انخفضت حدة توتر المشهد السياسي في البلاد إلى حد قيام قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بالجلوس مع المكون العسكري الحاكم، وجاء اللقاء غير الرسمي في إطار مساعي إنهاء الأزمة القائمة منذ 25 أكتوبر الماضي، وقد قوبل التطور الإيجابي بترحيب قوى سياسية ورفض واسع من أخرى متمسكة بإنهاء الانقلاب دون الجلوس مع العسكريين..
على أي حال استخدمت القوى المعارضة للانقلاب العديد من الوسائل للخروج من الأزمة وبطبيعة الحال يحافط الشارع على أنه الوسيلة الأساسية لإنهاء انقلاب 25 أكتوبر والذي أسقط نظام المخلوع عمر البشير، وفي سبيل إنهاء الأزمة رهن متحدثون لـ(اليوم التالي) الخروج من النفق عبر أدوات مختلفة قالوا إنها ستنهي الانقلاب قبل 30 يونيو الحالي، أبرزها الضغط الداخلي المتمثل في استمرار الاحتجاجات والضغط الخارجي عبر المقاطعات الدولية وفرض العقوبات على الجانب العسكري ومؤسساته من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والموسسات الدولية، بالإضافة إلى العملية السياسية، وكانت ضربت بدايتها الاجتماع غير الرسمي لطرفي النزاع واستشعار الجميع بداية الوصول لمرحلة اللادولة، فيما اعتبر تحالف الحرية والتغيير التوافق الوطني وسائل الضغط ضعيفة ومحدودة فضلاً عن أنها لا تؤدي لتوافق سياسي ورأي حوار الآلية الثلاثية الحل الأمثل لإنهاء الانقلاب.
استمرار ضغط
ويقول القيادي بحزب الأمة القومي عروة الصادق في حديثه لـ(اليوم التالي) إن الوسيلة الأنجع التي يشترك فيها جميع السودانيين المناهضين للانقلاب استمرار الضغط الجماهيري وتنامي درجات الاعتراض عليه بالوقفات الاحتجاجية تدرجاً للإضراب والعصيان، وأضاف أن العقل الجمعي يحضر لذلك في المركز والولايات والمهجر باشتراك كافة القوى الحية التي يرجى أن تتوحد على رؤية واحدة تنهي هذه الحقبة، وأشار الصادق إلى أن الضغط الإقليمي والدولي خاصة من داعمي الانقلاب الذين تنصلوا عنه، ووضعوه في مواجهة مع الشعب حيث سالت الدماء وأزهقت الأرواح، وقال إن العامل الذي لا يقل أهمية عما ذكر هو إحاطة البلاد بالأزمات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والخدمية والثقافية والسياسية، وإرهاصات رجوعها لقفص العقوبات والقوائم السوداء والاتهامات وعقوبات بعض الدول كأمريكا والمملكة المتحدة المزمع فرضها علىٰ عسكريين وشركاتهم ومؤسساتهم وأسرهم، ونوه إلى أن العقوبات لن تكون سهلة، بل يمكن أن تنعكس وبالاً على البلاد لأن هناك من يلوح باتخاذ نهج البشير الانفرادي العنادي المتحدي للأسرة الدولية بحسب تعبيره، وأكد عروة أن الاستخدام الأمثل للعوامل السابقة سيعجل بإنهاء الانقلاب قبيل ٣٠ يونيو الجاري، ويجنب البلاد الانزلاق في حرب أهلية، ويخرجها من شبح المجاعة الذي يلوح في الأفق، فضلاً عن أنها تبعدها من تبعات الحظر الدولي ويعيد المكاسب الانتقالية من جدولة للديون ومنح وقروض وعدم إعادتها للقوائم السوداء.
