، وفي كل شيء؛ ما زاد الأزمات وأدى إلى ارتفاع الأسعار، والسبب ندرة العمل الشريف وغياب دور الدولة.
هذا الضنك طبعا لا يستحمله العاملون في القوات النظامية، وهم دائما يسعون لتجنب الأزمات من خلال استخدام ميزة كونهم قوات نظامية لديهم إحساس بأن لهم على الآخرين درجات رغم أنهم أهل القانون والنظام والحل وأهل الفزع والشدة، إلا أنهم أحيانا يصبحون جزءاً من الأزمات، وعليهم مراجعة هذا الأمر.
أول أمس أصدرت إدارة مستودع الغاز بالشجرة قرارا قضى بإغلاق المستودع نتيجة لما أسمته بفوضى القوات النظامية بمختلف وحداتها ولم يشرح القرار ماذا حدث بالضبط ولكن الحكاية واضحة، وهي أن السادة في القوات النظامية أرادوا الحصول على الغاز بطريقة خاصة فاشتد الضغط على المستودع، ولذلك لم تجد إدارته حلا غير أن تغلقه لسلامة البلد، فهو مستودع غاز وليس مورد ماء حتى يتكدس الناس حوله دون نظام وشروط، وقد تقع مشكلة فيحدث ما لا يحمد عقباها، ولكن ما ذنب المواطنين حتى يعاقبوا بذنب القوات النظامية بقفل المستودع؟ يجب حسم هذا الأمر بالطريق المستقيم. القوات المسلحة جزء من المجتمع ولا يجب أن تمنح الغاز بشكل خاص إلا بعد أن تسد حاجة المواطن فهي وجدت لتتحمل الصعاب .
حل مشكلة الغاز سهلة مادام ليس هناك ندرة والمطلوب، وقف استلام الغاز من المستودع من قبل أي جهة غير الوكلاء حتى ولو كانت القوات النظامية، ويجب أن يلتزم الوكلاء بالمصداقية والنزاهة والتوزيع بالسعر الحقيقي، ولابد من أن تفرض عليهم الحكومة رقابة صارمة جدا وتسحب التوكيل من أي وكيل غير ملتزم وتعلن عن السعر الرسمي للغاز، إذ كيف تخرج الأسطوانة من المستودع بـ450 وتباع بضعف سعرها 7 و 8 و 9 مرات وحقيقة الفوضى وغياب رقابة الدولة فتح أبواب الفساد أمام المواطنين ليتصرف كل حسب هواه دون مراعاة لحقوق غيره ولا للقانون أو حتى الأخلاق والقيم .
المواطنون أيضا يجب أن يتحملوا المسؤولية وذلك بالتبليغ الفوري عمن يحاولون التلاعب في الأسعار أو الاحتكار وعدم التستر عليهم ومشاركتهم كما يحدث الآن، وحقيقة أزمة الغاز هذه تكشف أن الأزمة الحقيقية ليست في ندرة السلع بقدر ما هي أزمة فساد دولة ومواطنين، ولن تنتهي الأزمات مالم يتغير الناس ويتقوا الله في بعضهم وأنفسهم ودولتهم، فالرخاء لا يتحقق إلا بالتعاون بين المواطنين في بعضهم ثم مع الدولة، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا .
جريدة الديمقراطي