كشفت مصادر سياسية الاثنين أن وسيط الاتحاد الأفريقي الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني شرع في تنظيم الترتيبات اللازمة لعقد لقاء يجمع بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتحديد المواعيد المناسبة لذلك.
ونقلت تقارير سودانية عن تلك المصادر قولها إن موسيفيني حصل على موافقة مبدئية من الجانبين، وأن الاجتماع المنتظر سيتم عقده قبل انقضاء شهر يونيو الحالي، وانتهاء المهلة التي حددها المجتمع الدولي في الثلاثين منه لإنهاء الحرب في السودان.
وحظي قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بشأن تشكيل لجنة مهمتها عقد لقاء مباشر بين حميدتي والبرهان بترحيب أطراف عديدة، ولم يعلق الجانبان المدعوان إلى اللقاء على ما جاء فيها حتى منتصف يوم الاثنين.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن عدم الرفض سريعا أو الصمت الذي يخيم عليهما من المؤشرات الجيدة بشأن إمكانية نجاح عقد اللقاء هذه المرة، غير أن الدعوة ذاتها تصطدم بتعقيدات المواجهات الميدانية، والتي قد تكون عائقا أمام قبول الجيش بالمبادرة، حيث يحاول تحقيق تقدم عسكري قبل العودة إلى طاولة المفاوضات.
وقرر مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي الجمعة إنشاء آلية رئاسية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس موسيفيني الذي يرأس الدورة الحالية للمجلس، تقوم بترتيب اجتماع بين قائدي الجيش والدعم السريع لوقف إطلاق النار.
وتقوم اللجنة بتسهيل عقد اللقاء وجها لوجه في أقصر وقت ممكن، للتغلب على مساع سابقة فشلت في جمعهما على مائدة واحدة، مع قناعة أفريقية بأهمية الخطوة لوقف إطلاق النار، ومن ثم التعامل مع الوضع الإنساني المأساوي في السودان.
وتأتي أهمية الخطوة من إمكانية تحريك جمود الجهود السياسية منذ فترة، لكن الجهة الأفريقية لا تملك وسائل الضغط المطلوبة لدفع الطرفين نحو المحادثات، فالعلاقات متوترة بين قائد الجيش وجهات أفريقية مؤثرة، في مقدمتها الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد)، ما يشي برفض الوساطة، والبحث عن مخرج لتخريب التحرك الجديد، خاصة أن التيار الإسلامي النافذ في المؤسسة العسكرية والمسيطر على القرار داخل الجيش يسعى لمواصلة الحرب. وإذا كانت سرعة تشكيل اللجنة ومشاركة جهات لها علاقات إيجابية مع قيادة الجيش نقطة مهمة، فإن اتساع نطاق المعارك في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، والمخاوف من تحول الحرب إلى صراع عرقي مع زيادة الاستقطاب يشيران إلى أن الأجواء العسكرية ليست مهيأة لحوار مباشر بين حميدتي والبرهان.
وعلق الاتحاد الأفريقي عضوية السودان بعد انقلاب الجيش على الحكومة المدنية الانتقالية في أكتوبر 2021، ووصلت العلاقات إلى قطيعة بين الجانبين بعد استقبال رئيس المفوضية موسى فقي لقيادات في الدعم السريع.
وجمد الجيش عضوية السودان في “إيغاد” مطلع العام الجاري، وبرر موقفه بـ”تجاهل الهيئة قرار السودان الذي نقل إليها رسميا بوقف انخراطه وتجميد تعامله معها في أي موضوعات تخص الوضع الراهن في السودان”.
وقال نائب رئيس حزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل إن تحرك مجلس السلم والأمن الأفريقي خطوة مطلوبة في هذا التوقيت، لكن فرص نجاحها ضيئلة، فقيادة الجيش تنظر إلى موسيفيني على أنه طرف غير محايد، والمسافات لا تزال كبيرة وبعيدة للغاية بين الخصمين المتقاتلين.
وذكر إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن البرهان قد يتجاوب مع الاتحاد الأفريقي إذا حدث تعديل في النظام الأساسي له، والذي يجمد عضوية أي دولة تحدث بها تحركات توصف بأنها “انقلاب عسكري” ليتمكن السودان من استعادة مقعده، وهو أمر يصعب تحققه، لأن منظومة الاتحاد الأفريقي تتماشى مع منظمات إقليمية ودولية.