انفراج أزمة
فيما يرى القيادي بالتجمع الاتحادي أحمد حضرة أن الشروط التي طرحت لإنهاء الانقلاب وعودة الحكم المدني من قبل الولايات المتحدة إذا قبلت بالضغوط الخارجية الكبيرة على المكون العسكري تقود إلى انفراج وبداية حلول للأزمة بتسليم السلطة وفي حال رفضها من المكون العسكري فلن يكون هناك حوار أو تأجيل لوقت آخر ستكون هناك عودة للوضع الطبيعي السابق المقاومة السلمية للانقلاب حتى إسقاطه، وقال حضرة لـ(اليوم التالي) إن تجميد الحوار خطوة في مسار إنهاء الانقلاب وليس لدعمه حتى لا يتعقد المشهد المتأزم سيما وأن البلاد تحت إمرة الانقلابيين وأضاف أن استمرار الحوار لن يقود لأي إسهام في حلول للأزمة وإنهاء الانقلاب لأن جميع من دعتهم الآلية لجلستها الأولى هم مصنفين داعمين للانقلاب.
حوار شامل
وفي السياق ذاته قال عضو المكتب السياسي للتحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية وقيادي بقوى الحرية والتغيير التوافق الوطني محي الدين إبراهيم جمعة، إن أثر وسائل الضغط ضعيف ومحدود لا يؤدي إلى توافق سياسي لجهة أنه يقود إلى إنتاج ذات العقلية القديمة التي عقدت المشهد في فترة حكومة الدكتور عبدالله حمدوك وأن الحوار الشمال أفضل وسائل إنهاء الانقلاب، وأبان جمعة في حديثه لـ(اليوم التالي) أن الضغط الجماهيري الموجود، محدود ولا يعبر عن كافة طلعات الشعب السوداني، علاوة على أنه ينتظر توافقاً سياسياً وتشكيل حكومة مدنية توافقية جديدة تعالج الأوضاع الاقتصادية الحالية لإدارة الدولة وإنجاز ما تبقى من ملفات السلام، وأكد أن المجتمع الدولي يرى الحوار الذي تدعمه الآلية الثلاثية الوسيلة الأنجع لإنهاء الأزمة السياسية ويفضي الى إنهائها.
حكومة تكنوقراط
ومن جهتها رهنت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الزعيم الأزهري د. سهير صلاح إنهاء الانقلاب بوضع رؤية متكاملة لإدارة الفترة الانتقالية وكشفت عن تقديم رؤية لحكومة تكنوقراط مصغرة لإدارة ما تبقى من الفترة الانتقالية تنتهي في يونيو 2023، مهمتها تكوين ودعم مفوضية الانتخابات وإتاحة مزيد من الحريات بغرض استعداد القوى السياسية للانتخابات وأن يختار المواطن ما يصلح بلاده دون تدخل خارجي، لجهة أنه على مر التاريخ لا يعمل لمصلحة الشعوب، بل يعمل لمصلحته، وبحسب صلاح في حديثها لـ(اليوم التالي) أن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الوضع هي الانتخابات في موعدها المحدد، وحذرت من الحلول الخارجية وقالت إنها لن تنجح، بل تقود إلى تدهور الأوضاع الأمنية وانهيار المجتمعات وهجرة الشعوب من أوطانها، وشددت على ضرورة الانتباه للمخططات العالمية مثل مشروع الفوضى الخلاقة وإعادة تقسيم الدول بجانب صفقة القرن والصراع حول الموارد التي نضبت في مواقع كثيرة من العالم، وقالت أستاذة العلوم السياسية إنه لا يجب أن ننظر لما يجري في السودان بأنه صراع بين عسكريين ومدنيين فقط، بل صراع داخله قوى إقليمية ودولية.
