بقلم سليمان منصور
قبل سنوات ثار المسلمون فى جميع أرجاء الأرض وامتعضوا من إقدام مجلة شارل ايلدو الفرنسية من نشر رسومات مسيئة للرسول الاكرم صلوات الله عليه وآله ، ويومها اصطفت أوروبا خلف فرنسا وتخندقوا معا تحت جدار أسموه حرية التعبير كحق مقدس لايجوز عندهم وبحسب ادعائهم الاعتداء عليه ، واعتبروا ذلك من المسلمات التى لاتقبل النقض ، ولم يحفل الفرنسيون باحتجاجات المسلمين فى فرنسا وجميع أرجاء الأرض رافضين من حيث المبدأ النقاش فى فكرة أن الإساءة لمقدسات الغير لا تدخل تحت تعريف حق الإنسان فى التعبير عن رأيه ، ويومها اعتبرت فرنسا ان لكل أحد أن يعبر عن رأيه بما يشاء وكيف يشاء .
ونفس الموقف الفرنسى هذا وقفه الأوروبيون والغربيون قاطبة ومن ضمنهم فرنسا عندما نشر سلمان رشدى روايته ايات شيطانية واساء فيها للنبى الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، ورفض الغربيون بشكل جماعى فتوى الامام الخميني بإهدار دم سلمان رشدى وضغطوا على ايران لالغاء الفتوى متغافلين أو جاهلين أن الفتوى بقتل رشدى صادرة من موقع المرجعية الدينية وليس من موقع الامام الخميني كقائد وزعيم للثورة الإسلامية ومرشد للجمهورية الإسلامية. دون إعطاء اعتبار لأى مفهوم .
واليوم ونحن نتابع معا تداعيات الحرب فى أوكرانيا والانخراط الأوروبي الأمريكى فى الصراع بل دخولهم طرفا فيه وتوافقهم ليس فقط على مناصرة كييف وانما تطبيقهم العقوبات الاقتصادية على موسكو فضلا عن إرسالهم السلاح إلى اوكرانيا والعمل العلنى على استنزاف روسيا وانهاكها وكل ذلك عملا بتوجيه امريكا وتحقيق رغبتها باستخدام أوروبا كاداة تصل بها الى مبتغاها مع أن الشعوب فى القارة العجوز تجاهر برفضها مايجرى وان تكون حكوماتهم نابعة خاضعة لأمريكا ، فى ظل هذه الظروف تنشر إحدى السفارات الروسية فى أوروبا -سفارة موسكو فى باريس – رسما كاريكاتوريا يظهر أوروبا كمريض أنهكت جسده المتهالك ابر أمريكا والاتحاد الأوروبي التى يزرقها فى الجسد الأوروبى المريض وامريكا والاتحاد الأوروبي يمثلان الكوادر الصحية الساعية لعلاج المريض فى حين أنها بسوء تقديرها وقراءتها الخاطئة وعدم استجابتها النصح ورفضها مراجعة موقفها بهذا التعنت الذى يمارسه المعالج أو مدعى معرفة العلاج يزداد حال المريض سوء وتتدهور حالته .
الرسم الكاريكاتورى الذى نشرته السفارة الروسية فى حسابها على أحد مواقع التواصل الاجتماعى اثار غضب باريس مما دفع وزارة الخارجية الفرنسية الى استدعاء السفير الروسى فى باريس والاحتجاج القوى على نشر الرسم والطلب من الروس سحب الرسم لكن الروس قالوا للفرنسيين الا تذكرون رفضكم المطلق لمجرد النقاش فى فكرة أن الإساءة إلى مقدسات الآخرين ليست محظورة وانما تندرج تحت باب حرية التعبير عن الرأي وهو ماتعتبرونه حقا مقدسا لايقبل النقاش حوله فلماذا لا تلتزمون بما الزمتم به أنفسكم ، ولماذا لاتعتبرون ما اقدمنا عليه يندرج تحت باب الحق فى حرية التعبير .
فرنسا بمواقفها المتناقضة جديرة بأن توصف بأن سياستها تقوم على اختلال المعايير وازدواجيتها وأنها سقطت أخلاقيا ولم تعد بمكان يسمح لها بتوجيه النصح للآخرين وانتقاد مواقفهم وتقييمها فالساقطون أخلاقيا والمختلة معاييرهم ليسوا أهلا للحديث فى هذه القضايا .