بات الوضع على الأرض في السودان على صفيح ساخن بعد بيان للجيش ينتقد فيه قوات الدعم السريع التي انتشرت بمختلف أنحاء البلاد دون “تنسيق” مسبق.
ويرى محللون تحدثوا لموقع “الحرة” أن السيناريوهات أصبحت مفتوحة على جميع الاحتمالات بعد البيان الذي وصفته وكالة رويترز بـ “التوبيخ العلني النادر” من الجيش لقوات الدعم السريع.
وأشار محللون إلى أن التصادم على الأرض بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية “أمر وارد” قياسا على التصعيد “الخطير” بعد التطورات الأخيرة.
وقال الجيش في بيانه، فجر الخميس، إن تحركات قوات الدعم السريع تشكل “تجاوزا واضحا للقانون”، مضيفا أنه “لم تنقطع محاولات القوات المسلحة في إيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات وذلك حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس”.
حذر الجيش السوداني، في الساعات الأولى من صباح الخميس، مما وصفه “تحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن” من جانب قيادة قوات الدعم السريع.
وقبل ذلك، قالت قوات الدعم السريع في بيان خلال وقت سابق إنها تنتشر في جميع أنحاء البلاد ضمن إطار واجباتها العادية.
وقال الكاتب والمحلل السياسي، محمد عثمان الرضي، سبب خروج قوات الدعم السريع على الأرض “غير واضح”، لكن هذه الخطوة يمكن فهمها على أنها “إبراز للقوة والعضلات”.
وأضاف الرضي في حديثه لموقع “الحرة” أن “قوات الدعم السريع ظلت طيلة الفترة الماضية تحت إمرة القوات المسلحة … وتحركها على الأرض ربما يعكس مدى الطموح الخفي الذي تحمله هذه القوات”.
وقال إن صدور بيان الجيش “لأول مرة ينذر بأن الأمر بلغ قمة التعقيد والخطورة، وهو بمثابة تحذير واضح وصريح بضرورة أن تلتزم قوات الدعم السريع حدودها وفقا للقانون”.
وجاء هذا البيان في هذا التوقيت الحرج في المشهد السوداني، مما يرمي بظلاله على العلاقة بين القوتين، حسبما قال الرضي.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، تأجل توقيع اتفاق يفضي إلى إنهاء الأزمة السياسة في البلاد لمرتين بعد أن حدد التوقيع يومي 1 أبريل ثم 6 من الشهر ذاته دون أن يتم ذلك بسبب خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وأحد الأسباب الرئيسية للخلاف هو رغبة الجيش في دمج قوات الدعم السريع داخله في أسرع وقت ممكن، وفي إطار زمني لا يتجاوز العامين، في حين ترى قوات الدعم أن الأمر يحتاج لـ10 سنوات على الأقل لإتمام الهيكلة، بحسب رويترز.
“تمرد”
وقوات الدعم السريع هي جماعة شبه عسكرية تشكلت عام 2003 وتتبع حاليا للقوات المسلحة السودانية.
وتُعرّف قوات الدعم السريع نفسها على أنها “قوات عسكرية قومية التكوين تعمل تحت إمرة القائد العام، بهدف إعلاء قيم الولاء لله والوطن، وتتقيد بمبادئ القوات المسلحة”، مشيرة إلى أنها تعمل بموجب “قانون أجازه المجلس الوطني في عام 2017”.
لا تزال الأزمة في السودان قائمة، إذ لم يحسم التوقيع على الاتفاق النهائي لتسوية الخلافات، وتم تأجيله بعد أن كان مقررا السبت.
وتمتلك القوات مقرات ومراكز في العاصمة الخرطوم وفي بعض المدن الأخرى، بالإضافة إلى الحدود مع ليبيا وإريتريا لمراقبة الحدود ووقف تدفق المهاجرين.