واشترط قائد الجيش في وقت سابق قبول وساطة الاتحاد الأفريقي في الصراع الدائر مع قوات الدعم السريع برفع تعليق عضوية بلاده في الاتحاد، وتنصل من حضور لقاء متفق عليه مع حميدتي، على هامش قمة عقدت في أوغندا.
وقد يشكل ترحيب قوى سياسية بالقرار الأفريقي عامل ضغط معنوي على الجيش، حيث سارعت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بتأييد مجلس السلم والأمن على تعديل تموضعها بعد أن كان الجيش يتهمها بالتقارب مع الدعم السريع.
واعتبرت “تقدم” أن قرارات مجلس السلم والأمن “نقلة نوعية في رفع درجة استجابة قادة القارة الأفريقية لكارثة الحرب في السودان التي تشكل أكبر مأساة إنسانية في العالم الآن”، مشيدة بدعوة المجلس لطرفي القتال إلى الوقف الفوري للعدائيات وإدانة كافة الانتهاكات المروعة التي ارتكبت في حق المدنيين.
وضمت تنسيقية “تقدم” صوتها لتحذير مجلس السلم والأمن بشأن مخاطر اتخاذ الحرب أبعادا إثنية وجهوية وقبلية، مقدرة التفات المجلس إلى ضرورة إيجاد آليات فعّالة لحماية المدنيين، والثناء على الدعوة إلى عقد قمة أفريقية طارئة مخصصة للسودان.
وأشار عضو “تقدم” محمد الهادي محمود إلى أهمية خطوة مجلس السلم والأمن في إطار التكامل مع التحرك الأميركي – السعودي للعودة إلى منبر جدة، كمحاولة ترمي إلى التخلي عن الحسم العسكري، وهو أمر يصعب حدوثه، فالدعوة إلى الحوار تأتي والبلاد على وشك مجاعة كارثية، ووسط مخاوف من تراجع الدور الأميركي مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة، والأمل في أن يغير الجيش حساباته ويستجيب للمبادرة الأفريقية.
وأكد في تصريح لـ”العرب” أن الجيش قد يجد نفسه في النهاية مضطرا إلى القبول بوساطة مجلس السلم والأمن، لأن واقع الحرب صعب على قواته وسط تراجع التسليح ووجود مشكلات في توفير الذخيرة اللازمة للقتال في مناطق متفرقة وشاسعة. ووصف الهادي عدم تعليق الجيش على بيان الاتحاد الأفريقي بأنه يعبر عن تطور إيجابي مع توقف المشاورات المباشرة وغير المباشرة بين الطرفين منذ محادثات المنامة.
مجلس السلم والأمن قرر إنشاء آلية رئاسية رفيعة المستوى بقيادة الرئيس موسيفيني تقوم بترتيب اجتماع بين قائدي الجيش والدعم السريع
ونفى في حديثه لـ”العرب” أن تكون تنسيقية “تقدم” حصلت على موافقة الجيش بشأن عقد لقاء معها، وقلل من إمكانية حدوث ذلك مع إعلان الجيش موافقته سابقا على عقد الحوار من دون تنفيذه، لافتا إلى أن تغيير موقف الجيش من الحرب والتوجه نحو الحل السياسي يتعلق بحجم الضغوط العسكرية التي يواجهها على الأرض.
وحذر من فقدان الجيش والدعم السريع التحكم في القرارات السياسية والعسكرية بعد حرب طويلة انهكتهما بدرجات متفاوتة، مؤكدا أن اختطاف التيار الإسلامي للقرار داخل الجيش جعل السلطة خارج إرادة البرهان.
ويتطلب نجاح عمل اللجنة الأفريقية التلويح بفرض عقوبات على الطرف الذي يعرقل جهودها، وتجاوز متطلبات آلية تشكيل قوات أفريقية للسلام، كما جاء في قرار المجلس أخيرا، وقبول السودان بوجود قوات مهمتها فض الاشتباك، وتحديد نقاط تماس بين قوات الجيش والدعم السريع، وتجهيز ممرات آمنة للمدنيين في مناطق النزاع.
المصدر: العرب