إذا دخلت أي مكتبة كبيرة اليوم فستجد على الأقل واحدة من مسرحيات المؤلف المسرحي والشاعر البريطاني وليام شكسبير الشهيرة، وإذا لم تعثر عليها على رفوف المكتبات فإنك ستجد ضالتك عبر العديد من النسخ المجانية على شبكة الإنترنت.
في تقرير نشره موقع “سكرول إن” (scroll.in) الهندي يقول الكاتب أندرو مورفي إن الفضل في انتشار أعمال شكسبير على نطاق واسع في عالمنا اليوم يعود إلى عدد من الناشرين المغامرين الذين أتاحوا أعمال الكاتب البريطاني للقراء بأسعار زهيدة على امتداد القرون الماضية.
كان توماس ميلينغتون -وهو ناشر صغير في لندن ومتخصص في الكتب الشعبية- أول من قدم مسرحيات شكسبير للجمهور العريض في أواخر القرن الـ16.
نشر ميلينغتون مسرحية “تيتوس أندرونيكوس” والجزأين الثاني والثالث من مسرحية الملك هنري السادس، ورغم أن مكتبته كانت تقع في مكان ناء بالعاصمة البريطانية فقد لقيت الإصدارات رواجا بين القراء، وهو ما شجع الكثير من الناشرين الآخرين على السير على خطاه.
ويعد وليام شكسبير أشهر كاتب في تاريخ بريطانيا ومن أبرز الكتاب في الثقافة الغربية وفي الأدب العالمي، وعرف بتمكنه من ناصية النثر والشعر معا وجزالة التعبير، وبالقدرة الفائقة على وصف الطبيعة البشرية، وإن كان الغموض لا يزال يلف أصالة بعض نصوصه الأدبية وفترات من حياته، وقد ترجمت أعماله الأدبية إلى أكثر من 80 لغة.
حرب أسعار
بحلول عام 1623 -أي بعد 7 سنوات من وفاة شكسبير- كانت المبيعات جيدة بما يكفي لنشر جميع المسرحيات في طبعة واحدة عرفت باسم “المطوية الأولى”.
لكن تلك الطبعة -كما يقول الكاتب- لم تكن في متناول الجميع، إذ بلغ ثمنها حينذاك نحو جنيه إسترليني واحد -أي ما يعادل أجر حرفي ماهر لـ9 أيام- ولم يكن يتحمل دفع ذلك المبلغ إلا الأثرياء، لتبقى أعمال شكسبير حكرا على نخبة ضيقة من القراء.
وحسب الكاتب، فإن أول شخص حاول كسر هذا الحاجز بين القراء وأعمال شكسبير هو روبرت ووكر (1709-1761)، وكان مثل ميلينغتون ناشرا متخصصا في الكتب الشعبية زهيدة الثمن.
في منتصف الثلاثينيات من القرن الـ18 شن ووكر حرب أسعار على “مؤسسة لندن للنشر” (London publishing establishment)، مما أدى إلى انخفاض ثمن الكتاب الواحد من أعمال شكسبير إلى بنس واحد، وبسبب تلك الخطوة توسعت قاعدة قراء شكسبير بشكل غير مسبوق، وزاد الطلب على عروض مسرحياته خلال القرن الـ18.
شكسبير للجميع
في القرن الـ19 سار ناشر آخر يعرف باسم “جون ديكس” على خطى ووكر، حيث عمل على تخفيض سعر كتب شكسبير بشكل غير مسبوق.
كان ديكس ينحدر من أسرة فقيرة، وعمل على إتاحة أعمال شكسبير لأفقر فئات المجتمع البريطاني.
وفي ستينيات القرن الـ19 أطلق عدة إصدارات، وبلغ سعر المسرحيتين بنسا واحدا، أي نصف السعر الذي باع به ووكر إصداراته قبل أكثر من قرن.
ولاحقا، جمع ديكس كل المسرحيات في مجلد واحد، وعرضه للبيع مقابل 12 بنسا، وكان ذلك أقل سعر لأعمال شكسبير على الإطلاق، وقدّرت مبيعاته من المجلد بمليون نسخة، مما يعني أنها النسخة الأكثر مبيعا من أعمال شكسبير.
وفي عصرنا الحالي -يضيف الكاتب- لعب شخص آخر غير معروف دورا كبيرا في انتشار أعمال شكسبير على نطاق واسع، وهو مبرمج حاسوب يدعى غريدي وارد، حيث أنشأ نسخة رقمية من مسرحيات الكاتب البريطاني عام 1993.
ونشر وارد نسخته مجانا لتصبح أساسا لمجموعة واسعة من المواقع والتطبيقات التي تعرض كتب شكسبير للجمهور العريض، وإذا كان ديكس قد باع مليون نسخة فلا يمكن -وفقا للكاتب- معرفة عدد الأشخاص الذين استفادوا من نسخة وارد الإلكترونية.
ويخلص الكاتب إلى أن الفضل في إتاحة أعمال شكسبير لعشرات الملايين من الناس حول العالم حاليا -سواء في شكل نسخ مطبوعة أو عبر الإنترنت- يرجع بشكل كبير لأولئك “الأبطال المجهولين” الذين ساعدوا في نشر أعماله على مر القرون، مثل ووكر وميلينغتون وديكس ووارد.
أديب الإنجليزية الأكبر
اشتهر شكسبير بنصوصه المسرحية التي ناهزت 137 نصا، وترجمت إلى كثير من لغات العالم، وما زالت تجسد في مسرحيات بكل أصقاع الأرض.
كما اشتهر بقصائده ونصوصه السردية المواكبة لتلك الحقبة، ومع ذلك لا تزال فصول من حياة شكسبير غير معروفة، وربما كان ذلك هو السبب في غلبة الجانب الأسطوري على تناول سيرته، فعلى سبيل المثال لا تعرف وثائق تفيد في تحديد مسار شكسبير خلال الفترة بين عامي 1580 و1592، ولا تفسر انتقاله من موطنه الأصلي في ستاتفورد إلى العاصمة لندن الذي يعتقد أنه كان في هذه الفترة.
وعزت دراسات تاريخية هذا الفراغ إلى تواري الرجل عن الأنظار وممارسته التعليم ردحا من الزمن في منطقة نائية من بريطانيا، لكن من المؤكد أن شكسبير عمل في مسرح لندن ممثلا ثم كاتبا لفرقة مسرحية في عام 1594، وفي تلك المرحلة تكثف نشاطه الأدبي فكتب أشهر نصوصه المسرحية والشعرية.
وإذا كان اسم شكسبير ارتبط بفن المسرح بسبب الصيت العالمي الذي حققته نصوصه المسرحية فهو أيضا شاعر نابغة حتى أنه سمي “شاعر إنجلترا الوطني”، وله قصائد تعد بالعشرات.
وفي عام 1611 قرر شكسبير اعتزال النشاط الأدبي والحياة العامة والتفرغ لحياته الخاصة، لكن تقاعده هذا لم يكن هادئا البتة، إذ دخل في صراع قضائي مرير حول بعض الأملاك العقارية.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية