قالت صحيفة لوموند الفرنسية؛ إن الرئيس التونسي قيس سعيد يرفض سياسة الهجرة الأوروبية، ويتخوف من تسببها في إعادة المطالبة بالتفاوض على الاتفاقيات القائمة بين البلاد والاتحاد الأوروبي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″؛ إنه فيما يتعلق بموضوع الهجرة غير الشرعية، تتجه الأمور نحو الأسوأ بين تونس والاتحاد الأوروبي، إذ رفض الرئيس قيس سعيّد مساعدات بقيمة 127 مليون يورو من المفوضية الأوروبية، بما في ذلك 67 مليون يورو مخصصة لبرنامج المساعدة التشغيلية بشأن الهجرة، بالإضافة إلى دعم الميزانية بقيمة 60 مليون يورو.
وفي بيان صحفي نشر مساء الاثنين 2 تشرين الأول/أكتوبر، قال قيس سعيّد؛ إن “تونس لا تقبل الصدقات ولا الإعانات. إن بلادنا وشعبنا لا يريدان التعاطف، بل يطالبون بالاحترام. لهذا، رفضت تونس ما أعلنه الاتحاد الأوروبي في الأيام الأخيرة، ليس بسبب المبلغ الزهيد الذي تنوي التبرع به؛ لأن كل ثروات العالم لا تساوي حبة واحدة من سيادتنا لشعبنا، وإنما لأن هذا الاقتراح يتعارض مع مذكرة التفاهم الموقعة بتونس”، في إشارة إلى مذكرة التفاهم الموقعة بين الطرفين في تموز/يوليو الماضي للتعاون خاصة في مكافحة الهجرة غير النظامية. ثم أكد قيس سعيّد “موقف تونس المتمثل في مراقبة حدودها فقط”.
وأوردت الصحيفة أنه تم تقديم المساعدة المالية كدعم لتنفيذ هذا الاتفاق، وتم الإعلان عنها في إطار “خطة عشر نقاط”، قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في 17 أيلول/سبتمبر في لامبيدوزا، بعد وصول حوالي عشرة آلاف مهاجر إلى البلاد على مدى عدة أيام، قادمين من السواحل التونسية، الواقعة على بعد أقل من 150 كيلومترا من الجزيرة الإيطالية.
وتهدف الخطة إلى مساعدة إيطاليا على مواجهة هذا التدفق القياسي للمهاجرين، وتتضمن “دراسة إمكانيات تطوير المهام البحرية في البحر الأبيض المتوسط”، وهي الرغبة التي أعربت عنها في وقت سابق رئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جيورجيا ميلوني، التي ترتبط “بالحصار البحري”، وهو وعد انتخابي مثير للجدل، دافعت عنه الزعيمة الإيطالية خلال الانتخابات العامة لسنة 2022.
بالإضافة إلى ذلك، تشير خطة المفوضية الأوروبية إلى “إمكانية التوصل إلى إتفاق عمل بين تونس والوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس”، وتشكيل فريق عمل للتنسيق ضمن اليوروبول لمكافحة تهريب المهاجرين، بطريقة أكثر استهدافا على طريق الهجرة إلى لامبيدوزا عبر تونس”، بالإضافة إلى تسريع توفير المعدات، وتعزيز “تدريب خفر السواحل وغيرها من الخدمات الأمنية الأخرى التونسية”.
“عقلية استعمارية”
وعلى المنوال نفسه، قدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه لجورجيا ميلوني رئيسة الحكومة الإيطالية، وأشار خلال مقابلة أذيعت يوم 24 أيلول/ سبتمبر إلى رغبته ربط المساعدات المالية المقدمة للتونسيين، واقتراح “نقل خبراء ومعدات على سواحلهم لتفكيك شبكات التهريب”. وأكد أنها “شراكة محترمة”، مذكرا بأنه “في غضون ساعات قليلة، وصل عدة آلاف من المهاجرين إلى لامبيدوزا، وغادروا جميعا من ميناء صفاقس”، ثاني أكبر مدينة في تونس ونقطة الانطلاق الرئيسية للمغادرين نحو أوروبا.
وفي اليوم التالي، أبلغ قيس سعيّد عن “قرار تأجيل الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وفد من المفوضية الأوروبية إلى تونس إلى تاريخ لاحق”، وكلّف وزير خارجيته “بإبلاغ الجانب الأوروبي”، وفقا لبيان مختصر نُشر على صفحته على فيسبوك، فيما من المتوقع أن يناقش وفد من المسؤولين الأوروبيين هذا الأسبوع “تنفيذ مذكرة التفاهم، ولا سيما الإجراءات ذات الأولوية”، في إطار الدعم المالي المعلن عنه. وعلى الجانب الأوروبي، يحاول مصدر دبلوماسي التهدئة من خلال الإشارة إلى وجود “مشكلة تقويم” بسيطة، وزيارة ستتم “قريبا جدا”.
وفي تونس، اعتبر العديد من وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية (بما في ذلك الأحزاب المعارضة)، سياسة الهجرة الأوروبية وتعليقات إيمانويل ماكرون بمنزلة “هجوم على السيادة الوطنية”.
على ضوء ذلك، أدان حزب التيار الديمقراطي الذي يقبع أمينه العام السابق غازي الشواشي في السجن منذ أكثر من ستة أشهر، إلى جانب نحو عشرين معارضا آخرين بتهمة “التآمر ضد أمن الدولة”، “البيان الذي يعكس وجود عقلية ووصاية استعمارية، لا تزال سائدة لدى بعض قيادات الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط”، مؤكدا أن دعم فرنسا الضعيف للانتقال الديمقراطي بعد الثورة “هز ثقتنا في نواياها، لدعم شراكة حقيقية تقوم على احترام السيادة وتعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”.
وأشارت الصحيفة إلى أن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة غير حكومية، تراقب قضايا الهجرة في تونس، اعتبر أن “الرئيس الفرنسي على خلفية التصعيد والصراع على السلطة، يدفع بحدود النهج الأمني إلى أقصى الحدود لاحتواء الحق في التنقل بحرية”، وهو إجراء أدى إلى صعود اليمين المتطرف إلى قمة السلطة في أوروبا المتهاوية أخلاقيا”.
اقتحام للحدود
وبعد مرور أكثر من شهرين على توقيع مذكرة التفاهم الرامية إلى تعزيز مراقبة الحدود في جنوب البحر الأبيض المتوسط، يبدو أن السلطات التونسية ليست على وعي بالعدد المتزايد من المغادرين إلى أوروبا. وبعد التدفق القياسي للمهاجرين إلى لامبيدوزا في منتصف أيلول/سبتمبر، كثفت تونس عملياتها ضد مواطني جنوب الصحراء الكبرى، الذين لجؤوا إلى المركز التاريخي لمدينة صفاقس، مع تقريبهم من المناطق الريفية القريبة من مناطق المغادرة إلى أوروبا.
وفي تموز/ يوليو، في أثناء المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتونس، طُرد آلاف المهاجرين من منازلهم بعد عملية مطاردة حقيقية، وتم تهجيرهم إلى وسط الصحراء على الحدود الجزائرية والليبية. ومن جهتها، دعت منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية، التي وثقت هذه الانتهاكات، المفوضية الأوروبية، إلى “التوقف عن تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها تونس ضد المهاجرين”.
المصدر: عربي21