آليات إنهاء الأزمة
وفي الاتجاه ذاته يرى المحلل السياسي الصادق المقلي أن إنهاء الحكم العسكري في البلاد عبر ثلاث آليات تتمثل في الضغط المحلي، والضغط الدولي بجانب العملية السلمية، وأوضح أن تكاتف الضغط الداخلي الممثل في الحراك الثوري في الشارع والضغوط الدولية والإقليمية في تحالف مبطن شلت تماماً من قدرة السلطة العسكرية في إثبات مصداقية مبررات استيلائها على السلطة في ٢٥ أكتوبر وكذلك فشلها في تحقيق أي من الأهداف المعلنة في بيانها صبيحة ذلك اليوم لجهة أنه زاد التشظي السياسي والمسار اعوجاجاً بدلاً عن تصحيحه وفق تعبيره، بالإضافة لفشلها في تكوين حكومة على صعيد المركز والولايات وعجزها عن تشكيل مؤسسات الدولة التي وعد بها البرهان في 25 أكتوبر الماضي، وقال المقلي لـ(اليوم التالي) إن البلاد شهدت أزمة غير مسبوقة في تاريخها لدرجة أن الحاكمين أنفسهم أقروا بأن السودان وصل حالة اللادولة، وتفاقم الانهيار الاقتصادي والانفلات الأمني في العاصمة ودارفور وتدهور سعر الصرف بعد أن ثبت خلال ثمانية أشهر قبل ٢٥ أكتوبر، فضلاً عن انعدام الخبز المدعوم ومضاعفة أسعار كل الخدمات والسلع الضرورية بصورة فلكية وأضاف: هذا هو عامل الضغط المحلي، وبحسب الصادق أن الحراك الثوري في الشارع وجد إعجاباً واصطفافاً عبرت عنه المبعوثة الأمريكية عند لقائها مع رجال المقاومة وتضامن وإسناد دولي الأمر الذي قاد البلاد إلى مربع العزلة الدولية والإقليمية، مشيراً إلى تعليق الاتحاد الأفريقي لعضوية السودان ونزع رئاسة الإيقاد منه بجانب تعليق كل المساعدات الإنسانية والاقتصادية وحرمانه من استحقاقاته من المؤسسات المالية الدولية متعددة الأطراف وإيقاف مسيرة إعفاء الديون من خلال مبادرة الهيبيك بعد أن قطع شوطاً كبيراً، ووصل في وقت قياسي إلى نقطة القرار التي مهدت لإعفاء أكثر من عشرين مليار دولار كما كان في طريقه إلى الوصول إلى نقطة الإنجاز وإعفاء، كل ديونه الـ60 مليار خلال السنوات الثلاث المقبلة، وطبقاً للمحلل السياسي أن الضغط المحلي والدولي يمهدان لانطلاق العملية السياسية، واعتبر ضربة بدايتها الاجتماع غير الرسمي لطرفي النزاع في منزل السفير السعودي واستشعار الجميع عسكريين ومدنيين بأن عدم حل الأزمة ينذر بانهيار تام للدولة سيما وأن المجتمع الدولي ومجموعة البنك الدولي قد هددت بمقاطعة السودان بدلاً عن تعليق في غياب حل الأزمة واستعادة مسار التحول الديمقراطي ما يؤدي إلى انهيار تام للدولة.
فلاش باك
وقد أكدت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، مولي في، خلال لقاءاتها بقادة الجيش، على الضرورة الملحة لتنازلهم عن سلطتهم لحكومة انتقالية مدنية ذات مصداقية، وفي غضون ذلك يواصل الشارع الاحتجاجات الرافضة للحكم العسكري، والمطالبة باستعادة الحكم المدني والتحول الديمقراطي، وقالت في بيان نشرته السفارة الأميركية في الخرطوم على حسابها الرسمي في فيسبوك إن الوقت قد حان لإجراء حوار بنّاء بين أصحاب المصلحة، وإحراز تقدم نحو إنشاء إطار مدني انتقالي، وشددت على الاهتمام المستمر بتدابير بناء الثقة، ويشمل ذلك محاسبة المسؤولين عن وفاة 100 متظاهر، وعن العنف الذي يعاني منه الآلاف، وأضافت في اجتماع مهم توسطت فيه أميركا والسعودية، اتخذت الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية خطوات لبناء الثقة اللازمة، وركزت على جهود الآلية الثلاثية، التي تضم بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد)، في تيسير العملية السياسية لاستعادة الانتقال المدني بالكامل إلى الديمقراطية، وأكدت المسؤولة الأميركية، مولي في، على التزام واشنطن القوي مع شعب السودان دعماً لتطلعاته في الحرية والسلام والعدالة، وأشار البيان إلى أن المسؤولة الأميركية استمعت إلى الجهات المعنية المدنية من جميع الأطياف السياسية، وشريحة واسعة من ممثلي المجتمع المدني ولجنة المقاومة، والقيادات النسائية، وعائلات الشهداء المناصرة للديمقراطية.
المصدر: صحيفة اايوم التالي