يحاول السودان محاصرة السوق السوداء للعملات ومطاردة القيمة المتلاشية للجنيه من خلال توحيد سعر صرف الدولار، في تحرك يهدف إلى كبح انهيار العملة المحلية منذ أن اتخذت السلطات النقدية خطوة تعويمها قبل عام.
وتكشف الخطوة عن مدى القلق المسيطر على الأوساط الاقتصادية والشعبية من انفلات الأوضاع بشكل أكبر مما هو عليه مع تضاؤل هوامش تحرك الحكومة لإصلاح الخراب، خاصة بعدما فاقمت الأزمة الروسية – الأوكرانية مخاطر تضرر اقتصاد البلاد.
وبعد وقت وجيز من تعيينها أعلنت اللجنة العليا للطوارئ الاقتصادية في أول اجتماع لها الأحد الماضي أنها قررت اتخاذ القرار بسبب “تراجع قيمة الجنيه في السوق السوداء” على الرغم من وجود تحديث يومي لسعر صرف استرشادي يصدره البنك المركزي.
جراهام عبدالقادر: تم اتخاذ عدة قرارات اقتصادية لمواجهة الأزمات
وقال جراهام عبدالقادر، وزير الثقافة والإعلام المكلف، عقب الاجتماع إن “القرارات الاقتصادية تضمنت توحيد سعر صرف الجنيه وتأمين انسياب المشتقات النفطية لضمان استقرار الإمداد الكهربائي وتسهيل إجراءات توفير احتياجات شهر رمضان بشكل عاجل”.
ولم يتضمن بيان عبدالقادر بشأن قرار اللجنة أي تفاصيل عن توقيت الخطوة أو المستوى الذي سيتم عنده توحيد سعر الصرف.
وبحسب المتعاملين في سوق الصرف المحلية فإن السعر الرسمي للعملة الأميركية يبلغ نحو 444 جنيها، في حين يبلغ سعر الدولار في السوق السوداء نحو 550 جنيها مقارنة بنحو 540 جنيها نهاية الأسبوع الماضي، و375 جنيها في فبراير العام الماضي.
وكان البنك المركزي يهدف من خفض قيمة العملة المحلية في ذلك الوقت إلى ضبط سوق الصرف في ظل بروز مساع جادة لتجاوز أزمة اقتصادية مُعقدة والحصول على إعفاء دولي من الديون.
وأدى تعويم العملة، الذي جاء في إطار سلسلة من الإصلاحات التي نفذتها حكومة انتقالية مدنية تحت إشراف صندوق النقد الدولي، إلى استقرار في سعر الصرف طيلة أشهر.
ولكن الاقتصاد تعرض لضغوط جديدة منذ أكتوبر الماضي بعدما عزلت القيادة العسكرية حكومة عبدالله حمدوك، وعلق المقرضون الدوليون الكثير من المساعدات للبلد.
ويتخوف محللون من أن يعقد تراجع العملة المحلية إلى مستويات أكبر في السوق السوداء حسابات السلطات الساعية إلى تعديل بوصلة الاقتصاد المشلول، والتي تتهم جهات تعمل لصالح النظام السابق بالسعي إلى تخريبه لإحداث البلبلة داخل الأوساط الشعبية.
وهددت السلطات بملاحقة كل من سيتلاعب بسعر صرف العملة المحلية، وأنها ستنشئ محاكم خاصة لمحاكمة “المخربين” المسؤولين عن التهرب الضريبي وتهريب الذهب.
وذكر بيان للمجلس الحاكم أنه “سيتم فرض رقابة على جميع مناجم وشركات الذهب في كافة أنحاء البلاد للقضاء على التهريب، وأنه تم اعتقال أكثر من 40 من مهربي الذهب وتجار العملة” حتى الآن.
وتقول القيادة السودانية إنها ستعتمد على الموارد الداخلية بما في ذلك الذهب لتمويل موازنة العام الجاري، رغم أن محللين يعتقدون أن من المستحيل على ما يبدو تلبية الدولة التزامات الإنفاق العام دون طباعة نقود.
ويعاني البلد أصلا حتى مع وجود دعم دولي وعربي لإنقاذ اقتصاده من أزمات متجددة في الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، إلى جانب تدهور مستمر في عملته التي أثرت على معيشة الناس لكون الرواتب لم تعد تكفي لمواجهة مصاعب المعيشة.
وكانت الخرطوم قد رفعت في عام 2020 معظم الدعم عن المحروقات تلبية لمطلب رئيسي للمقرضين، ولكن الأزمة الاقتصادية التي أشعلت فتيل الاحتجاجات الحاشدة ضد نظام عمر البشير ظلت مستمرة، ومن أبرز سماتها شح الوقود والخبز وانقطاع الكهرباء.
ونتج عن ذلك الوضع تسارع التضخم السنوي حتى بلغ مستويات قياسية وصلت إلى أكثر من 360 في المئة قبل أن يستقر عند 256 في المئة، ومع ذلك لا يزال يعتبر من أعلى المعدلات في العالم.