وفي يوليو من عام 2019، تم تعديل قانون قوات الدعم السريع بحذف مادة منه تلغي خضوعه لأحكام قانون القوات المسلحة، وهو ما عزز من استقلاليتها عن الجيش.
من جانبه، وصف أستاذ العلوم السياسية، الرشيد محمد إبراهيم، أن تصرف قوات الدعم السريع بالنزول للشوارع دون إذن من الجيش “أشبه بالتمرد” عقب الاتفاق السياسي.
وقال إبراهيم في حديثه لموقع “الحرة” إن وجود قوات الدعم السريع على الأرض دون موافقة وتنسيق من القيادة العليا يعد “تصعيدا خطيرا”.
ومن ضمن شروط الاتفاق السياسي الذي تأجل توقيعه لأجل غير مسمى دمج قوات الدعم السريع مع القوات المسلحة، بحسب إبراهيم، الذي قال إن الانتشار من شأنه أن يحدث إرباكا وتصادما على الأرض.
وأضاف: “لا أستبعد أي مواجهات … قوات الدعم السريع تفتقد لعنصر الخبرة وأركان مهمة في العمل العسكري والاستخباراتي وتفاصيل قد تجعلها أقرب إلى ارتكاب بعض الحماقات”.
وفي ديسمبر الماضي، اتفق القادة العسكريون والفصائل المدنية على عملية سياسية تنهي الأزمة التي حدثت خلال شهر أكتوبر من عام 2021.
قبل ذلك التاريخ، كان السودان يعيش مرحلة انتقالية عقب ثورة أطاحت بنظام، عمر البشير، عام 2019، عندما تقاسم المدنيون والعسكريون السلطة وكان يفترض أن تقود تلك المرحلة البلاد إلى انتخابات حرة بدعم من المجتمع الدولي.
لكن في 25 أكتوبر 2021 وفيما كان استحقاق الانتخابات يقترب، أغلق قائد الجيش الفريق أول، عبدالفتاح البرهان، الباب أمام هذا التحول الديمقراطي على نحو مفاجئ.
وقاد البرهان انقلابا واعتقل معظم الوزراء والمسؤولين المدنيين. ومنذ ذلك الحين، تغوص البلاد في أزمة سياسية واقتصادية فيما علق المجتمع الدولي كل مساعداته للبلد الفقير بعد الانقلاب.
“فرص ضعيفة”
وبعد البيان الصادر، فجر الخميس، لم يستبعد الرضي “جميع السيناريوهات السيئة” في السودان، لكنه رجح أن تعيد قوات الدعم السريع حساباتها وتبدي “مرونة” أكبر.
وقال: “بعد البيان أتوقع تقاربا بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة”، مردفا: “استبعد الصدام بين القوتين على الأرض؛ لأن ما يربطهما أكثر من الذي يفرق”.
وجاء في البيان أنه “يقع على عاتق القوات المسلحة دستورا وقانونا، حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة، وقد نظمت القوانين كيفية تقديم هذا العون”.
وقال إنه “بناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر، بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بتحشيد القوات والانفتاح داخل العاصمة وبعض المدن”.
دعت “قوى الحرية والتغيير” السودانيةكل قوى الثورة المدنية والسياسية والأجسام المهنية والنقابية ولجان المقاومة عموماً ومنسوبي مكونات الحرية والتغيير إلى التظاهر يوم السادس من أبريل.
وبعد اندلاع الثورة السودانية التي أسقطت نظام البشير عام 2019، أصبح قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، نائبا للمجلس السيادي الذي يدير البلاد في المرحلة الانتقالية خلف البرهان مباشرة.
وقال أستاذ العلوم السياسية، إبراهيم، إن تحرك قوات الدعم السريع “يؤثر سلبيا على العملية السياسية … الآن القوات بهذا التصرف خلطت كل الأوراق”.
وأشار إلى أن “فرص تنفيذ الاتفاق تبقى ضعيفة إن لم تلغَ” بشكل كامل.
المصدر: الحرة