بعد أشهر عصيبة مرّت على حي “كرم الجاعوني” في الشيخ جراح بالقدس، تنتعش أزقته ومنازله بانطلاق فعاليات “شارع الشيخ جراح الثقافي” الهادفة لخلق نشاطات مختلفة داخل الحي الذي يهدد سكانه التهجير القسري لصالح المستوطنين.
الوجود وتعزيز صمود الأهالي -في مرحلة حساسة ينتظرون فيها قرارا من المحكمة الإسرائيلية العليا- كانا من بين الأسباب التي انطلقت من أجلها فعاليات الشارع.
قال كرمل قاسم -أحد سكان الحي- إن المبادرة التي انطلق بها الأهالي تهدف إلى إتاحة الفرصة للمؤسسات الوطنية والأجنبية للوقوف عند مسؤولياتها تجاه حي الشيخ جراح الذي يعكس واقع القدس الصامد أمام محاولات التطهير العرقي.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن هذه الفعاليات ستتيح فرصة لكل العاملين في المؤسسات المختلفة للتعرف أكثر على أهالي الحي وسماع قصصهم، ليصبحوا جزءا لا يتجزأ من قضية الدفاع عن القدس.
مزار ثقافي دولي
“نريد أن يكون حي الشيخ جراح مزارا ثقافيا دوليا، وطموحنا أن نستضيف أي فنان أو مثقف في الحي ولو افتراضيا عبر التطبيقات المختلفة إن كان يعيش في الخارج، ليصبح شارع الشيخ جراح الثقافي رمزا للتحرر ورفض الاحتلال من خلال الثقافة التي تعتبر جزءا من المقاومة”.
وتابع “هذه الفعاليات ستدعم حتما أهالي الحي من الناحية النفسية كما سيشكل الوجود الميداني والفعلي للمتضامنين والمشاركين في الفعاليات دعما قويا لقضية الشيخ جراح”.
4-أسيل جندي، الشيخ جراح، القدس، جانب من فعاليات شارع الشيخ جراح الثقافي وفي الصورة جانب من العرض الموسيقي(الجزيرة نت) .jpgجانب من العرض الموسيقي ضمن فعاليات شارع الشيخ جراح الثقافي (الجزيرة)
باكورة فعاليات الشارع الثقافي في الحي انطلقت بفقرة غنائية مع الفنان عادل أمسيس القادم من مدينة الرملة، ومعرض لرسومات كاريكاتيرية عن الحي بريشة اللاجئ الفلسطيني أحمد قدورة، بالإضافة إلى بازار شعبي وفعالية تفريغ نفسي للأطفال وكتابة رسائل من الزوار للسكان، واختتمت الفعاليات بعرض فيلم “لن نرحل” للمخرج رائد دزدار والمصور نادر بيبرس، الذي أنتجه الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق المقدسيين.
الجزيرة نت التقت مُعالجة النطق وأخصائية التربية الخاصة شيماء عبد ربه التي نظمت فعالية التفريغ النفسي للأطفال في الحي، وقالت إنها لم تتردد في القيام بالفعالية، خاصة أنها تتابع منذ أشهر أحداث الشيخ جراح وتفكر دائما بالأطفال هناك.
“دائما كنتُ منشغلة بمشاعر أطفال الحي.. بماذا يفكرون؟ وكيف يخلدون للنوم؟ وماذا يفعلون عندما يغادر ذووهم المنزل؟ هذه الأسئلة وغيرها كانت تراودني يوميا كوني أمًا أيضا، وموضوع أطفال الحي أخذ حيزا كبيرا من تفكيري”.
الفعالية التي أدارتها شيماء ركزت على التفريغ النفسي عبر التعبير عن المشاعر من خلال بطاقات، وشارك بها أطفال تتراوح أعمارهم بين 3 و8 سنوات.
تقول شيماء عبد ربه “وضعت البطاقات على الأرض وراقبت اختيار الأطفال لها، ولاحظت أن الأطفال الذين يسكنون بالحي اختاروا بطاقة طفل يجلس أمام البحر، وآخر يلهو في الحديقة، وثالث يمسك بيد أمه وأبيه”.
3-أسيل جندي، الشيخ جراح، القدس، جانب من فعاليات شارع الشيخ جراح الثقافي وفي الصورة جانب من عرض فيلم لن نرحل(الجزيرة نت) .jpgجانب من عرض فيلم “لن نرحل” ضمن فعاليات شارع الشيخ جراح الثقافي (الجزيرة)
انعدام الأمان
والرسائل التي وصلت لشيماء من هذه الاختيارات هي أن أطفال الشيخ جراح يعانون من الكبت، ويبحثون عن الحرية، ولا يشعرون بالأمان جراء ما عاشوه على مدار أشهر في الحي المشتعل.
أما رسام الكاريكاتير الفلسطيني اللاجئ أحمد قدورة، فسرد -للجزيرة نت- رحلة لجوء عائلته من قرية “ترشيحا” قضاء عكا إلى مخيم النيرب في سوريا، ولاحقا رحلة لجوئه عام 2014 من المخيم إلى السويد، والمعاناة الكبيرة التي تخللت هذه الرحلة.
8-إحدى رسوم الكاريكاتير التي شارك بها الفنان أحمد قدورة في معرض شارع الشيخ جراح الثقافي(الجزيرة نت)من رسوم الكاريكاتير التي شارك بها الفنان أحمد قدورة في معرض شارع الشيخ جراح الثقافي (الجزيرة)
وبالتالي، فإنه يرى أهمية كبيرة في دعم كل من أهالي حي الشيخ جراح وبلدة سلوان لحمايتهم من التهجير القسري، فقرر توظيف ريشته للدفاع عن قضاياهم أولا وليحكي معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات ثانيا.
منذ انطلاق الحملة الإلكترونية التي حملت عنوان “أنقذوا الشيخ جراح” قبل أشهر، انهمك أحمد في إنتاج رسوم كاريكاتيرية عن هذه القضية ونشر أعماله على المنصات الاجتماعية المختلفة.
حازت قضيتا سلوان والشيخ جراح على أكثر من 50% من أعماله التي لم يسعَ للمشاركة بها في أي معرض.
“بادر أهالي الحي لإقامة معرض لرسوماتي في الشارع الثقافي وعُرضت الأعمال ببساطة في ساحة أحد المنازل.. لا يمكنني وصف شعوري تجاه ذلك، لكن يمكنني القول إنني أعتبر عرض أعمالي في هذا المكان وسام شرف وفخر وكرامة أضعه على صدري، وشعرت -رغم بعد المسافات بيني وبين الحي- أنني بين الناس ومعهم، وأنني جزء من النضال في هذه المدينة المقدسة”.
ركز أحمد قدورة على أهمية استمرار التفاعل مع قضية الشيخ جراح وعدم التراجع عن دعم سكانه، لأنه في حال تم تنفيذ مخطط التهجير القسري فإن ذلك سيكون مقدمة لتهجير أحياء أخرى بأكملها في القدس.
أُسدل الستار على أولى فعاليات “شارع الشيخ جراح الثقافي” على أن تستضيف منازل الحي المزيد من الفعاليات في قادم الأيام لإعمار “كرم الجاعوني” بالمتضامنين والمثقفين والفنانين لتبقى القضية حيّة على الأرض وفي وسائل الإعلام.
المصدر : الجزيرة